يرى البعض أن ما يثار حول قانون تنظيم الجامعات الجديد من أنه قد يطيح بآلاف من أعضاء هيئة التدريس ممن ظلوا على رتبة "مدرس" لسنوات طويلة، وبعضهم يحال إلى التقاعد وهو لا يزال مدرسًا - أن ذلك ظلم بيِّن، حتى عبر بعضهم بأنه "مذبحة" لأعضاء هيئات التدريس ! وأرى أن هذه مبالغة غير مقبولة، وأن التعديل الجديد قد تأخر كثيرًا، وأنه كان يجب أن يصدر منذ زمن بعيد ! فللأسف كثير من أعضاء هيئة التدريس يتعامل مع الجامعات التي هي مراكز الإشعاع العلمي في أي دولة تحترم العلم وكأنها "وظيفة" توفر له راتبا معقولا وتضمن له حياة كريمة، وليس باعتباره حامل رسالة سامية يجب عليه أن يعيش لها وبها ! فترى أحدهم يمضي السنوات الطوال في الحصول على الماجستير والدكتوراه، وما ذلك إلا لأنه ليس لديه ما يكتبه أو يعيش به؛ فالعلم عنده باب رزق، أو لنقل "سبُّوبة" كما يسميها أهل الحرف والصناعات! ولولا أنه مضطر للحصول على الدكتوراه لما حصل عليها، ولعله اكتفى بوظيفة "معيد" ... المهم أن يقبض راتبه آخر كل شهر، ولا عزاء للعلم ! وتجد إحداهن تجاهد وتنافس لتحصل على وظيفة "معيدة" حتى إذا حصلتها أمضت ربما عشرين سنة إجازات وجوبية لرعاية أطفالها أو مرافقة زوجها، ولو أنها أنصفت لتركت هذه الوظيفة لمن لديه القدرة على القيام بها. إنني أتعجب ممن تمر عليه السنة تلو السنة منذ أنهى رسالته للدكتوراه، ولا يكتب كلمة واحدة ! هؤلاء من يعنيهم القانون بتعديله الجديد، وهو تعديل موفق من وجهة نظري. إن الأستاذ الجامعي بدون إنتاج علمي مستمر حتى بعد الأستاذية لهو أشبه بمدرس التربية والتعليم، لا عمل له إلا التدريس للطلاب، إلا أنه يدرس لمرحلة أعلى. إن مهام الأستاذ الجامعي لا تقف عند التدريس، بل إنها تشمل إلى جانبه البحث العلمي، وخدمة المجتمع. والبحث العلمي هو العمود الفقري لأي أستاذ جامعي، وهو الذي يميزه عن غيره من المدرسين في سائر المراحل التعليمية. إن البحث العلمي هو الذي يجعل من عضو هيئة التدريس باحثًا وعالمًا يضيف لتخصصه، وما مرحلتا الماجستير والدكتوراه إلا مرحلة للتكوين العلمي تؤهل صاحبها لما بعدها من مرحلة الإنتاج العلمي، وهي الثمرة المرجوة من عضو هيئة التدريس، وهي الميزة الفارقة بينه وبين غيره، وهي التي تجعل من أساتذة الجامعات صفوة المجتمعات وقادة الأمم. أتمنى أن يطبق هذا القانون كما ينبغي أن يكون، كما أتمنى ألا يتحول الإنتاج العلمي هو الآخر إلى "سبُّوبة" للحفاظ على الوظيفة ! وهذا لن يتأتى إلا بالتدقيق من قبل اللجان العلمية فيما يقدم لها من إنتاج علمي، ولن يتأتى إلا بمراعاة الحق والعدل والحيدة، بعيدًا عن المجاملات والمحسوبيات والتربيطات ... إلى آخر تلك المصطلحات التي باتت تحكمنا أكثر مما يحكمنا الحق والعدل. والله من وراء القصد. * أستاذ الفقه وأصوله المساعد بجامعة نجران ومحكم بعدد من المجلات العلمية