لم أر في حياتي أضيق أفق و لا أقصر نظر من المتعلمانيين و المتليبيريين و المتدمقرطيين و المتأقبطين – على رأي استاذنا محمود سلطان - ، و أضفت الميم و التاء في بداية الكلمة لأننا نعلم جميعا أنهم ليسوا لا علمانيين و لا ليبرليين و لا ديمقراطيين ، إنما هم ديكتاتوريون و إقصائيون و مدعو العلمانية والليبرالية و الديمقراطية و لا يدعون أنهم أقباط (نصارى) – و ده اللي كان ناقص – و إن كانوا متأقبطين فكرا و منهجا ، و إن شئنا قلنا إنهم قد أخذوا من كل منهج أسوء ما فيه و من كل فكر أرذلة و من كل عالم سقطته . و أي فكر لا تكون مرجعيته الكتاب و السنة لابد أن يكون له عوار و به مثالب و مآخذ كثيرة ، قد ترى فيه بعض نفعٍ و لكن مآله إلى خسار و بوار و أفضل حالٍ لتلك المناهج هو كما قال تعالى ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا))(219)البقرة ، فما بال هؤلاء عندهم الوِرد الصافي و المنهل العذب فلا يرِدون إلا العَكِر من الماء و المتسخ من الأفكار و صدق فيهم قول ربنا (( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ ))(البقرة61) فتراهم يتهافتون على تلك المناهج و الأفكار تهافت الجراد أو الفراش على النار و قد يعلمون أو لا يعلمون أنه فيه مهلكتهم و لكنهم مدفوعون إليه بكليتهم لا يستطيعون عنه فكاكا ، و السؤال الغريب هل يمكن لعاقل أن يسعى إلى مهلكته و هو يعلم أنه على ضلال مبين ، و الجواب : تأمل قوله تعالى ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ، مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ، سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ )) المسد ، فقد نزلت تلك الآيات في حياة أبي لهب و عاش بعدها فترة من الزمن ... فتأمل !! . و أمر آخر أن الأهواء أمرها عجيب فهي دين عند قومها ، و لذا رأينا في التاريخ شخصيات شهيرة تقع في الضلال و تعيش و تموت عليه كالحلاج ، و ابن عربي ، و أحمد بن أبي دؤاد ، و الجهم بن صفوان و الجعد بن درهم ، و غيرهم . و قد ورد في الحديث ((وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء ، كما يتجارى الكَلَب بصاحبه ، ولا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ))صحيح أبي داود/4597 ، و الكلب بفتحتين على الكاف و اللام هو المرض المعروف الذي يأتي من عضة الكلب المسعور ، و في الحديث أيضا (( إن الله احتجز التوبة، على كل صاحب بدعة )) صحيح الجامع/1663 ، و الحديث كما قال أهل العلم خرج مخرج الغالب ، قال الدكتور عبد العزيز بن محمد السعيد في كتابه القيم فضائل الاسلام (( وإن كانت البدعة غير مكفرة فإن صاحبها وإن كان مسلما إلا أنه لا ينال فضل الإسلام كاملا لأنه لم يترك ما سوى الإسلام، وشرط نواله كاملا أن يدخل فيه كافة وأن يترك ما سواه )) ، و لذا لاتجد في الغالب أحدا من أهل الأهواء ممن يحملون فكرا منحرفا يرجعون عنه إلا قليلا ، و لماذا يرجع عنه و هو دينه و فكره و منهجه الذي يدين به ، فهل رأيتم صاحب دين يرجع عنه إلا من شرح الله صدره للاسلام و هم قلة في أقوامهم على أي حال . أضف إلى ذلك الحرص على الجاه و المنصب و المال الذي يذل أعناق بعض الرجال بل قد يفسد عليهم ذوقهم و دينهم و آخرتهم و دنياهم و لطول الأمل فلا يحسون بخطر ما هم عليه ، و لتتفكروا في قول رسولنا صلى الله عليه و سلم ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف ، لدينه )) صحيح رواه الترمذي/ 2376 ، فالمال و الشرف قد يهلكا دين المرء إن حرص المرء عليها حرصا شديدا و قد شبههما النبي صلى الله عليه و سلم بالذئبين الجائعين الذيْن إن بُعثا في قطيع غنم أوسعاه قتلا و أكلا و إفسادا ، و المعروف من طبيعة الذئب التوحش و الغدر فهو يقتل للقتل و يفسد للإفساد و قد يكون غير محتاج للأكل فما بالكم لو كان جائعا ، حقا لقد أوتي نبينا صلى الله عليه و سلم جوامع الكلم. ظهر ضيق أفق هؤلاء و قصر نظرهم في مقابلاتهم المخخة لبعض شيوخ السلفية و غيرهم من الفضلاء ، و قنابلهم الدخانية المتمثلة في بعض الأسئلة و نبشهم في فيما لا قبل لهم و لا علم لهم به ، فساءتهم إجابات القوم ، و أهل العلم الحقيقيون لا يستطيعون كتمان العلم ، كيف و قد سئلوا صراحة فهل يداهنون أو يميعون أو يرضون القوم على حساب دينهم و آخرتهم ، فاضطروا للرد بما يعلمون من دين الله بكفر اليهود و النصارى كما ورد نصا في كتاب الله تبارك و تعالى فمن ذا يُجازف بغير ذلك حتى و إن كان من شيوخ النظام أو شيوخ القنوات الفضائية العلمانية ، فهناك خطوط حمراء لا يحل لامرئ مهما كان تنازله و تزييفه و تزيينه للباطل أن يتخطاها و إلا يكون قد خرج من دينه و فارق الاسلام و كذب القرآن و النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم . قام هؤلاء الفتانون بحملة شعواء على الشيوخ بأنهم يكفرون اليهود و النصارى ، و لم يستطيعوا أن يحصلوا على قول غير ذلك لا من شيخ الأزهر و لا من مفتي الجمهورية – مهما تحفظنا على بعض أقوالهما و أفعالهما – ، و لا من شيخ آخر فلجؤوا إلى مدعي العلم و فاسدي الفكر و المنهج المتأثرين بكل فكر كاسد و عقل فاسد الذين قرأوا القرآن و السنة و كتب أهل العلم – لو قرأوا حقيقة – على أنها كتب ثقافية من ضمن كتب الثقافة التي يقرأونها في الفلسفة و التاريخ و نظريات أرسطو و أفلاطون و جان جاك روسو و غيرهم ، لا على أنها عقيدة و شريعة ينبغي أن يحملها المسلم بنية صالحة في تعلم العلم الشرعي الذي ينفع الله به المرء في الدنيا و الآخرة ، فتجمعت في عقولهم أراء شتى و مناهج مختلفة يضرب بعضها بعضا فتشوشت أفكارهم و اضطربت رؤاهم و تشعبت عقولهم فرأينا مثلا نبيل شرف الدين الذي يقول بالإيمان الاسلامي و الإيمان المسيحي و الإيمان البوذي و هكذا ، فلم يعد لكلمة الكفر مكان و لا ندري ماهية تلك الكلمة بل لماذا وضعت في قواميس اللغة العربية أصلا ، بل لماذا خلق الله الجنة و النار ، و لماذا شَقي بعض الناس و سعد آخرون ، سبحانك هذا بهتان مبين ، و رأينا كذلك مثقفا كبلال فضل الذي عرف عنه نهم القراءة و من شدة ثقافته أصبح متشككا في أنه لن يدخل الجنة إلا المسلمون ، فهل قرأ من ضمن قراءته الثقافية الواسعة قول الرسول صلى الله عليه و سلم (( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة )) الذي ورد في كل كتب السنة في عشرات الأحاديث بروايات و في أحداث متعددة ، و ليرجع إلى البخاري و مسلم و غيرها من كتب السنة ، بل يكتب في جوجل نفس مسلمة و سيخرج له آلاف المواقع و الكتب لآلافٍ من أهل العلم الأثبات . إن عقول هؤلاء تشبهني بحاوية النفايات التي ترى فيها من زبالات الأفكار ما يزكم الأنوف و ما تعف النفس الكريمة أن تتناوله ، و قد تجد فيها ما ينفع من قطعة قماش قديم أو بعض الأوراق المهترئة أو الزجاج المكسر أو الحديد الصدئ أو الألومنيوم المقطع فينتفع بذلك الممتهنون لتلك المهنة بجمعها و إرسالها إلى مصانع الزجاج و الورق و الحديد و خلافه ، و لكن انظر كمّ ما يُجمع في تلك الصفائح من النفايات مقابل ما يُنتفع به لتعرف حجم الضلال الذي عليه القوم ، و إلى هذا ترجع بعض الكتابات التي قد تكون نافعة أحيانا من هؤلاء . لما انبرى هؤلاء و كونوا مع أشباههم من إعلاميي الفتنة و الإثارة جبهة تخريب العقول و الأفهام – لا كما يزعم شعار قناة مشبوهة معروف توجهها و تمويلها ( الشعب يريد تحرير العقول ) بل الشعب يريد تحريركم من عقولكم و أهوائكم و ضلالاتكم ، راح هؤلاء يلّبسون على الناس أمر دينهم و يطعنون في ثوابت الاسلام ، فاضطر أهل العلم من السلفيين و غيرهم أن يردوا و يعلموا الناس عقيدة الاسلام و ثوابته و تكلموا بجرأة في القضايا المسكوت عنها في التوحيد و العقيدة و التي لم تكن تُدّرس على الملأ إلا في المساجد و الزوايا و دور البحث ، فخرجت إلى الاعلام فانتشر العلم بها رغما عن أنوف هؤلاء ، فعلم كثير من الناس ما جهل عليهم من أمر دينهم و ثبتت في أذهانهم عقيدتهم و توحيدهم لربهم ، و بعد أن استطاع هؤلاء المتعلمانيون من الاعلاميين الحاملين لرسالة التنوير – زعموا – لفترة أن يخدعوا الناس و يشوشوا عليهم عقيدتهم بترهاتهم و حججهم الواهية التي ظنوها علما ، إذا بهم من حيث لا يشتهون و لا يريدون يصبحون السبب في تعليم الناس دينهم و تثبيت عقيدتهم ، فعضوا أصابع الندم و لسان حالهم مَن الذي أخرج المارد من القمقم ؟ و صدق فيهم قول ربنا ((كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)المائدة . إن ما يحمله المسلمون الصادقون و خاصة أهل العلم الذين أهلوا أنفسهم بدراسة الكتاب و السنة بفهم السلف الصالح و تعبوا و شقوا في طلب العلم و تحصيله ، و سعوا إلى نشر العلم و الدعوة إلى الله و تعبيد الناس لرب العالمين ، يفوق ما عند غيرهم من أصحاب المناهج و الأفكار التالفة الذين يحسبون أنهم على شيء فلا تثبت حججهم و لا يقوى منهجهم على مقارعة الحق ، فيكفي أهل السنة بركة ذكر آية واحدة أو حديث واحد لينسف ترهات القوم و باطلهم من أساسة ، و لو كان هؤلاء يعقلون حق العقل لتأملوا قول ربهم في كتابه العزيز ((قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)النحل . فكيف يثبت الباطل أمام الحق و كيف يرقى الظلام إلى مقارعة ضوء النهار ، و كيف يستوي الثرى و الثريا . إننا نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ربهم و العودة إلى ثوابت الدين و الانابة إلى خالقهم و التسليم له و الانقياد لأمره ، فهل هؤلاء مستسلمون لربهم مناقدون لحكمه و شرعه ، قد تتخلف جوارح المؤمن بذنب أو ذلة عصى فيها ربه عسى الله أن يتوب عليه ، و لكن قلبه لا يتخلف أبدا بل هو موقن أشد اليقين بربه و دينه و قرآنه و نبيه صلى الله عليه و سلم . فاللهم أحينا مسلمين و أمتنا مسلمين و ابعثنا مسلمين ، و احشرنا مع سيد الأنام نبينا محمد صلى الله عليه و سلم . صلاح الطنبولي [email protected]