يهيىء لى أن الأزمة التى بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقوى السياسية ربعها سليم وثلاثة أرباعها فاسد ..فهناك بالفعل خلافات حول الفترة الانتقالية وما يتخللها من انتخابات مرورا طبعا بقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر وكل ما يتصل بالمسألة الانتخابية .وكان طبيعيا أن يحدث هذا الخلاف فى بلد بحجم مصر تعانى من 60 عاما ديكتاتورية بلغت فى الثلاثين الأخيرة منها حدا أقرب إلى الموات..صاحب ذلك تقطيع لأوصال العملية السياسية ووصلها بالسلطة المستبدة فلم يعد هناك ساسة أو سياسة فقط أصبح هناك أصحاب مصالح يخدمون السلطة والسلطة تخدمهم .. كنت أتصور أن ذلك كله مفهوم وأنه حين تبدأ عملية تصحيح لمسار طال انحرافه كل هذا الزمن وبكل هذا العمق فإن الأمر لن يكون سهلا بل ستكون صعوبته شديدة ..أضف إلى ذلك أن الجهة المعنية بإتمام هذا التصحيح جهة لا تتصل بالسياسة بطبيعة تكوينها الوظيفى .فرصيدها فى هذا الموضوع قليل وهى إلى ذلك مضطرة للاستعانة بأهل الخبرة و التجربة وأغلبهم كانوا ضالعين فى المنظومة السابقة بكل ما تحويه من مفاسد وبكل ما تحمله من عداءات وخصومات .. وقد مثل اختيار المستشار طارق البشرى لرئاسة لجنة تعديل الدستور موقف المجلس الأعلى من أمور كثيرة فالرجل وثيق الصلة بالإسلاميين ..وهذا لا يعنى المجلس فى شىء..الرجل كان على خصومة من النظام السابق إلى حد أنهم استدعوا مستشارا من المعاش حتى يحرموه من رئاسة مجلس الدولة..وهذا أيضا لايعنى المجلس فى شىء ..وفوق كل هذا وذاك فالرجل بشهادة كل الدنيا حجة علمية ويمتلك رؤية تاريخية أقرب إلى الاحتراف والتخصص ..هذا كله يدلل على أن المجلس الأعلى لم يكن يبتغى إلا صالح الوطن.. على أن المستشار البشرى لم يكن هو المستشار الوحيد فقد كان هناك د يحيى الجمل وغيره كثيرون ... والأخيرون يجمعهم أمران: الانتماء التاريخى والنفعى للأنظمة السابقة والخصومة للإسلاميين.. الإسلاميون يتصدرون المشهد العام للأحداث منذ التنحى ..هناك التيار الاسلامى المنظم والذى اعتاد ممارسة العمل العام فى ظل ظروف سياسية قاسية وشرسة وشارك فى الثورة وحفظ لها قوتها واستمرار شعلتها بعد أن أوقد شرارتها الأولى شباب لا يجمعهم جامع فكرى او سياسيى .وقد يبدو أنه أكثر المستفيدين من تطور الأمور على ما تمت عليه.. البعض يقول أنه كان يجب عليهم أن يتريثوا قليلا ويسيروا فى شوطهم على مهل حتى لا يتحجج بهم المتحججون..لكنهم رأوا غير ذلك .. باقى التيارات الإسلامية حديثة العهد بالسياسة والعمل العام ويخطون فيه خطوهم الأول بكل ما تحمله الخطوات الأولى من تعثر وتصحيح . المشهد مركب ومربك ويبعث على احاسيس خوف مبررة ومفهومة.. شباب الشرارة الأولى يشعر بأنه مغبون ومهما حاول من صياح.. فصوته ضعيف ..أغلبهم لديه من الحماس أكثر مما لديه من الفكر ويمتلك من الأمانى أكثر مما يمتلك من الرؤى .. أيضا أغلبهم يفتقد القدرة التأثيرية ذات الطبيعة الآسرة ..فلم يخرج من بينهم قائد حقيقى بمواصفات القيادة الناجزة..هؤلاء الشباب أخذوا يلملمون أنفسهم فى ائتلافات ومجالس أمانات واتحادات وبعضهم أسس حزبا وبعضهم انخرط فى أحزاب لكن المشهد كله كان بائسا للغاية ..وبدا أن هناك من يريد ثمنا لأشياء لاتباع ولا تشترى .. بعضهم اكتفى بالتويتر والفيس يكتب فيه ما يريد ..ولما طال مطال بعضهم ولم يجد فى يديه إلا يديه والوقت الساخن و(الشاطراللى يلحق).. قررت إحداهن سب المجلس الآعلى للقوات المسلحة عساها تصبح (بطلة) فتلغ فى نعيم النجومية والشهرة وما يترتب عليهما..وحين عوقبت ثم رفعت عنها العقوبة بعد تدخل عدد من المثقفين لدى رئيس الأركان لم تشكرهم ..وقالت إن ضغوط الخارج هى التى رفعت عنها العقوبة..!! أنت الآن أمام حالة ثورية غاية فى الطهارة والشرف.. الجهة الوحيدة فى الوطن المتماسكة والصلبة والتى تمثل الآن عماد حياتنا والتى كان لها أعظم الأدوار فى إنجاح الثورة المطلوب إهانتها وكسر هيبتها (لصالح من أيتها الفتاة المهذبة؟؟).. الكرامة الوطنية أيضا مطلوب إهانتها بالإدعاء الكذوب عن الضغوط الخارجية .. وبدأت تتكون حالة ما يعرف(بالدوافع الخفية)وهى حالة معروفة فى المراحل الانتقالية المفككة فأنت تصرخ مطالبا بشىء.. لكن ما تريده فى حقيقة الأمر شىء آخر..يتصل أغلبه باحتياجات البشر النفسية فى الطموح والمجد والجاه.. والبحث عن النجومية السياسية والاجتماعية..وليس عيبا أن يختار الإنسان لنفسه ما تستحقها ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه..لكن العيب فى إهدار القيم العليا والمزاحمة عن عدم جدارة..وقديما قالوا اجلس حيث يؤخذ بيدك وتبر ولا تجلس حيث يؤخذ برجلك وتجر .. كان يرقب كل هذا من بعيد رجال أعمال اعتادوا على غمس أموالهم فى إناء السياسة تحقيقا للجاه من جهة وتحصينا لأموالهم من جهة أخرى والعلاقة بين الجاه والمال علاقة هندسية تحدث عنها بن خلدون كثيرا فى مقدمته . بعد كسر الإناء القديم بدأت تتشكل أنية جديدة تتصل بالإعلام (فضائيات وصحف)..والمهمة كلها يجرى تسهيلها على رأى عمنا ناعوم تشومسكى..إذ يكفى أن يتفق ثلاثة أو أربعة رجال أعمال من هذه العينة الشريفة العفيفة على تبنى موضوع أو فكرة ثم تشتغل وتشتعل البرامج ..والضيوف جاهزون على كل لون وطعم..ويصبح الناس لا حديث لهم إلا الأفكار التى تلاعبت فى جماجم رجال الأعمال السابق ذكرهم_ بعضهم طائفى وبعضهم أيديولوجى وبعضهم نفعى_ وهى عادة أفكار تهدف إلى التخويف من الإسلاميين والتطاول على المجلس الأعلى وتعطيل الانتخابات والبرلمان والدستور والتشكيك فى كل شىء. يضاف الى هؤلاء وهؤلاء مجموعات شيوعية(تروتسكية) تهدف إلى إحداث ما يعرف فى الفكر التروتسكى بالثورة الدائمة التى تؤدى الى فوضى وهى الفوضى التى ينبثق منها النظام الجديد الواعد. وقد رأيتهم بنفسى فى التحرير يقودهم أحد الرسامين....فى التحرير أيضا وجدت عدداً كبيراً من الشباب الذى أصابه الملل من مضغ الفراغ والحياة الرتيبة المسكونة بالعادى والمألوف والقريب. خطباء المنصات أيضا لهم مطالبهم الذاتيه _المفهومة _ بعضهم من أحزاب اسمها اكبر من حجمها ولو قلت لا حجم لها البتة فلا لوم عليك ..وهم حيارى من أمرهم فإذ استقرت الأمور..ستتكشف الحقائق عارية. هؤلاء أيضا وجدوا أن التطاول على المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد يمنحهم وهجا ..سواء فى الإعلام أو بين الشباب ولأن كابوس(إنى أغرق ..إنى أغرق)يفزع عليهم الليالى والأمسيات فلا منفذ لديهم إلى المستقبل إلا الصخب والضوضاء والجلبة وكلمات السياسة والتاريخ و الوطن والشعب التى يلهجون بها ما هى الا وسائط لإشباع مسعى يرجع لفترات المراهقة الأولى. مرشحو الرئاسة رغم أن هدفهم الجوهرى هو الحديث إلى الشعب الصامت الصبور وإظهار ما يحملونه بين جوانحهم من آمال وبرامج وأهداف قومية..إلا أنهم رأوا ألا يغيبوا عن المشهد بالبيانات اليومية الموجهة الى (العسكرى)_هكذا يتحدث أغلبهم_ ويبدو أن مستشاريهم نصحوهم بذلك ممالأة للصخب العام . ما أردت ذكره من خلال هذا السرد: *من المهم لنا جميعا ان نحافظ على هيبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإن كانت لنا ملاحظات على نقص أو بطء أو ترتيب .. فلنشر إليه بوضوح وقوة وإلحاح. وما يعنينا أنهم تعهدوا بأنهم سيسلمون السلطة خلال ستة أشهر لأنهم ليسوا بديلا عن الشرعية كما قالوا فى أول بيان.. من الممكن لهذه الشهور أن تطول _فهى ليست الأشهر الحرم_ وتصبح سنة أو سنتين ..إلى أين ستنتهى الأمور فى النهاية؟ أليست الى برلمان وحكومة ورئيس..؟ قد يكونون أكفاء وقد يكونون غير ذلك وتستمر العملية السياسية تنضج نفسها بنفسها من خلال التجربة والخطأ والتصحيح . *المقارنة بين أزمة 1954م وما يحدث الآن مقارنة فقيرة وهشة ولا معنى لها .وقديما قالوا قارن بين ما يقبل المقارنة.فما حدث كان انقلاب عسكرى من ضباط فى الثلاثينيات من عمرهم وقفت وراءهم القوى السياسية (الإخوان والوفد) ثم باقى الشعب .وتطورت الأمور على ما نعلم جميعا *بعض الصحف والفضائيات (منصات أذى وضرر قومى)..وحين تتعامل مع ثعبان يجب أن تتعامل معه على انه ثعبان . *الإسلاميون مكون جوهرى فى العملية السياسية فى المستقبل وهذه إحدى الحقائق التى يجب التعامل معها كما هى ولنعلم جميعا أن الشارع (مزاجه إسلامى) ومن يريد أن يماطل أو يتلاعب حول ذلك مضيع لمصالح الوطن العليا ... ويبقى الانجاز من جانبهم والصندوق من جانب الناس هما محك التجربة..وجملة ديمقراطية المرة الواحدة ..جملة لفظية لا معنى لها..كالدائرة المربعة و المربع الدائرى . على أنه من المهم القول بأن التخوفات التى يبديها المجلس الأعلى والتى تبدو فى تجليات كثيرة من فترة لأخرى مصدرها _فيما أتصور_ الخوف من أن يبسط الإسلاميون أيديهم على مكونات الحياه السياسية من برلمان وحكومة ..ويجب أن نتصارح بذلك وعلى التيار الإسلامى المنظم ان يفتح حوارا مغلقا معهم فى ذلك ..أعضاء المجلس رجال( استراتيجيا) من حقهم أن يتخوفوا من رجال(الايديولوجيا )حين يكونوا فى الحكم للمرة الأولى.. قد يكون هناك ما يبعث على الثقة مرة وقد يكون هناك ما يبعث على التخوف مئات المرات فى رؤية المجلس الأعلى. وهناك من الداخل والخارج من يتحدث فى ذلك صراحة..وقد يكون السبب فى تأخير الانتخابات الرئاسية يعود إلى ذلك لأن فرصة نجاح المرشح الإسلامى أيضا عالية..وليت المجلس الأعلى يفتح حوارا مع أكثرهم دراية بحقائق السياسة ممارسة وفهما للنظر بشأن المستقبل .