قال رئيس الكتلة البرلمانية ل"الجبهة الشعبية" في تونس، أحمد الصديق، إن "الوضع الاجتماعي سيظل متأزما لفترة طويلة نسبيا"؛ بسبب "الأداء الحكومي"، داعيا "الترويكا" إلى الاعتراف بما قال إنها مسؤوليتها عن "تعشش جماعات الإرهاب"، وأعرب عن رفضه لدعوة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، إلى مصالحة وطنية دون عدالة انتقالية. "الجبهة الشعبية"، وهي ائتلاف من 11 حزبا يساريا وقوميا، حصلت في انتخابات مجلس نواب الشعب (البرلمان)، التي أجريت يوم 26 أكتوبر 2014، على 15 مقعدا، ورغم رفضها المشاركة في الائتلاف الحاكم بقيادة حزب "نداء تونس" (علماني)، لمشاركة حزب حركة النهضة (إسلامي) فيه، إلا أن الجبهة، وبحسب مراقبين، تبقى فاعلا مؤثرا في المشهد السياسي، لاسيما أنه يحظى بتواجد كبير في النقابات. وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، قال رئيس الكتلة البرلمانية للجبهة، التي ترفض المشاركة مع حزب النهضة" ، إن "الوضع الاجتماعي متأزم؛ لأننا لم نهتد بعد، مع الأسف الشديد، كمجتمع وكقوى فاعلة إلى بداية الطريق، بسبب الأداء الحكومي، وهذا من هنات الانتقال الديمقراطي" بعد الثورة التي أطاحت في 14 يناير 2011 بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (1987 - 2011). وعن مستقبل هذا الحال، تابع : "سيظل الوضع متأزما لفترة طويلة نسبيا، ولن يجد طريقه إلى الاستقرار نسبيا؛ فأدوات الحوار والتفاعل بين القوى الاجتماعية، سواء قوى الإنتاج، من طبقات كادحة وموظفين، وبين أصحاب رؤوس الأموال، لم تجد طريقها بعد، فكل طرف يريد أن يفرض مصلحته دون اعتبار للآخر.. وهناك رغبة لدى كثير من الأطراف، بينها الجبهة الشعبية، في ألا يتجاوز (الوضع) الحد الذي لا يمكن العودة بعده". ولا يبدو الصديق مستبشرا بقدرة حكومة الحبيب الصيد على تجاوز الوضع الراهن، حيث رأى أن "حكومة الصيد ليست متجانسة؛ لعدم وجود برنامج واضح، بسب سياق تشكيل الحكومة واختيار رئيسها، حيث لم يتجاوب مع روح الدستور، الذي يقر أن تتشكل الحكومة حسب برنامج وعدت به الناخبين". وتابع قائلا: "هم بصدد البحث عن برنامج آخر ومنوال آخر للتنمية، ما يبين ارتباك وضبابية لدى الحكومة، وهذا يجعل الحلول غير ناجعة.. القوى الاجتماعية التائقة إلى التغيير وحد أدنى من حقوقها لا تحس وضوح رؤية لدى الحكومة، ولذا سيتواصل الضغط المتبادل لفرض ما يتصوره كل طرف أنه حقوق مشروعة وضرورات التقدم". ومشيرا إلى تحالف حزب حركة "نداء تونس"، الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (86 من أصل 217 مقعدا)، مع حزب "النهضة"، صاحب المرتبة الثانية (69 مقعدا)، في حكومة الصيد، زاد البرلماني التونسي بقوله: "هذه تحالفات غير طبيعية خالفت السياقات الانتخابية، فالتحالف يكون بين أطراف تتقارب في وجهات النظر، ولا تضيع كثيرا من الوقت في صياغة برنامج تتقيد به، وتُحَاسب عليه". لكن، بحسب الصديق، "هذا لم يتم؛ ما أدى إلى تعطل في الأداء الحكومي سيستمر إلى وقت غير قصير، وهذا ليس من مصلحة الديمقراطية.. ربما يكون في مصلحة سلم سياسي نحتاجه جميعا، لكن السلم السياسي لا يُشترى بالدوس على قواعد الديمقراطية.. والحكومة لا تزال تبحث عن توافقات لن تكون في مصلحة التونسيين". ومنذ سنوات، تشهد تونس من وقت إلى آخر هجمات إرهابية اعتادت "الجبهة الشعبية" تحميل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية إلى "ائتلاف الترويكا"، الذي حكم بين ديسمبر 2011 ويناير2014، وضم أحزاب "النهضة" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" (يسار) و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" (اشتراكي). وعادة ما ترد "النهضة" على هذا الاتهام بأنها تصرفت وفق القانون، وأنها المسؤولة عن تصنيف تنظيم أنصار الشريعة "منظمة إرهابية في أغسطس 2013؛ إثر اغتيال القيادي بالجبهة الشعبية، محمد البراهمي. وأعلن عن هذا القرار رئيس الحكومة آنذاك، أمين عام حركة النهضة حاليا، على لعريض. لكن لا تزال الجبهة اليسارية تصر على ذلك الاتهام، حيث قال رئيس كتلتها البرلمانية: "ما زلنا على هذا الموقف، وموقفنا واضح في هذا المجال إلى آخر جلسة حوار مع الحكومة (الأسبوع الماضي)". ومضي موضحا: "حكومة الترويكا تتحمل مسؤولية جسيمة كبيرة وأخلاقية في حالة الانفلات وتعشيش جماعات الإرهاب فكرا وخطابا وتواجدا ماديا وتسليحا في تونس.. هذا كان نتيجة أخطاء وتجاوزات، منها العفوي ومنها المقصود.. لا يمكن أن نتقدم، وأن نضع أيدينا في أيديهم (حركة النهضة)، إلا بعد أن يقروا بذلك؛ فالإقرار بذلك يخرجنا من المناكفة السياسية ويدخلنا مرحلة الاعتذار والمصالحة". الصديق حذر من أنه "لم يتم الإقرار بهذه المسؤولية والاعتذار عنها ومعرفة مكامن الداء فيها، وإن أدى الأمر إلى إقرار بوجود تجاوزات وإلى المؤاخذة الجزائية، فسنظل نراوح مكاننا في انعدام الثقة واستحالة التوافق والتلاقي في ملف حارق لا تزال البلاد تعاني منه". وتساءل مستنكرا : "لماذا نطالب رموز النظام السابق (بن علي) بالمصارحة والمكاشفة والمحاسبة، وهذا كان مطلب أحزاب الترويكا وعطلت البلاد والعباد لمدة طويلة من أجله.. انتهى الأمر إلى هيئة للحقيقة والكرامة لا تستجيب لطموحات التونسيين وآل الأمر إلى عدم وجود محاسبة (...) يجب أن تحل المشاكل السابقة قبل التحدث عن الوحدة الوطنية". وتشكلت هيئة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة دستورية، لتحقيق العدالة الانتقالية بالنظر في ما يتردد عن تجاوزات في الفترة الممتدة من يوليو 1955 إلى 24 ديسمبر كانون الأول 2013 (فترات تمتد من حكم بورقيبة الى ما بعد الثورة مرورا بفترة حكم زين العابدين بن علي). لكن هذه الهيئة بنظر البرلماني التونسي "غير قادرة على الإنجاز.. نفهم دعوة رئيس الجمهورية (الزعيم السابق لحزب نداء تونس) الباجي قايد السبسي إلى المصالحة الوطنية دون الحديث عن العدالة الانتقالية كونها دعوة إلى غض النظر وتجاوز أخطاء ما قبل الثورة وما بعدها، ونرفض ذلك. نحن في الجبهة الشعبية مع كشف الأخطاء والجرائم ما قبل الثورة وبعدها دون تمييز، فبدون مصارحة وعقاب لا يمكن للبلاد أن تتقدم"، بحد قوله. وعن رؤية الجبهة الشعبية للعلاقات الخارجية التونسية، قال الصديق: " ثورتنا لم تكن عنيفة (...) وطموحنا أن تكون العلاقات الخارجية مبنية على المصلحة الوطنية العليا، التي تقتضي الحفاظ على الثوابت العامة وزحزحة الخاطئ تدريجيا.. ولكن الترويكا دخلت في سياسة المحاور، وذهبت مع المحور الذي يريد تفتيت الدولة السورية.. وحكومة السبسي الأولى وقفت على الحياد بين أطراف الصراع في ليبيا بين (الرئيس الليبي الراحل) معمر القذافي ومعارضيه ظاهريا". وتابع بقوله: "تواطأ بعض النافذين في الحكم في الترويكا لتسفير الشباب إلى سوريا (يقصد للمحاربة مع المعارضة ضد قوات نظام بشار الأسد) عبر تركيا، والآن ضروري إعادة العلاقات مع سوريا في مستوى السفراء". وحول علاقات تونس اليوم مع ليبيا والجزائر ومصر وتركيا وفرنسا، رأى رئيس الكتلة البرلمانية ل"الجبهة الشعبية"، أن "الدبلوماسية هي أن تذهب إلى مسار لا يضرك دون أن تثير حفيظة الآخرين. نحن مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الجميع، ومع دفع الآخرين إلى أن يحترموا سيادتنا الوطنية.. نطلب علاقات دبلوماسية متوازنة تراعي الحد الأدنى من القرار السيادي الوطني التونسي".