الأنبا رافائيل يدشن مذبح «أبي سيفين» بكنيسة «العذراء» بالفجالة    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة قبيا غرب رام الله بالضفة الغربية    وزير الأوقاف ينعي شقيق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم    محافظة الجيزة: غلق كلي بشارع 26 يوليو لمدة 3 أيام    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    عصام عطية يكتب: الأ سطورة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    "الأوقاف" تكشف تفاصيل إعادة النظر في عدالة القيم الإيجارية للممتلكات التابعة لها    الجيش الأمريكي يعلن "ضربة دقيقة" ضد سفينة مخدرات    عاجل- أكسيوس: ترامب يعتزم إعلان الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق غزة قبل أعياد الميلاد    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    وست هام يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في البريميرليج    لم ينجح أحد، نتائج الحصر العددي بالدائرة الرابعة في إبشواي بالفيوم    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    نجوم العالم يتألقون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر.. ومايكل كين يخطف القلوب على السجادة الحمراء    دنيا سمير غانم تتصدر تريند جوجل بعد نفيها القاطع لشائعة انفصالها... وتعليق منة شلبي يشعل الجدل    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    مصادرة كميات من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بحي الطالبية    نتائج االلجنة الفرعية رقم 1 في إمبابة بانتخابات مجلس النواب 2025    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    محطة شرق قنا تدخل الخدمة بجهد 500 ك.ف    وزير الكهرباء: رفع كفاءة الطاقة مفتاح تسريع مسار الاستدامة ودعم الاقتصاد الوطني    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    إعلان القاهرة الوزاري 2025.. خريطة طريق متوسطية لحماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأزرق    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    قفزة عشرينية ل الحضري، منتخب مصر يخوض مرانه الأساسي استعدادا لمواجهة الإمارات في كأس العرب (صور)    كأس العرب - يوسف أيمن: كان يمكننا لوم أنفسنا في مباراة فلسطين    غرفة التطوير العقاري: الملكية الجزئية استثمار جديد يخدم محدودي ومتوسطي الدخل    تفوق للمستقلين، إعلان نتائج الحصر العددي للأصوات في الدائرة الثانية بالفيوم    البابا تواضروس الثاني يشهد تخريج دفعة جديدة من معهد المشورة بالمعادي    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    "لا أمان لخائن" .. احتفاءفلسطيني بمقتل عميل الصهاينة "أبو شباب"    ترامب يعلن التوصل لاتفاقيات جديدة بين الكونغو ورواندا للتعاون الاقتصادي وإنهاء الصراع    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    العزبي: حقول النفط السورية وراء إصرار إسرائيل على إقامة منطقة عازلة    انقطاع المياه عن مركز ومدينة فوه اليوم لمدة 12 ساعة    اختتام البرنامج التدريبي الوطني لإعداد الدليل الرقابي لتقرير تحليل الأمان بالمنشآت الإشعاعية    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    محمد موسى يكشف أخطر تداعيات أزمة فسخ عقد صلاح مصدق داخل الزمالك    مراسل اكسترا نيوز بالفيوم: هناك اهتمام كبيرة بالمشاركة في هذه الجولة من الانتخابات    مراسل "اكسترا": الأجهزة الأمنية تعاملت بحسم وسرعة مع بعض الخروقات الانتخابية    محمد إبراهيم: مشوفتش لاعيبة بتشرب شيشة فى الزمالك.. والمحترفون دون المستوى    مصدر بمجلس الزمالك: لا نية للاستقالة ومن يستطيع تحمل المسئولية يتفضل    كرة سلة - سيدات الأهلي في المجموعة الأولى بقرعة بطولة إفريقيا للاندية    دار الإفتاء تحذر من البشعة: ممارسة محرمة شرعا وتعرض الإنسان للأذى    فرز الأصوات في سيلا وسط تشديدات أمنية مكثفة بالفيوم.. صور    أخبار × 24 ساعة.. وزارة العمل تعلن عن 360 فرصة عمل جديدة فى الجيزة    رئيس مصلحة الجمارك: ننفذ أكبر عملية تطوير شاملة للجمارك المصرية    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    سلطات للتخسيس غنية بالبروتين، وصفات مشبعة لخسارة الوزن    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلمى القاعود يتحدث عن ذكرياته مع رائد الأدب الإسلامي نجيب الكيلاني
نشر في المصريون يوم 19 - 03 - 2015

مرت الذكرى العشرون لرحيل الأديب الدكتور نجيب الكيلانى دون أن يتم تسليط الضوء الكافى عليه مما يتلائم مع مكانته وما تركه من كم هائل من الرواية والقصة القصيرة والكتب التى نظرت للأدب الإسلامى وكتب أخرى تناولت الفكر الإسلامى الراهن وأخرى تعرضت لمجاله وتخصصه الرفيع وهو مجال الطب..ويعد الكيلانى من الرواد الذين نظروا للأدب الإسلامى موضوعا وتطبيقا من خلال أعماله، وقد تعرض الكيلانى خلال هذه الرحلة للعديد من المضايقات والمطارادات والسجن والتعذيب، ومع ذلك لم يفت فى عضد هذا الرجل الصلب المدافع عن فكرته ومبادئه وأطروحاته، وما هى إلإ سنوات حتى ذاعت فكرته، وتلقفها الناس فى كل مكان وأصبح الأدب الإسلامى هو المأوى لكثير من الأدباء والنقاد...وقد أهملت الدولة عبر مؤسساتها الثقافية الاهتمام بذكرى نجيب الكيلانى، لأن هذه الهيئات يسيطر عليها تيار يسارى يكره الفكرة الإسلامية والإسلام ويقصى كل من يقترب منها، علماً بأنه طبقت شهرته الآفاق خارج مصر فى الدول العربية والإسلامية.. فقد أجريت حوله الدراسات والأطروحات الجامعية التى تناولت أدبه وفكره، لأنه جعل عالمه الإسلام الذى يدعو إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله، وقد تخطى حدود وطنه ومشكلاته وهموم إلى هموم العالم الإسلامى .. فتحدث عن هموم المسلمين فى كل مكان من خلال الرواية والقصة والمسرحية الإسلامية ..فتناول مشكلاتهم فى نيجيريا من خلال رواية "عمالقة الشمال"، ومشكلاتهم فى أواسط آسيا فى روايته "ليالى تركستان"، ومشكلاتهم فى أندونسيا فى رواية "عذراء جاكرتا"، وفى أثيوبيا فى رواية "الظل الأسود"، وآخر أعماله "سراييفو حبييتى" وفيها يتعرض لمشكلات المسلمين فى البوسنة والهرسك الذين كانوا يتعرضون لتطهير عرقى من قبل الصرب "خنازير أوروبا" بمساندة المجتمع الدولى من خلال من منظماته كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الذى بارك هذه المجازر الصليبية الرهيبة..

نتذكره من خلال حوارانا مع رفيق دربه الأستاذ الدكتور حلمى محمد القاعود الذى رافقه طويلا وأجرى عنه الدراسات عن رواياته، وخصه بكتابه "الواقعية الإسلامية فى روايات نجيب الكيلانى" الذى صدرت الطبعة الثانية منه عن مكتبة العبيكان سنة 2006 وقد تحدث القاعود فى الحوار عن ذكرياته معه ومكانته فى مجال الرواية الإسلامية والتنظير للأدب الإسلامى وإهمال الهيئات الثقافية المصرية له وكيف يراه بعد عشرين عاما من الرحيل وإلى نص الحوار:
- متى عرفت الدكتور نجيب الكيلانى لأول مرة ؟
* في فترة بعيدة لا أذكرها تماما لعلها أواخر الخمسينيات من القرن الماضي . قرأت روايته "الطريق الطويل" التي فازت بجائزة الدولة، وكان أيامها أسيراً في سجون جمال عبد الناصر، وأخرجوه من السجن ليقابل الزعيم الملهم ليتسلم منه الجائزة، ولم يقولوا له إنه سجين رأي . كانت الرواية مقرره على طلاب المدارس الثانوية فيما أتذكر، وكنا نحن الطلاب نتبادل قراءتها، ونعجب بشخص بطلها الفقير المكافح مثلنا، حتى يتجاوز الصعاب والعقبات.
في أوائل السبعينيات قرأت بعض أعماله الأخرى، وبعدها طالعت روايته المؤثرة "رحلة إلى الله" التي رصد فيها أحط ما وصل إليه النظام العسكري من وضاعة وخسة وهو يعذب المعتقلين من الإخوان المسلمين في السجن الحربي . وقد كتبت عنها دراسة طويلة نشرتها في مجلة "رابطة العالم الإسلامي" بمكة المكرمة، وبعدها التقيت به في طنطا، في إجازة صيفية، وصرت أقابله في كل صيف .

- كيف كانت ذكرياتك معه ؟
* ذكرياتي معي كثيرة خاصة بعد أن تعارفنا شخصيا ، وكنت ألتقي به في خارج مصر كثيرا، وخاصة في الرياض وكان يحكي لي ملامح عديدة من تجاربه الإنسانية التي سجلها في سيرته الذاتية أو لم يسجلها بسبب خصوصيتها، وكان يأتي في مؤتمرات عديدة تنعقد في الرياض لوزراء الصحة في دول الخليج العربي، ولكن مرض الكبد كان قد بدأ يثقل عليه وأخذ الوهن يدب على محياه، ولكنه كان يقاوم، وأخبرني أنه عندما يشعر بالتعب في أثناء وجوده بالمكتب يغلق على نفسه الباب، ويضع شلتة تحت رأسه ويتمدد لمدة نصف ساعة أو نحوها حتى يستعيد حيويته وينهض مرة أخرى يتابع عمله .

ولعل رحلة المرض الأخيرة كانت بعد إحالته على التقاعد واستقراره في مصر كانت من أصعب المراحل التي مرت به . كان في البداية يذهب في نحو العاشرة صباحا إلى مسجد السيد البدوي، ويجلس بجوار المنبر يقرأ القرآن حتى صلاة الظهر، ثم يعود إلى البيت للغداء والراحة، ويواصل القراءة والكتابة، وتردد على كثير من الأطباء، وهو بالمناسبة طبيب له مؤلفات عديدة في ميدان الطب، وحين ثقل عليه المرض سمح له بدخول مستشفي الملك فيصل التخصصي بالرياض، وهو من أفضل المستشفيات المجهزة في الشرق الأوسط، وفيه لقي عناية فائقة، وأجريت له عملية جراحية استغرقت وقتا طويلا، أغلق بعدها الأطباء ما فتحوه من البطن دون أن يفعلوا شيئا، بعد أن رأوا المرض الخبيث قد تغلغل في أحشائه كلها . لم يعلم بالطبع بهذا الأمر ولكني علمت به بعد يومين، وعاد إلى مصر ليشتد عليه الألم، واضطر إلى إجراء عملية أخرى في القاهرة لاستئصال العصب الذي يشعره بالألم . وحملت له من الرياض دواء تم صرفه من مستشفي الملك فيصل ، وبعد ثلاثة أيام أو أربعة عدت إلى الرياض وما إن وصلت حتى كان خبر رحيله يسبقني إلى هناك – رحمه الله .

- كيف يحتل الدكتور نجيب الكيلانى مكانه فى مجال الأدب الإسلامى؟
* في تصوري أن الكتابة من خلال التصور الاسلامي تحتاج الى شجاعة كبيرة في ظل مناخ معاد لكل ما هو إسلامي، فرضته ثقافة غريبة على الأمة تؤازرها حكومات لا تحمل في الغالب ودّا للاسلام وتصوراته وتشريعاته . هنا تكون الكتابة من خلال تصور اسلامي عملا بطولياً وشجاعاً، خاصة أن الكاتب المسلم يعلم أن من يسيطرون على الحقل الثقافي ماركسيون أو علمانيون بصفة عامة. كان تمسك نجيب الكيلاني برؤيته الاسلامية وانطلاقه في كتابة القصة والرواية والشعر والمسرحية والدراسة من هذا المنطلق يجعله في وضع الرائد الذي يشجع غيره على انتهاج طريقه. وقد سجل نجيب الكيلاني نجاحاً كبيراً سواء من ناحية الكم أو الكيف في إنتاجه الأدبي!

- كيف تم التنظير للأدب الإسلامى؟
* استطاع نجيب الكيلاني أن يعبر عن الأدب الإسلامي تطبيقياً ونظرياً، فرواياته ودوواينه تتضمن تصوراً إسلامياً ساطعاً يأتي في أداء فني رائع بعيد الخطابة والوعظ والمباشرة، كما أنه قدم عديدا من الكتب التي تؤصل لفكرة الأدب الإسلامي، وتوضح طبيعته وخصائصه ،وضرورة صياغته في القوالب الفنية المعروفة عالميا وعربيا . ومن كتبه في هذا المجال: "مدخل إلى الأدب الإسلامي"، و"الإسلامية والمذاهب الأدبية"، و"آفاق الأدب الإسلامي"، و"الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق"، و"تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية" .

- مكانته فى الرواية العربية؟
* هناك مقولة شهيرة لنجيب محفوظ بأن نجيب الكيلاني هو رائد الرواية الإسلامية بلا منافس. وهي مقولة صحيحة، وأعتقد أن نجيب الكيلاني من خلال لغته الأدبية وبنائه الفني، استطاع أن يشكل ملمحاً أساسيا ورئيسيا في تجديد الأدب العربي الحديث، وأن يصير ركنا مهما من أركان الرواية الفنية المعاصرة، وتعد رواياته الأفضل والأكثر توزيعا وطبعا وقراءة بالنسبة للقراء مع روايات الروائيين البناة من أمثال: محمود تيمور، ونجيب محفوظ، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وعلى أحمد با كثير، ومحمد فريد أبوحديد، وعبد الحميد جودة السحار، وغيرهم .

- كيف تقيم روايات الدكتور نجيب الكيلانى من حيث موضوعاتها؟
*قدم الدكتور نجيب الكيلانى عددا كبيرا من الروايات والقصص القصيرة وهى غالبا محمومة بالتصوُّر الإسلامي وصادرة عنه، ومن خلال هذا الإنتاج القصصي الغزير استطاع أن يقدِّم النموذج الإسلامي في الرواية والقصة ويمكن تقسيم إنتاجه إلى أربعة مراحل أو مستويات:
أولها ويمثِّل "الرّواية الرومانسية"، ويضم العديد من رواياته، وقد عبّر من خلالها عن هموم النَّاس والعلل الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل الفقر والجهل والأمراض المتوطنة والسلبية والتخلف، ومزج ذلك بالعواطف المشبوبة والخيالات الحالمة والآمال المجنِّحة، ويمكن أن نرى أمثلة على ذلك من رواياته: "الطريق الطويل"، و"الربيع العاصف"، و"الذين يحترقون"، و"في الظلام"، و"عذراء القرية"، و"حمامة سلام"، و"طلائع الفجر"، و"ابتسامة في قلب الشيطان"، و"ليل العبيد"، ,"حكاية جاد الله"..

وثانيها ويمثِّل "الرواية التاريخية"، التي تستلهم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بصفة عامة، وقد استدعى التاريخ واستلهمه ليقدِّم النماذج الإنسانية المشرفة من حضارتنا، ويرصد جهاد الآباء في شتى جوانب الحياة، دفاعاً عن الدّين وسعياً لتأسيس مجد غير مسبوق، وفي بعض الأحيان كان يستدعي التاريخ ليعالج من خلاله قضايا راهنة أصابت الأمَّة بالإحباط واليأس، ويوقظ به الأمل في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق إحياء الهمَّة وبعث العزيمة والإصرار، وفي كل الأحوال فإنَّ استلهام التاريخ في الرّواية عند "نجيب الكيلاني"، كان إبرازاً لمعطيات الإسلام العظمية، وإمكاناته الهائلة في تحويل الإنسان المسلم إلى صانع حضارة وباني مجدٍ وجندي ظافر في معاركه ضد الشرّ والتوحُّش، ويمكن أن نجد عدداً كبيراً من رواياته التي عبَّرت عن ذلك، مثل: "نور الله"، و"قاتل حمزة"، و"أرض الأنبياء"، و"دم لفطير صهيون"، و"مواكب الأحرار" (أو نابليون في الأزهر)، و"اليوم الموعود"، و"النداء الخالد"، و"أرض الأشواق"، و"رأس الشيطان"، و"عمر يظهر في القدس".

وثالث هذه المراحل ويمثِّل الرواية التي يمكن أن نسميها ب"الرواية الاستشرافية" التي عبَّر فيها عن هموم المسلمين خارج حدود العالم العربي (دول آسيا الوسطى التي كانت أو ما زالت تحت الستار الحديدي الشيوعي من الاتحاد السوفييتي والصين-إثيوبيا- إندونيسيا- نيجيريا)، واستطاع أن يكشف للعالم مأساة داميةً أصابت ملايين المسلمين المنسيين الذين لا يتحدَّث عنهم أحد إلاَّ نادراً، ولا يعرف عنهم المسلمون في العالم العربي إلاَّ القليل، وفي الوقت ذاته توقَّع انتصارهم وتحرّرهم، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مكان وبخاصة في الدول الإسلامية التي استقلَّت أو تحاول الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتعدّ رواياته: "ليالي تركستان"، و"الظل الأسود"، و"عذراء جاكرتا"، و"عمالقة الشمال"، من أشهر رواياته في هذا الإطار.

ورابعها ويمثِّل الرواية عند نجيب الكيلاني في المرحلة الراهنة، وهي التي نُطلق عليها "الواقعية الإسلامية"، ويعبِّر فيها عن القضايا الاجتماعية التي تهمّ جموع المستضعفين في الوطن، ويبرز فيها ما يلقاه النَّاس من ظلمٍ وقهرٍ واضطهاد، ويتخذ من تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية عناصر أساسية يرتكز عليها في بناء هذه الروايات، وأيضاً فإنَّه يطرح عبر سطورها رؤية الجيل الجديد للأحداث، وموقفه من قضايا الحرية والعدل والأمن والرخاء والمستقبل، وتُعدُّ روايات الأربع أو رباعيته التي أنتجها على مدى عامين تقريباً، ونشرت على مدى شهورٍ متقاربة وهي: "اعترافات عبدالمتجلي"، و"امرأة عبدالمتجلي"، و"قضية أبو الفتوح الشرقاوي"، و"ملكة العنب" من أفضل النماذج وأبرزها في الدلالة على هذا الإطار.

عرف عن الدكتور نجيب الكيلانى أنه تناول "الواقعية الإسلامية" فى أدبه، كيف تناول ذلك وهل هناك فرق بين الواقعية الإسلامية والواقعية الأوربية؟
كما هو معروف أننى تناولت الكثير من قصصه فى مقالاتى وكتبى، وناقشت موضوع الواقعية الإسلامية فى كتاب مستقل عنه بعنوان "الواقعية الإسلامية فى أدب نجيب الكيلانى"، أوضحت فيه أن الواقعية الإسلامية تختلف عن الواقعية الأوربية والواقعية الاشتراكية، وبينت أن الواقعية الأوروبية واقعية نقدية تعنى بوصف التجربة كما هي، حتى لو كانت تدعو إلى تشاؤم عميق لا أمل فيه، في حين تحتّم الواقعية الإسلامية أن يثبت الكاتب في تصويره للشرّ دواعي الأمل في التخلُّص منه فتحاً لمنافذ التفاؤل حتى في أحلك المواقف، ولو أدَّى إلى تحريف الموقف بعض الشيء. أمَّا الواقعية الإسلامية، فإنَّها مع انتقادها للواقع تنطلق في انتقادها من التصوُّر الإسلامي الذي يكون دائماً منصفاً، فلا يبالغ ولا يهوّل، أيضاً لا يتحامل بسبب المغايرة في الانتماء، ولا يحبِّذ الصراع بين الطبقات كما يبتغي الواقعيون الاشتراكيون، فضلاً عن أنَّ الأمل في الواقعية الإسلامية، هو أمل إيماني يقوم على أساس نُصرة الحقِّ في كل الأحوال، حياة وموتاً. إنَّها باختصار ترفض التشاؤم كما ترفض التفاؤل الذي يقوم على الخداع أو التزييف، ثم إنَّها تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية، ومشكلات العصر على إطلاقها، وتختار شخوصها من عامة المجتمع وجميع طبقاته؛ لأنَّها تعتقد بأنَّ الخيرَ والشرَّ ليسا قاصرين على طبقة بعينها، ولكنَّهما موجودان في النفس البشرية، ايّاً كانت طبقتها أو انتماؤها الطبقي، وأنَّ الإنسان يمكن أن يكون خيِّراً أو شرّيراً ِوفقاً لاختياره، وعوامل أخرى مؤثِّرة في هذا الاختيار من قبيل التربية والتوجيه والقدوة والظروف المحيطة...إلخ، لذا؛ فإنَّ الطبقة ليست هي العنصر الحاسم في الصراع بين الخير والشرِّ، وإنَّما الإرادة الفردية ومكوناتها.. وهو ما يتسق مع التصوُّر الإسلامي:}فَألهمها فُجُورها وتقواها*قد أفلحَ مَنْ زَكَّاها*وقد خَاْبَ مَنْ دَسّاهَا{[سورة الشمس: 9،8].

- لماذا لم يتم تسليط الضوء عليه بالقدر الكافى فى مسقط رأسه مصر بينما تم تكريمه خارجها؟
* المشكلة أن بلده طارد للكفاءات والعناصر الجيدة لحساب المهرجين والأفاقين وأصحاب المواهب الضحلة ، فضلا عن ضيق الأفق الذي يحكم النظم المستبدة والبوليسية الفاشية . عاش الرجل غريبا عن وطنه قرابة ربع قرن أو يزيد ، فلم تطبع له رواية في مصر، ولم يصدر له كتاب في أم الدنيا ولم ينشر عنه خبر في مجلة أدبية أو صحيفة يومية ، بسبب تصوره الإسلامي . ولم يعرف القارئ المصري رواياته وكتبه في مصر إلا بعد رحيله . لقدعرفته الدول العربية دون وطنه الأصلي . أصدرت من رواياته وكتبه عشرات الطبعات ودعته إلى محافلها ومنتدياتها وكرمته ، ولكن بلده تجاهلته وهمّشته ولم تتذكره بجائزة من الجوائز التي ترشها كالماء على أعضاء الحظيرة الثقافية . لقد تجاهلوا أنه كان أصغر روائي يقرأ التلاميذ كتبه في المدارس بوصفها مقررات دراسية، وأن الفيلم السينمائي المصري الوحيد الذي فاز بجوائز مهرجان عالمي كان عن رواية لنجيب الكيلاني وهي "ليل العبيد" التي غيروها في الفيلم إلى "ليل وقضبان" حيث فاز الفيلم عام 1974 بجائزة مهرجان "طشقند" للأفلام السينمائية بالاتحاد السوفياتي الذي كان، وأنه في مطلع حياته الأدبية نال العديد من الجوائز في خمسينيات القرن الماضي . ناهيك عمن يكتبون في الصحف والمجلات - ومعظمهم من اهل الهوى - يبغضون الإسلام وكل من ينتمي إليه، ولذا لا يذكرونه بكلمة . مؤهل الكتابة عن الأعمال الأدبية لدى القوم أن تكون معادياً للإسلام أو لا مبالياً به على الأقل، وحبذا لوكنت من الحزب أو الشلة أو الحظيرة!

- كيف ترى نجيب الكيلانى بعد عشرين عاما من الرحيل؟
* أراه أمامي واثقا بإيمانه في نصرة الله للمسلمين، وأرى أدبه يتمدد خارج حدود العالم العربي، وأرى تكريمه يأتي من جامعات عديدة مصرية وعربية وإسلامية، من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه، وأراه من خير من عبّروا عن الإنسان المصري في مواجهة الطغاة والغزاة، والتغلب على متاعب الحياة بالصبر والعزيمة والإرادة التي تصنعها العقيدة والاعتماد على الله . لقد عالج كثيراً من المشكلات التي تواجه المصريين والعرب والمسلمين بوعي وحنكة ، وصياغة فنية سميتها في كتابي "الواقعية الإسلامية في أدب نجيب الكيلاني "بالسهل الممتنع" .

نجيب الكيلاني بعد عشرين عاما من رحيله ما زال في القلوب والعقول ، بينما مات من صنعتهم الدعاية دون أن يملكوا موهبة حقيقية أو فناً أصيلاً مع أنهم يدبّون أحياء على ظهر الأرض .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.