قبل أيام توجهت إلى مكتبة الكلية التي أعمل بها... وبمجرد دخولي وجدت جمهرة من الموظفين حول صحيفة "المصري اليوم". جلست غير بعيد لأستمع إلى حديثهم. إنهم يقرءون خبرا بعينه ثم يعيدون قراءته. الخبر يتعلق بالمخصصات المالية لمدير مكتبة الإسكندرية. تساءل أمين مكتبة الكلية عما إذا كان كلمة "الأمين" مرادفة لكلمة "المدير"، ولماذا لا يطلقون اسم المدير على أمناء مكتبات مصر... فالاسم أوجه ويوحي بأهمية من يحمله، أم أن صفة "المدير" مخصصة لأمين المكتبة السكندرية وليس لأحد سواه. ويتساءل أمين مكتبة الكلية عن المجهود الذي يبذله زميله أمين (مدير) مكتبة الأسكندرية ليستحق عشرين ألف دولار شهريا (حوالي مائة وعشرين ألف جنيه)، ومعهم ثلاثون ألف دولار سنويا بدل سكن، أي ما يوازي خمسة عشر ألف جنيه شهريا، ويضاف إلى ما سبق عشرون ألف دولار مكافأة عن تجديد العقد! جلست على أقرب كرسي لأجري عملية حسابية بسيطة. توصلت إلى أن مدير (أمين) المكتبة السكندرية يتقاضى- بخلاف مكافأة تجديد العقد- حوالي مائة وخمسة وثلاثين ألف جنيها شهريا، أي 4500 (أربعة آلاف وخمسمائة جنيه) يوميا. إذن المرتب اليومي لهذا المدير (الأمين) يعادل مرتب ثلاثة أعضاء هيئة تدريس بدرجة مدرس في الشهر- نعم في الشهر. ترى ما هي المسئوليات الجسام التي يضطلع بها حضرته ليستحق هذا المبلغ... إنه حتى لا يدري شيئا عن أموال خصصت للمكتبة أمانته ووجدت طريقها إلى أرصدة الرئيس السابق أو زوجته. تصوروا... هذه المخصصات تكفي لتعيين ما لا يقل عن ثلاثمائة خريج جامعي كل شهر بمرتب قدره خمسمائة جنيه. وما لانفهمه أيضا هو بدل السكن الممنوح "للأمين" وهو ثلاثون ألف دولار في السنة. لقد كان أيسر على الحكومة أن تؤجر لسيادته مسكنا، إلا إذا كان هذا البدل ليس بدل سكن، وإنما بدل فيلا أو قصر. ربما يكون سيادة "المدير" (الأمين) ذا تخصص نادر إلى حد أن يشترط بدل سكن ومكافأة تجديد عقد. أكاد لا أصدق هذا الكلام... صحيح أنني شاهدت اللوافت التي يرفعها موظفو المكتبة مطالبين برحيل أمينها، ومنددين بمخصصاته، ومع ذلك لم يفارقني الشك فيما يقولون. أفقت على صوت ضحكات ساخرة حينما قال أمين مكتبة الكلية أن مرتب أمين المكتبة السكندرية يعدل أو يتفوق على مرتبات جميع أمناء مكتبات مصر مجتمعين. معذرة أيها القارئ لعلني أهذي... فالخبر المنشور- إن صح- فوق الاحتمال... فمرتب "الأمين" يتفوق على مرتب أي وزير. ولعلكم تذكرون أن وزير المالية الحالي كشف عن مرتبه، وهو ثلاثون ألف شهريا أي ألف جنيه يوميا، وهذا مبلغ يعادل ربع المرتب اليومي "للأمين". لقد كنت أحسب أن مرتب الوزير هو أعلى مرتب في البلد، فإذا به فقير بالقياس إلى أمين مكتبة الأسكندرية... وبغيره. مصر دولة غنية وكل المطلوب من وزير المالية أو من الحكومة إعادة توزيع الثروة. ليست هناك أزمة سيولة أو عجز بميزانية كما يدعي الوزير، ولكن الصحيح أن هناك سفه وعته، وعجز عن الإدارة الرشيدة وتقاعس عن تحقيق العدل الاجتماعي الذي صدعوا به رءوسنا وخدعونا به على مدى ستين عاما خلت ولم يتحقق. لقد وصل عجز حكومتنا إلى أنها لا تكتفي بالاقتراض من الخارج والداخل، بل تدعو الناس إلى التبرع ولو بجنيه واحد، تارة لمستشفى، وتارة لمشروع زويل العلمي. عودة إلى مدير المكتبة السكندرية... لا تثريب عليه. فهو لم يجبر الحكومة على شئ، وهو ليس الوحيد الذي يغترف من خير البلد، بل لعله فقير بالقياس إلى كثيرين غيره... ومن حقه أن يطالب بالمزيد.