نعيد ونذكر بأن شيماء الصباغ، أم لطفل في السادسة، وهي ناشطة يسارية، قتلها بحسب آخر ما صدر عن النيابة العامة ضابط شرطة، بطلق خرطوش، في ميدان طلعت حرب، أثناء مشاركتها في مظاهرة سلمية وبالورود، في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. وتعتبر قصة "الصباغ" نموذجًا تجلت فيه، كل شروط "الدولة الأمنية"، المستندة إلى غطاء سياسي وإعلامي وبيروقراطي فاشي وعدواني.. يشارك "داعش" في جينات هستريا السحق.. وهو آمن من العقاب أو الحساب. في البداية.. "لبسوا مسئول رفيع بحزبها اليساري القضية".. وأشارت تقارير أمن الدولة، بأنه هو القاتل.. لأنه شوهد في مقطع فيديو، وهو "يضع يده في جيبه"!! دليل الإدانة تأملوا: وضع اليد في الجيب!!.. والمدهش أن النيابة قررت حبسه لهذا الدليل "القاطع" الذي لا يقبل الشك أو الطعن عليه. غير أن القيادي الحزبي "المتهم" آنذاك من حسن حظه وكما يقول المثل الشعبي المصري "زعق له نبي" مع اعتذاري لاستخدام المثل وتحفظي على مفرداته حين طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية بمسرح الجلاء في 1/2/2015، وزير الداخلية في ذلك الوقت محمد إبراهيم، بسرعة ضبط قاتل شيماء الصباغ.. وهو طلب فسر بأنه "توبيخ" للوزير، وأن "تلبيس" القضية لقيادي من التحالف الشعبي الاشتراكي "حركة مكشوفة" وتلفيق فج قد يضر بالسيسي نفسه. بعدها اتخذت القضية طريقًا مختلفًا، حيث أفرج عن "المتهم" المسكين.. ودارت الأصابع 180 درجة، واتضح لاحقًا بأن القاتل ضابط شرطة.. يعني لولا احتفالية الجلاء لكان صاحب "اليد اللي في الجيب" قد أخذ إعدامًا.. وما أسهل ذلك هذه الأيام. المسألة لم تتوقف عند هذا الحد.. فالدولة الأمنية، لكي تعيش وتنتفخ وتكتم الأنفاس وتقطع الألسنة، وتعيث في الأرض فسادًا، وهي آمنة غير قلقة من أية رقابة.. فهي تحتاج إلى إعلام فاشي.. وهو موجود الآن في أكثر طباعته رواجًا.. وتحتاج أيضا إلى جهاز بيروقراطي لا يقل فاشية من الإعلام وحاضنة سياسية فاشية أيضا: ففي مساء يوم السبت 21/3/2015، قال المتحدث باسم الطب الشرعي هشام عبد الحميد، في مقابلة تلفزيونية، إن شيماء الصباغ أصيبت بطلقات خرطوش أدت إلى وفاتها لأنها "نحيفة للغاية". وقال، في مقابلة على قناة "صدى البلد" التلفزيونية، إنه "وفقا للعلم لم يكن يفترض أن تموت شيماء من الطلقات التي أصابتها". وتساءل: "لماذا ماتت؟". ويجيب: "لأن جسمها جلد على عضم وكانت نحيفة للغاية ولم يكن في جسمها أي نسبة دهون.. أربع أو خمس طلقات خرطوش اخترقوا القلب والرئتين (نتيجة نحافتها) ما أدى إلى وفاتها". التصريحات "الفضيحة".. أثارت غضبًا عامًا، وسارعت مصلحة الطب الشرعي بإقالته!!.. ولكن المشكلة في أن الرجل لم يكن يتحدث من تلقاء نفسه.. بل إنه كان ينقل فحوى تقرير الطب الشرعي، بشأن مقتل الصباغ.. وإقالته لم تكن لأنه "ألف" تقريرًا من عنده، وإنما لأنه كشف عن التقرير الأصلي. عبد الحميد أوضح للصحفيين أسباب إقالته قائلا: إنه أعفي من منصبه لأنه "متهم بإجراء مقابلة تلفزيونية من دون الحصول على تصريح"! يعني التقرير صحيح وأنه أقيل فقط لعدم حصوله على تصريح للظهور على الفضائيات! هذا نموذج فيما يتعلق بمقتل ناشطة يسارية مؤيدة ل 30 يونيو.. فما عسانا نتوقع عن تقارير الطب الشرعي بشأن مقتل المئات من المعارضين الإسلاميين؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.