هناك ظاهرة عجيبة تصيب بعض المعارضين والثوار عندما يتصدون للقيام بدور مسئول، ويتبادلون الادوار وينتقلون من خانة المعارضة إلي موقع المسئولية، وتجدهم يتحولون فجأة إلي ملكيين أكثر من الملك وحكوميين أكثر من الحاكم وفى حالتنا عسكريون أكثر من الجيش ولدينا حالة الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء نموذجا وهو المحسوب على حزب الوفد ، وهو الحزب الذى يصنف على الورق كحزب معارض ومع ذلك أبدعت قريحة الدكتور على السلمى الوثيقة المنسوبة إليه، والمفترض أن يتم إقرارها قبل الانتخابات وهى الوثيقة التى تحدد شكل الدولة والعلاقة بين أطرافها والسلطات المتعددة فيها وكذلك طرق وآليات اختيار لجنة صياغة الدستور الجديد، وفوجئنا أن الوثيقة المذكورة أو المشبوهة تقدم الوطن على صينية من فضة للمجلس العسكرى يتصرف فيه كيفما شاء . ويبدوا أن الدكتور على السلمى سمع أن المصريين معجبون بالنموذج التركى فقرر أن يحقق للمصريين ما ارادوا، واستنسخ التجربة التركية لكن فى الثمانينيات عندما كأن الجيش التركى هو الحاكم الحقيقى للبلد ويقصى ما شاء من الوزارات والوزراء ، ويقوم بانقلاب عسكرى كل ستة أشهر للحفاظ على دور له أكبر من الدولة فى النظام الحاكم فى تركيا . كذلك فعلت وثيقة السلمى التى خلقت وضعا مميزا وحاكما للجيش فى الدستور بحيث تكون هناك دائما قوتين أو ثلاث قوى تتصارع على صنع القرار فى مصر، القوة الأولى الجيش الذى يمتلك القوة الفعلية فى يديه والقوة الثانية هى البرلمان والقوة الثالثة هى الرئيس ، وبالتالي نخلق صراع قوى ثلاثى فى مصر وكأنها ناقصة وليتوه باقى الشعب أو يذهب للجحيم . المشكلة ليست فى النقاط التى يريد السلمى أن يطرحها ونوقع عليها ، المشكلة أن السلمى محسوب على المعارضة ومع ذلك يطعن الوطن كله بما فيه من حكومى أو معارض بوثيقته العجيبة ، التى رفضها الجميع إخوان وليبراليون ويساريون وجمهور ولم يقبلها الا نفس الأحزاب الكرتونية التى تواجدت أيام مبارك وكأن النفر منهم يرشح نفسه للرئاسة امام مبارك ثم يذهب للصندوق ليعطى صوته لمبارك ويضن به على نفسه ، وبالمناسبة مثل هذه الكيانات الحزبية يجب أن يتم تطهيرها ورش المبيدات فيها لتعقيم الوسط السياسي من شرورها وخنوعها وانبطاحها وممارسة نفس ادوار الكومبارس الذى كانوا يؤدونها فى عهد مبارك ويمتد إلي عهد المجلس العسكرى ، مثل هؤلاء يجب أن يحاكموا بتهمة افساد المستقبل . أما الدكتور السلمى ووثيقته فقد أجبرنا على أن نفكر فى عدة أمور : إما أن الكراسى والمناصب تغير أصحابها وتجعلهم ينقلبون على مبادئهم، واما أن الجلوس على الكرسي يوضح حقائق تغيب عنا كشعب غلبان وبالتالي يتصرف المسئول وفقا للحقائق والمعطيات التى أمامه ، وإما أن المجلس العسكرى يهددهم بالحبس والعزل اذا لم ينفذوا ما يطلبونه منه. لكن الحقيقة أن المجلس العسكرى خرج ليعرى هو الآخر وثيقة السلمى ويعلن رفضه المادة التاسعة التى تعطيه صلاحيات لا يريدها . ورسالتى إلي الدكتور على السلمى: اسحب الوثيقة وقدم استقالتك حفاظا على بعض الاحترام ، ورسالتى للمصريين لا تقربوا وثيقة السلمى الوثيقة فيها سم قاتل، ورسالتى للمجلس العسكرى حاول أن تحافظ على اسمك فى التاريخ دون أن يتم تلويثه ولا تنساق وراء المطالبين بالمشير رئيسا أو المتطوعين بتقديم الشعب قربان لكم ، وعموما مازالات الفرصة متاحة لتسجلوا اسمائكم بحروف من النور فى قلب التاريخ وقلوبنا اذا حافظتم على الوطن وسلمتم الحكم لسلطة مدنية منتخبة انتخاب شعبى ونزيه ، ولا تخدعكم السلطة فتقرروا الاستمرار فى حكم مصر لأن ساعتها التاريخ سيمسح أسمائكم بماء النار ونحن كذلك.