العظماء يجددون أنفسهم ويضخون دماء جديدة في شرايينهم وهم في قمة حالتهم الصحية وليس عندما يتسرب فيهم المرض والهزال والضعف. لذلك لا أضرب كرسيا في الكلوب عندما أقول وبمنتهى الصراحة والجرأة أن مرحلة حسن شحاتة انتهت ليلة الجمعة بالحصول على اللقب الخامس لكأس الأمم الأفريقية، وأن اتحاد الكرة يجب أن يكون شجاعا في احداث تغيير جذري هذا وقته وأوانه، تفرضه ضروريات أن العامين القادمين يجب أن يكونا مرحلة اعداد منتخب قوي قادر على الوصول لنهائيات كأس العالم القادمة في جنوب أفريقيا، وقادر على الحفاظ على لقبه في البطولة الأفريقية التي ستقام بعد عامين في غانا. وقفنا جميعا مع حسن شحاتة عندما كان كالقبطان يخوض غمار أمواج عاتية لا ترحم، ولم يكن هناك سبيل للتراجع أو الوقوع في خطأ منتخب المغرب عندما غير مدربه في وقت حساس، فخرج من الدور الأول للبطولة دون أن يسجل هدفا واحدا وبنقطة يتيمة، مسجلا سابقة لم تحدث من قبل لمنتخب كان وصيف البطولة السابقة وبعدها لم تكن تفصله عن نهائيات كأس العالم في المانيا سوى رمية رام ضلت هدفها! ورغم أن تجربتنا مع أهواء القبطان ليس فيها ما يسر، فقد تسبب قبطان حقيقي ونحن نخوض غمار البطولة في ازهاق ارواح مئات البشر، باصراره على المضي بسفينته التي تواجه الغرق بدعوى أنه الأدرى بها، نتكلم هنا عن العبارة السلام التي ابتلعها البحر الأحمر.. أقول اذا كانت تجربتنا من هذا الجانب سيئة ومحزنة ومبكية، فان الأمر اختلف مع المعلم حسن شحاتة، لسبب أننا كنا جميعا معه وحوله، الآلاف يشدون من أذره، ويدفعونه للامام ويساندونه من أجل هدف واحد وهو الحصول على كأس الأمم. لم يكن هؤلاء الآلاف من المصريين فقط، بل وراءهم 74 مليونا من الشعب المصري وملايين الشعوب العربية، والتي توحدت من أجل أن تبقى الكأس عربية، تنتقل من تونس الى القاهرة، في نفس الشمال الأفريقي ولا ترحل إلى ركن آخر من القارة السمراء! والغريب أن الجموع المحتفية التي سهرت حتى الصباح بأبواق سياراتها ودقات طبولها في القاهرة والمحافظات المصرية، لم يكونوا هم فقط الذين فعلوا ذلك، فالمغتربون المصريون في الخارج رأوا صورة شبيهة في مختلف المدن العربية، في دبي والشارقة، وجدة وسلطنة عمان والأردن ودمشق. إنها صورة شبهتها بالمشتاق الى الانتصار وتحقيق تفوق في أي مجال. إن الصعاب تجعلنا نتوحد، وضربات الغير الموجعة تدفعنا الى محاولة اثبات الذات، لا فرق في ذلك بين عربي وعربي مهما اختلف المكان! ورغم أنها كرة قدم، فانني وبصراحة شديدة اصبت بنوبة بكاء، واغرورقت عيناي بالدموع وقتا طويلا، كلما كان التليفزيون يعرض صور السعداء المبتهجين في شوارع عاصمة المحروسة وقاهرة المعز. ما بال هؤلاء العطشى لو فتحنا لهم أبواب التفوق واثبات الذات، لو خلصناهم من الواسطة والمحسوبية وكل ما يكدر عليهم حياتهم ويحرمهم من أن يحملوا شعلة وطنهم ويقودوا مسيرة حياتهم! أليسوا هم في الحقيقة الذين جعلوا كأس أفريقيا لا يخرج من المحروسة.. أليست هتافاتهم ومساندتهم التي لم يوقفها تعب او ارهاق برغم أنهم كانوا يرابطون في استاد القاهرة قبل ساعات من مباراة منتخبهم؟!.. شاهدوا صور المصريين في المقاهي وهم يشاهدون المباراة، كيف كانوا يضعون أيديهم على رؤوسهم مع كل ركلة ترجيح.. وكيف خطفتهم الفرحة بعد ركلة ابو تريكة الختامية الناجحة؟! إن اكثر الخبراء الأفارقة أكدوا أن هذه الجماهير كانت اللاعب رقم واحد، فلا خلاف على أن منتخب مصر لم يكن الأفضل فنيا، ولم يكن يضم فلتات كروية مثل ايتو أو دروجبا أو هارونا مثلا، وأن المشاهد لمبارياته كان يعتقد أحيانا أنه يلعب بالفطرة وببركة دعاء الوالدين، بسبب أنه لم تكن هناك معالم خططية واضحة أو تدخلات مهمة لشحاتة في الوقت الحساس، وكنت تشعر أن هناك لاعبين مهمين ومؤثرين خارج التشكيل! ومع كل ذلك فقد نجح حسن شحاتة، ارادة الله استجابت لدعوات الملايين ولمن كانوا يحملون المصاحف في ايديهم يبتهلون الى الله أن يجعل في عيون لاعبي كوت ديفوار سدا وغشاوة وهم يسددون ركلاتهم! المرحلة القادمة تحتاج دماء جديدة لقيادة أسياد أفريقيا خارج مصر، بعيدا عن جماهيرها المرعبة. تحتاج لفكر آخر يصنع منتخبا مؤثرا قادرا يملك احتياطيا استراتيجيا قويا. تذكروا أن خط دفاعنا المكون من السقا وجمعة وابراهيم سعيد لم يكن يملك احتياطيا قويا، وكان خروج اي من لاعبيه للاصابة خلال مسيرة البطولة الصعبة معناه الاقتراب من السقوط، ولذلك وضعنا أيدينا على قلوبنا عندما تعمد لاعب عاجي ضرب وائل جمعة للتخلص من رذالته وقوته وبطولته، لكن الله سلم وكان احمد فتحي قادرا على القبض على أخطر لاعبيهم هارونا، خاصة انه في مثل عمره وقد لعب حارسا له من قبل في بطولة أفريقيا للناشئين في بوركينا فاسو التي كان حسن شحاتة فيها أيضا مدربا لهذا المنتخب. ثم وضعنا أيدينا على قلوبنا مرة اخرى عندما خرج ابراهيم سعيد مصابا، وهذا يدل على ان لاعبي منتخب الافيال كانت لديهم تعليمات محددة وصريحة بضرورة التخلص من الخط الدفاعي لأن المصريين ليس في جعبتهم من يستطيعون سد الفراغ! هذه هي الحقيقة على مستوى اختيارات شحاتة، التي دخل فيها لاعبون لم يشاركوا منذ فترة كبيرة في اية مباريات مثل أحمد السيد مثلا أو معتز اينو! علينا ن نعترف أن ارادة الله هي التي حددت النتيجة النهائية، وان الجماهير المرعبة في استاد القاهرة هي التي شوشت على خطط مدربين ممتازين مثل هنري ميشيل وكلود لوروا وعبد الله سار! من الخير أن يتخلى شحاتة عن موقعه وهو بطل وصاحب البصمة الثالثة في تاريخ المنتخب المصري في البطولة الافريقية للأمم. لا نريد ان تأخذنا أضواء الفرح فننسى ان الجوهري سقط سقطات مريعة بعد وصوله الى كأس العالم 1990 وبعد حصوله على بطولة الامم 1998 لأنه لم يكن رجل المرحلة. وهكذا ايضا رأينا شوقي غريب المدرب العام للمنتخب ينال الكثير من الانكسارات مع نفس الفريق الذي حصل به على المركز الثالث في كأس العالم للشباب، والأمر نفسه تكرر مع حسن شحاتة مع منتخب الناشئين! الآن جاءت مرحلة التفكير الهادئ والاختيار الدقيق وعدم التسرع.. وحذار أن يتأخر ذلك إلى مرحلة الحصان المريض! [email protected]