ينتاب الحكومة في كوريا الشمالية ذعر عميق من إمكانية دخول المواطنين إلى الإنترنت، لدرجة أن مجرد امتلاك جهاز كمبيوتر يحتاج لتصريح من الهيئات الحكومية المحلية، وأي جهاز كمبيوتر شخصي يجب أن يكون مسجلًا لدى الشرطة كما لو أنه أحد الأسلحة. وامتلاك أجهزة فاكس ممنوعة تمامًا، كما أن إرسال رسالة واحدة بالفاكس يحتاج لتصريح من مستويات حكومية عالية. وفي نفس الوقت فمجرد امتلاك أقراص مدمجة مقرصنة للمسلسلات الكورية الجنوبية ممنوع أيضًا، وإذا ما وجدت الشرطة مثل تلك الاسطوانات مع أي شخص، فمن الممكن أن تكون العقوبة هي قضاء سنة كاملة في معسكرات العمل. لذلك يمكنك أن تتخيل مدى القيود الموضوعة على دخول الإنترنت في هذه الدولة المغلقة على نفسها. ورغم كل ما سبق إلا أن كوريا الشمالية لديها شبكة إنترنت ، وقد انهارت تلك الشبكة الصغيرة والتي تربط كوريا الشمالية بالعالم الخارجي في ديسمبر الماضي. بسبب هجوم إليكتروني ضخم. ورغم أن الولاياتالمتحدة لم تتبنّ الهجوم أبدًا، إلا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد حذر قبل حدوث الهجوم بعدة أيام بما أسماه “ردًا مناسبًا” لهجمات القرصنة الكورية الشمالية ضد شركة سوني. وقريبًا صرح مايكل ماكول – رئيس الأمن في لجنة الأمن الوطني – بما يمكن اعتباره أول تلميح لمسؤولية الولاياتالمتحدة عن الهجوم. تبدو فكرة وجود شبكة إنترنت في كوريا الشمالية مفاجأة للكثيرين، وربما يكون لديهم حق في هذا. هل من الممكن في دولة من أفقر دول العالم والتي تفرض رقابة شاملة على مواطنيها أن يكون لديها إنترنت؟ كيف يعمل؟ ومن يملك حق الدخول عليه؟ ولماذا تسمح كوريا الشمالية به من الأساس؟ كوانج ميونج: نسخة كوريا الشمالية من الإنترنت إذا ذهبت إلى كوريا الشمالية وسألت الناس عن الإنترنت، فلن يكون لدى أغلبهم أي فكرة عما تتحدث عنه. معظم الدولة لا يزال يقبع في الفقر وأغلب مناطقها ريفية. لكن بعض المواطنين في العاصمة بيونج يانج وربما في مدينة أخرى أو اثنتين، ممن لديهم وظائف مكتبية جيدة أو طلاب في الجامعات العليا قد يظنون أنك تتحدث عن “كوانج ميونج”. كوانج مينج أو النجم المشرق باللغة الكورية: هي شبكة الإنترنت الرسمية في كوريا الشمالية والمسيطر عليها بشكل كامل. وتبدو تلك الشبكة كالإنترنت عام 1994، حتى أن كثيرًا من مستخدميها يدخلون إليها بالطريقة القديمة مستخدمين خط هاتف أرضي وكارت مودم. وهي شبكة مُغلقة على نفسها تعمل على نُسخ مقرصنة من برامج لمايكروسوفت وتبدو كشبكة الإنترنت الحقيقية رغم أنها ليست كذلك. وتعمل على متصفح وبريد إلكتروني بدائيين وتدخل فقط على مجموعة منتقاة من المواقع التي تم نسخها من الإنترنت بينما باقي المواقع مغلقة. التنقل الداخلي بين المدن ممنوع بدون تصريح، ولذلك لم يرَ أغلب المواطنون العاصمة بيونج يانج، وبالتالي لا يمكنهم الذهاب لمقهى للإنترنت. كما أنك تحتاج لكمبيوتر للدخول للشبكة، وأجهزة الكمبيوتر غير مسموح بها إلا بتصريح رسمي. أجهزة الكمبيوتر المصنعة بالخارج غير قانونية – إلا للصفوة العليا في البلد واللذين لا تُطبق عليهم العديد من القواعد الرسمية – وأجهزة الكمبيوتر الوحيدة المسموح بها هي المصنعة بشركة “باندا الصباح” والتي تُديرها الحكومة، وتنتج بضعة آلاف من أجهزة الكمبيوتر فقط كل عام. من يستخدم الإنترنت في كوريا الشمالية؟ بالطبع يوجد مجموعة من الصفوة ذوي الامتيازات الخاصة والذين يمكنهم الدخول لشبكة الإنترنت الحقيقية، وهو الشيء الممنوع على باقي المواطنين. ويُقدر رقم من لديهم دخول على الشبكة الحقيقية ببضعة آلاف وهم قلب ونخبة الحكومة المترامية الأطراف في أنحاء البلد، ومعظمهم من كبار مسؤولي الدولة. دائرة مستخدمي الإنترنت “الحقيقي” في كوريا الشمالية صغيرة جدًا لدرجة أن الدولة كلها ليس لديها سوى 1,024 عنوان دخول للإنترنت IP addresses ل 25 مليون شخص، في حين أن الولاياتالمتحدة لديها مليارات العناوين ل 316 مليون شخص. وبالرغم من صعوبة تحديد رقم معين لعدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت إلا أن الرقم صغير جدًا جدًا.
الكثير من الوصلات المادية للإنترنت موجودة بخط واحد يصل بين بيونج يانج وبين الصين من خلال الجبال الشمالية لكوريا الشمالية. وتصل من خلال الوكالة الحكومية للاتصالات بالصين يونيكوم بالعالم الخارجي. بمعنى آخر أن كوريا الشمالية موجودة خلف الحائط الناري firewall الصيني.
وبالرغم من ذلك يبدو أن كوريا الشمالية لديها اتصال آخر بالإنترنت من خلال القمر الصناعي، ويتم ذلك من خلال القمر الصناعي الروسي سات جيت وشبكة الإنترنت من القمر الصناعي لهونج كونج والتي تديرها الصين. (وهناك شائعات كثيرة عن وجود خط ثانٍ سري، يتصل بأجهزة كبار المسؤولين فقط بسرعات أعلى بكثير، ويظهر تحت IP addresses صينية).
إذا رأيت الإنترنت الحقيقي في كوريا ففي الأغلب سيكون متصلًا بأجهزة كمبيوتر على أحدث طراز أو حتى على جهاز تابع لشركة Apple مثل iPad أو iPhone والتي يتم تهريبها لصالح كبار المسؤولين الحكوميين. وسيكون الاتصال في الأغلب بطيئًا بعض الشيء لأن كل الأجهزة في الدولة تتشارك في سعة محدودة للإنترنت وتعمل من خلال أجهزة عتيقة كثيرًا ما تتعطل.
ليس كل من لديه إمكانية الدخول على الإنترنت في كوريا الشمالية من النخبة. ففي الدولة بعض الوظائف التي تحتاج ببساطة أن تتمكن من الدخول على الإنترنت لأداء وظائفها، وغالبًا ما تشمل هذه الوظائف متخصصي الدعاية والإعلام وقراصنة الإنترنت بالإضافة لبعض الباحثين. وللعمل على الحول دون انحراف هؤلاء الأشخاص عندما يعلموا مدى سوء الأوضاع ببلدهم مقارنة بباقي دول العالم، أو حتى أسوأ من هذا بنشرهم لما علموه بين باقي المواطنين، فهذه الوظائف – التي تتطلب الدخول على الإنترنت – تأتي دائمًا مع رواتب مرتفعة، ومساكن راقية تابعة للحكومة ووضع اجتماعي مُميز. ولذلك سواء أكنت من الصفوة ولذلك تستطيع الدخول على الإنترنت، أو لأنك مسموح لك بالدخول على الإنترنت أصبحت من الصفوة، فكلا الفريقين يسيران معًا. لماذا تسمح كوريا الشمالية بالإنترنت؟ هذا هو السؤال الصحيح. “لماذا؟” بل أنه أهم من السؤال “من” له حق الدخول على الشبكة الحقيقية؟ لأن إجابة هذا السؤال كفيلة بإعلامك كيف تدار هذه الدولة فعلًا. بصورة عامة، فهناك ثلاث أسباب تُتيح لك الاتصال بالإنترنت في كوريا الشمالية ومنه على العالم الخارجي. وما يلي تفصيل لهذه الأسباب، مما سيمنحك نظرة عن ترتيب الأولويات في هذه الدولة. السبب الأول والأهم هو: الدعاية فقد انتقلت فجأة كوريا الشمالية في السنوات الماضية من مجرد إصدار البيانات المكتوبة بلغة مقعرة كدعاية لحكومتها، إلى الحملات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا بالإضافة لفيض من المقاطع على موقع YouTube والتي تُمجد كيم يونج أون وتهاجم “الكلاب الأمريكية الإمبريالية”. وبالطبع كوريا الشمالية ليس لديها “مئات الملايين” من المؤيدين بالخارج كما تزعم، ولكن لديها بالفعل قطاع مهم مؤيد لها – وإن كان قليل العدد – في كوريا الجنوبية وبين الجالية الكورية في اليابان. وأيضًا تريد كوريا الشمالية أن تصل رسالتها لغير المؤيدين لها في الخارج، سواء أكان الناس يتعاملون مع تلك الدعاية على محمل الجد أو لمجرد إثارة الجدل المعتاد المصاحب لدعايتها وتهديداتها. السبب الثاني: القرصنة السبب الثاني الذي تتيح لأجله كوريا الشمالية الإنترنت هو “القرصنة”. فقد نمّت الدولة قسمها للحرب الإلكترونية في السنوات الأخيرة وأصبح لديها عدة آلاف من القراصنة ذوي التدريب العالي. وتستخدم الهجمات الإلكترونية كنوع من أنواع التعويض عن الحرب غير المتكافئة، فهي تعلم أنها ستخسر أي حرب حقيقية ضد جارتها الأقوى كوريا الجنوبية أو ضد الولاياتالمتحدة، لكنها تملك الفرصة لشن هجمات إلكترونية، قادرة على إحداث بعض الفوضى للأجهزة الحكومية والمؤسسات في الدولتين. وهم يستخدمونها كنوع من أنواع الردع بشعار غير معلن “لا تقترب منا وإلا سيهاجمك قراصنتنا”. (هناك تقارير تُشير إلى أن كوريا الشمالية تستخدم الإنترنت لإدارة بعض عمليات الاحتيال، لتحصيل عملة صعبة داخل البلد). السبب الثالث: ترفيه النخبة لكن السبب الثالث أقل وضوحًا. يدخل صفوة الصفوة في الدولة للإنترنت لأنهم ببساطة لا يعيشون نفس الحياة كباقي المواطنين. ففي حين يعيش أغلب مواطني كوريا الشمالية في فقاعة من الدعاية التي تعتبر كل معلومة خارجية عبارة عن تهديد أيدلوجي خطير، تعيش النخبة الحاكمة في دراية كاملة بما يحدث في العالم. ويسمحوا لأنفسهم بالتمتع بكل وسائل الرفاهية المختلفة من: أفلام، وكتب وإمكانية الدخول للإنترنت والتمتع بالتكنولوجيا الممنوعة على بقية المواطنين ووسائل الرفاهية المختلفة والأطعمة والكحول المهربين. وبالتأكيد يتمتع كيم يونج أون بهذه الوسائل ويستخدمها في نفس الوقت في ضمان ولاء النخبة له. وأيضًا يحتاج النخبة لهذه المعلومات للاطلاع على ما يحدث حقًا في العالم، ولمعرفة كيف يديروا دولتهم، حتى لو كانوا يديرونها فقط ليحافظوا على النظام القمعي الاستبدادي في مكانه. ماذا حدث عندما تم إغلاق الإنترنت في كوريا الشمالية؟ هناك بعض الاعتراضات بأن أيا كان من أغلق الإنترنت على كوريا الشمالية في ديسمبر الماضي – سواء كانت الولاياتالمتحدة أو غيرها – قد عاقب الدولة بأكملها لتصرفات حكومتها السيئة. الحقيقية هي أن الإنترنت في كوريا الشمالية ليس منفعة عامة ولا حتى خدمة يدري عنها الشعب أي شيء. فالإنترنت يستخدم كأداة في يد الحكومة لخدمة أهدافهم: كالقرصنة والدعاية وكوسيلة ترفيه للنخبة الذين يديرون الحكومة. هذا الكلام ليس تبريرًا لإغلاق الإنترنت وعرضه كأمر جيد. لكنه ملاحظة لاستخدامه من قبل نظام كيم يونج أون – من ضمن العديد من الأشياء الأخرى – كأداة ليس لها أي هدف – تقريبًا – غير تثبيت نظامه في الحكم، وللاستمتاع الشخصي فقط.