نظّمت جمعية "سنا سفيطلة" بمحافظة القصرين، غربي تونس، الدورة الأولى لمهرجان "تراثنا هويتنا"، تحت شعار "تقاسيم عربية في أرضنا التونسية"، والتي امتدت لأربعة أيام واختتمت اليوم الأحد. المهرجان أقيم في مدينة سبيطلة الرومانية (كانت تدعى سفيطلة في الحضارة الرومانية)، بمساهمة من وزارة الثقافة، وجمعيات غير حكومية تعنى بالعمل الاجتماعي، والسياحي والمهرجانات، بالمنتزه الأثري، في المدينة. ورغم تكرار الأعمال "الإرهابية"، التي تشهدها محافظة القصرين غربي تونس، في الجبال المحيطة بها (الشعانبي والسلوم وسمامة)، تحاول جمعيات أهلية محلية تنظيم تظاهرات ثقافية على سفوح تلك الجبال، تحدّيا للإرهاب، وتشبثا بالبقاء في المنطقة رغم المخاطر. وشهد المهرجان معرض للصناعات التقليدية في منتزه "سفيطلة" الأثري، يضم منتجات حرفية، وملابسا تقليدية، وورشا للرسم، وعروضا للباس التقليدي التونسي والعربي، وسط متابعة ومشاركة عديد من سكان المدينة، وحضور عربي واسع لضيوف من المغرب والأردن والجزائر والعراق كان بينهم شعراء ومثقفين ومسرحيين وإعلاميين. التظاهرة التي اختار لها منظّموها شعار "تقاسيم عربية في أرضنا التونسية"، تسعى وفقا للمنظمين، إلى تقديم صورة جديدة انطلاقا من مدينة "سفيطلة" التاريخية، تقطع مع الصورة النمطية التي أصبحت سائدة كمنطقة تشهد هجمات "إرهابية". "سفيطلة" المعروفة في التاريخ العربي بكونها شهدت أول معركة بين جيوش الفتح الإسلامي (647 م، وتعرف بحملة العبادلة السبعة)، أصبحت مسرحا لعمليات أمنية تخوضها السلطات التونسية ضد مجموعات "إرهابية"، تركزت بجبال محافظة القصرين التي تتبعها المدينة باسم الحالي "سبيطلة". ضحى بوترعة، رئيسة الجمعية المنظمة للتظاهرة قالت ل"الأناضول"، إن "تنظيم هذه الدورة الأولى يمثل مزجا بين العمل الثقافي والعمل الاجتماعي، والتعريف بالإبداعات الفنية بهذه الربوع، وهي رسالة منا إلى الشباب بأن تحقيق الذات يأتي عبر فهم للأصالة، وأخذ الأشياء الجميلة في التراث والثقافة". من جانبه، اعتبر مراد عبد اللاوي، ممثل وزارة السياحة، المندوب الجهوي للسياحة بالوسط الغربي في تصريح ل"الأناضول"، أن "هذه المبادرة من المجتمع المدني في تنظيم مثل هذه التظاهرات تقدم صورة أخرى عن المنطقة، وأن المشاركين من الضيوف العرب سيكونون سفراء للمنطقة في بلدانهم، وينقلون أن جهة القصرين التي تمثل أكثر من 28% من التراث المادي (الآثار) تحيي الاحتفالات وليست فقط جهة إرهاب". وأسفرت العمليات "الإرهابية"، عن توقف الأنشطة السياحية إلى حد كبير بالمنطقة، حيث كانت مدينة سبيطلة، تمثل وجهة رئيسية للسياح كواحدة من أهم الآثار الرومانية في تونس. ووفقا لأرقام وزارة السياحة والمعهد الوطني للإحصاء، فان نسبة الإشغال بالمؤسسات السياحية بمحافظة القصرين تراجعت بأكثر من 70%، خلال الثلاث السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك إلى تواتر الأحداث "الإرهابية"، منذ أكثر من سنتين، ما أثر على المنشآت السياحية التي تراجع عددها بعد غلق بعضها وتعمل عديد من الأطراف على تنظيم تلك الأنشطة لتجاوز هذه الآثار. وشهد المهرجان كذلك تنظيم ندوات شعرية، وسهرات فنية، وجولات للضيوف في سبيطلة، فضلا عن الاهتمام بالمناطق الريفية. ونظم المشاركون في المهرجان، أمس السبت، رحلة إلى منطقة "الوساعية" القريبة من جبل سمامة، وتم عرض منتجات حرفية من الصناعات التقليدية المعدة من الحلفاء (نبات يدخل في صناعة الورق)، وقدمت الأكلات التونسية التقليدية، كما نظم عرض تنشيطي لصالح أطفال المنطقة، وسط حضور أمني في المناطق القريبة من الجبال. وفي كلمة للضيوف، أشار محافظ القصرين عاطف بوغطاس، إلى أن الصورة التي تروج إلى أن المنطقة خطرة، وأن الإرهاب يهدد ضيوفها "خاطئة"، مضيفا: "الدليل على ذلك وجودكم بالقرب من جبل سمامة". واختتم المهرجان، اليوم الأحد، بمدينة "قفصة" (جنوب) في سعي لتعريف الضيوف بمناطق أخرى من البلاد فيما احتضنت مدينة سبيطلة الرومانية أغلب فقراته في دورة الأولى التي أرادت الاحتفاء بالعرب وطرد صورة قاتمة فرضها تركز "الإرهاب" بالمحافظة. وتواجه تونس هجمات وأعمال عنف منذ مايو 2011 ارتفعت وتيرتها عام 2013، وتركزت في المناطق الغربية المحاذية للحدود الجزائرية، وخاصة في جبل الشعانبي بمحافظة القصرين.