تستمر تداعيات نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم في العالم. فبينما نجد أن غالبية أوروبا التفت وايدت موقف الحكومة الدانمركية، كما تكاتفت مع الصحيفة الدانمركية عدة صحف أوروبية فأعادت نشر الرسومات في فرنساوألمانيا واسبانيا وايطاليا، كما وجدت تلك الصحف مساندة علنية من وزير داخلية فرنسا ساركوزي ووزير داخلية ألمانيا شوبا. فبينما نجد هذا التأييد العارم في أوروبا نجد أن المظاهرات الحاشدة المناهضة للرسوم قد انتشرت في العالم الإسلامي وتم حرق واقتحام سفارات السويد والنرويج والدانمرك. والسؤال هو لماذا عضدت أوروبا الدانمارك، وما هو الرد المطلوب من المسلمين في مواجهة هذه الحملة الشرسة؟ إن الصراع الدائر الان هو صراع بين العلمانية والإسلام، كما عبر عنه مدير القسم الثقافي في المجلة الدانماركية التي نشرت الصور فقال:" إن النقاش الدائر الان هو حول الإسلام ومدى موافقته لقيم المجتمعات الغربية العلمانية"، وكما عبر عنه المفكرون الفرنسيون الذين ايدوا منع الحجاب في فرنسا باعتباره خطرا على العلمانية. فالدول الأوروبية تخلصت من حكم الكنيسة وسلطة رجال الدين في القرون الوسطى، واقامت انظمة وضعية يشرع فيها الإنسان القوانين في كل نواحي الحياة وفصلت الدين عن المجتمع. ومن ذلك الزمن وهى تحارب الدين حربا لا هوادة فيها، فنجدها تمنع الاعلام من نشر مقالات تسئ إلى اليهود والسود من زاوية سياسية، بينما تسمح بالافلام والرسومات المسيئة التي تستهزئ بالدين المسيحي الذي يدعون اعتناقه . ويعامل الإعلام الغربي الإسلام بنفس الطريقة بل اشد مع صعود نجم الإسلام السياسي، ولذلك راينا ما حدث في الدانمارك، والذي يحدث بشكل مستمر في اوروبا. فمثلا في بريطانيا والتي أدان وزير خارجيتها جاك سترو الرسومات، أصدرت فيها محكمة حكما مذهلا يوم 2/2/2006. كانت المحكمة تحاكم الحزب البريطاني القومي بتهمة الحض على الكراهية العنصرية لأن قائدين من هذا الحزب قاموا بإلقاء محاضرات وصفوا فيها الإسلام بالدين الشرير والعنيف، ووصفوا طالبي اللجوء بالإرهابيين والصراصير، وطالبوا بطرد الأجانب من بريطانيا قبل أن تصبح دولة إسلامية. ورغم كل هذا الهجوم لم تدين هيئة المحلفين قادة هذا الحزب واخلوا سبيلهم، ولم يتحرك الراي العام البريطاني لهذا الحكم. وبالنسبة للعالم الإسلامي فقد كانت ردة فعل الشعوب الغاضبة من الرسومات متوقعة، فمكانة الرسول الكريم اعز من جميع هذه الدنيا. واما بالنسبة لحكام المسلمين فقد تعود المسلمون على تآمرهم مع الغرب في استعمار بلادهم ونهب ثرواتهم وتدنيس مقدساتهم. ففي الصيف الماضي عندما ثبت تدنيس القران في غوانتنامو، قامت مظاهرات شعبية ضخمة ولم يقم حاكم بغلق سفارة أميركية او طرد شركة أميركية. ولم يختلف الامر كثيرا هذه المرة، فبسبب الغضب الشعبي قام بعض الحكام ببعض الاعمال البسيطة كاغلاق بعض سفاراتهم في الدانمارك وسحب بعض السفراء، وخرج علماء السلاطين وخطباء الجمعة وغيروا خطبهم الروتينية عن الإرهاب إلى موضوع الدانمارك. ولكن لم نر حاكماً يغلق سفارة دانماركية او يمنع منتجاتهم من الدخول، بل كانت المقاطعة الشعبية هي التي كبدت شركات مثل آرلا فودز نحو 1.8 مليون دولار يوميا وهي التي ارغمت الحكومة الدانماركية على البحث عن حل للازمة. والان وقد التفت أوروبا حول الصحيفة الدانماركية واعادت نشر الصور، فلن نرى حكام المسلمين يواجهون اوروبا، رغم أنها تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط وستتضرر بشدة إذا اوقف الحكام سفينة غاز واحدة عنهم أو هددوا بذلك. إن الغرب سيستمر في الهجوم على الإسلام والمسلمين وقد نجحت المقاطعة الشعبية ضد الدانمارك ولكنها لم تنجح ضد دول قوية كأميركا، فمثل هذه الدول تحتاج إلى حاكم يستعمل شتى الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية، فيغلق سفارات أميركا ويغلق القواعد العسكرية ويعاملهم بندية وبما يستحقونه. حاكم كالسلطان عبد الحميد الذي كان خليفة المسلمين في اواخر أيام الخلافة العثمانية، ورغم ضعف وتدهور أوضاع الخلافة آنذاك ، فحينما حاولت فرنسا عرض مسرحية تسيء للرسول الكريم هدد السلطان عبد الحميد بإعلان الجهاد ضد أوروبا فما كان من فرنسا الا أن أغلقت المسرحية، فضلا عن مواقفه المشرفة والتي تسطر بماء الذهب بحق فلسطين. [email protected]