محمد بن المختار الشنقيطي تستطيع الدول العربية أن تكسب الكثير من برنامج إيران النووي، كما يمكن أن تخسر الكثير، بحسب سلوكها السياسي في مرحلة المواجهة الحالية بين إيران والدول الغربية حول الموضوع. فإذا حافظت الدول العربية –خصوصا مصر ودول الخليج- على علاقات طيبة مع إيران، ودعمت حق إيران في اكتساب التكنلوجيا النووية، أو وقفت على حياد بينها وبين الغرب في هذا الموضوع، فإن إيران النووية ستصبح رصيدا ستراتيجيا للدول العربية، منها تستمد التكنلوجيا العسكرية، وإليها تلجأ وقت التصعيد مع إسرائيل. ولذلك يصرح المنظرون الاستراتيجيون الأميركيون أن من أكبر خسائر واشنطن جراء امتلاك إيران أسلحة نووية، هو ما قد يثمره من استغناء حكومات الخليج العربية عن مظلة واشنطن العسكرية. لكن الذي يبدو من سلوك الحكومات العربية في الخليج والشرق الأوسط هو أنها عرفت مصالحها تعريفا أميركيا، ووقفت معارضة لبرنامج إيران النووي دون مسوغات منطقية من مصلحة وطنية أو مكسب ستراتيجي. لقد خذلت أغلب الحكومات العربية إيران مرتين: مرة حينما دعمت صدام في غزوه لإيران، فأهدرت طاقات هذه الأمة واستنزفتها في حرب لم تفد غير القوى الدولية الطامعة، ومرة حينما تقف اليوم في صف الغرب في محاولته فرض إرادته على إيران، ومنعها من بناء قوة تضمن لها السيادة في عالم ضاعت فيه سيادة الضعفاء على مصائرهم. وحتى ليبيا وهي دولة بعيدة عن الجوار الإيراني طعنت إيران في الظهر، فكشفت قيادتها للأمريكيين المساعدات الفنية التي قدمها العالم الباكستاني عبد القدير خان للإيرانيين. ثم هذه القيادة المصرية تصوت لنقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، وكأن السلاح النووي الإسرائيلي المخيم بظلاله المرعبة على رؤوس المصريين لا يشكل هما لها، وكل ما يهمها هو البرنامج الإيراني الذي لا يزال في خطواته الابتدائية. وكان الأولى بالقيادة المصرية أن تقف في وجه الابتزاز الغربي لإيران، أو تتحلى بالحد الأدنى من الحياء، فتمتنع من التصويت كما فعلت دول أخرى. وما من ريب أن الحكومات العربية المعارضة لبرنامج إيران النووي هي الخاسرة في الحاليتن: · فإذ تم وأد البرنامج النووي الإيراني في مهده، فستخسر تلك الحكومات العربية لأنها ستظل مرتهنة للوجود العسكري الأميركي الذي تعارضه شعوبها، وهو مصدر العديد من الأزمات والتناقضات الداخلية في دولها. هذا إضافة إلى ابتزاز إسرائيل لحكام المنطقة وشعوبها. · وإذا نجحت إيران في بناء سلاح نووي، فستكون تلك الحكومات خاسرة أيضا، لأن واشنطن في هذه الحالة ستسعى للتفاهم مع إيران وتقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة معها على حساب الدول العربية. فالتنظير الاستراتيجي الأميركي يتضمن الاحتفاظ بهذا الخيار واستعماله عند الاقتضاء. إن من حق الإيرانيين إذا خرجوا من المأزق الحرج الحالي أن لا ينظروا بعين العطف إلى الحكومات العربية التي خذلتهم في ساعة العسرة، ومن حق الشعوب العربية أن تحاسب حكامها على تواطئهم في هدم كل مظاهر الاستقلال ومقومات البناء والوحدة في أمتهم. في بداية القرن العشرين كان الأتراك والإيرانيون يطعنون بعضهم بعضا في الظهر، وكان الأتراك والعرب يطعنون بعضهم بعضا في الظهر، والامبراطوريات الغربية الطامعة تمارس "لعبة الأمم" في مصائر أولئك الحمقى، وتصفي الواحد منهم بجهد الآخر، حتى قضت عليهم جميعا، فانحسرت الخلافة العثمانية الممتدة الأرجاء على ثلاث قارات إلى دويلة صغيرة، ونكث الإنكليز بوعدهم لشرفاء الحجاز، ووفوا بعودهم للوكالة اليهودية.. كان رجل من مسلمي الهند هو الشاعر الفيلسوف محمد إقبال يراقب الوضع عن كثب، وقلبه يدمَى.. فكتب يقول وكأنما يصف حالتنا اليوم: طوران من إيران تأخذ ثأرها وبلاط قيصر من دمائهما ندي ذهب الدراويش الذين عهدتهم لا يأبهون بصارم ومهنَّد وبقيت في حرم يتاجر شيخُه بوشاح فاطمة ومصحف أحمد [email protected]