إذا كان المتوقع أن "قائدى" السيارات الدبلوماسية التى تم دهس المتظاهرين بها,هم من ضباط الشرطة ,أو تابعين ل"بلاك ووتر" (حسب رواية أخبار اليوم) ,فمعلوم أن هذه السيارات عددها 23 سيارة , وأنه قد تم إعادتها للسفارة الأمريكية , والسؤال الذى يطرح نفسه هنا , هل قام "المعمل الجنائى" بمصلحة تحقيق الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية ,بواجباته القانونية فى مثل هذه الأحوال ؟ بمعنى هل قام قبل إعادة السيارات للسفارة , بعمل "التصوير الجنائى" اللازم لهذه السيارات تصويراَ فوتوغرافياً عادياً ,وبالأشعة التى تقوم بتصوير مالا تراه العين ؟,مثل التصوير بأشعة "أكس" و "جاما" , وفوق البنفسجية, وغيرهم, لتكون هذه الصور دليلاً مادياً ضد الجناة وإثباتا لاستخدام تلك السيارات فى القتل "دهساً"للمتظاهرين ,ومعروف أن الأشعة المشار إليها عند التصوير بها , يمكنها إظهار آثار الدهس والصدمات حتى ولو كان قد تم غسلها لمحو الآثار, فهل تمَ رفع الآثار الآدمية , من أنسجة ودماء, وغيره مما يكون عالقا بجسم السيارة فى مثل هذه الحالات ؟, ومن ثم تحليلها والاحتفاظ بها لمضاهاتها ,بدماء القتلى وبصماتهم الجينية إن استدعى الأمر , لتكون هذه المضاهاة مع الصور لما لا تراه العين , أدلة مادية , تقطع بأن هذه السيارات هى القاتلة لمن دهستهم؟ . وهل تم رفع بصمات الجناة ؟, أم أن الفوضى وانهيار الشرطة حال دون ذلك ؟ وإذا كان الحال كذلك , لماذا تم التسرع فى تسليم السيارات قبل عمل هذه الأبحاث الجنائية اللازمة ؟, وهل تم البحث عمن كانوا يقودونها وإلقاء القبض عليهم ؟ .. أظن أن شيئا من هذا كله لم يحدث ,وهذا يمثل خطراً شديدا على فكرة القصاص لدماء الشهداء , فإذا كان "القناصة" و"قائدو سيارات السفارة الأمريكية" غائبين عن الاتهام والمحاكمة ,و هم "الفاعلون الأصليون", فإن هذا يمنح فرصة الإفلات من العقاب ل "الشركاء" , الذين هم مبارك المخلوع والعادلى السفاح,على الأقل بالنسبة لشهداء ميدان التحرير, مثلما أفلت قتلة ثوار السويس بسبب نقص الأدلة الثبوتية .. ويبقى بعد ذلك أن كل شهيد يحتاج إلى تقرير طبى شرعى "نزيه" بأسباب وفاته يكون دليلاً ثبوتيا على الجانى أو القاتل وهو الفاعل الأصلى , ومن بعده دليلاً ضد المُحرضين . المحاكمة العسكرية .. هى الحل إن الجناة القتلة من "القناصة" , و"قائدى السيارات الأمريكية" , ليسوا كائنات فضائية هبطت من السماء لتنفيذ مهمة قتل الثوار, ولا هُم أشباح وعفاريت من الجن , بل إنهم إما بشر مصريين "أشرار" أو "مرتزقة" بلاك ووتر, وفى الحالين يجب تحديدهم وجلبهم للمحاكمة , وإنزال كلمة القانون وعقابه عليهم,إعمالا للقصاص والعدالة , وحتى يكونوا عبرة لغيرهم ,وسدا للثغرات التى يمكن أن يفلت منها الفرعون ووزيره السفاح , إذ ليس صحيحاً ما يتصوره البعض منا , من أن الضباط والجنود أو القناصة , يتوجب عليهم الامتثال للأوامر التى يصدرها قادتهم بإطلاق النار على المواطنين, فهذه الأوامر ,"مخالفة" للقانون ,ولاتعفيهم من المسؤولية الجنائية , ومن واجبهم الامتناع عن تنفيذها, إذ أن الضابط أو الجندى المنفذ للأمر هو الذى سوف يتحمل المسؤولية و العقاب الأكبر الذى يصل إلى الإعدام ,لأنه هو "الفاعل الأصلى" ,ولن تشفع له تلك الأوامر, بينما يمكن أن تكون عقوبة "الشريك "المحرض فى بعض الحالات هى الأشغال الشاقة المؤبدة. إن حل هذه الألغاز وكشف تلك الغوامض,وجلب هؤلاء القتلة , يبدو أمراً صعباً, بعيد المنال, فضلاً عن مسار "تطويل حبال القضية" والذى بدأ فعلاً بوقف نظر القضية , لحين الفصل فى طلب "رد" المحكمة , المُقدم ويا للأسف من دفاع شهداء ومصابى الثورة ,وكأنهم يقدمون خدماتهم للمتهمين ؟!! .. و المُرجح هو أن يتم رفض الطلب , لأنه قائم على أسباب لم ترد فى القانون , والسند الرئيس للطلب والمتمثل, فى تهديد القاضى لمحامى الشهداء , بأن يحيل الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة ,ليس مبررا كافياً لطلب الرد, إذ أن القاضى يملك هذه الصلاحية , وكونه ينبه إلى إمكانية استخدامها ,فهذا حقه , تماما مثلما ينبه حضور الجلسة , بأنه سوف يَحبِس من يخرج عن نظام الجلسات 24 ساعة , فإذا تم رفض طلب الرد , فإن القاضى قد يتنحى بعدها , وتعود القضية لنقطة الصفر, وفى الحالين, فإن هذا التوقف فيه تعطيل للمحاكمة,و يصب فى صالح المتهمين ودفاعهم. ومادام أن الحال كذلك , فمن الأفضل أن تنتهى هذه المسرحية الهزلية المسماة ب"محاكمة مبارك" , وأن يتم سحب القضية من محكمة الجنايات , وإحالتها للمحاكة العسكرية , فليس مقبولا أن يُحال بلطجى أو لص للمحاكمة العسكرية على جريمة سرقة بالإكراه , أو قتل فرد , و ضابطى جيش وشرطة لتعذيب مواطن بلطجى , ثم نترك مبارك والعادلى المتهمين بقتل المئات من شهداء الثورة الأبرار, وإصابة الآلاف بجراح خطيرة وعاهات مستديمة يفلتون بجريمتهم , مثلما تركناهم دون مساءلة عن عشرات الجرائم السياسية والاقتصادية والجنائية. و ليس هذا تأييداً للمحاكمات العسكرية للمدنيين, ولكنه بديل لمعضلة تلك القضية المهترئة , وهذا البديل أى المحاكمة العسكرية توفر لنا مجموعة من المميزات ..أولها ..أننا نغلق باب "الفتنة" المفتوح على مصراعيه , مع ملف المحاكمة ,والتى يمكن أن تشتعل فى حال طال زمن المحاكمة , أو انتهت إلى تبرئة الجناة مبارك والذين معه, وثانى مميزات المحاكمة العسكرية ..هى السرعة والحسم , و عدم السماح بعرقلة سير القضية , وثالثها ..أن الكرة تكون قد انتقلت لملعب المجلس العسكرى, ولنرى ما يفعل, ورابعها ..ضمان القصاص لدماء شهداء وجرحى الثورة , وخامسها ..أن هذا قد يتيح الفرصة لجلب القتلة من القراصنة و قائدى سيارات السفارة الأمريكية, إذا ما تولت النيابة العسكرية هذا الملف ,أو على الأقل نتعرف على هويتهم إذا كانوا مرتزقة مستوردين , ونحاسب من استوردهم, وسادس مميزات تلك المحاكمة العسكرية المنشودة ..هى أن يشرب مبارك من كأس المحاكمات العسكرية التى لطالما سقى كثيراً من السياسيين منها تلفيقاً .. غير أنه يعيب المحاكمة العسكرية أن فُرص استعادة الأموال المنهوبة بالخارج تتضاءل , إذ أن الدول الأوربية تضع قيودا صارمة على إعادة مثل هذه الأموال , ومنها ما تسميه المحاكمة العادلة أمام القضاء العادى , وهى قيود مقصود بها أصلا عدم رد الأموال للشعوب , كما أن منطق الأمور وظواهرها يؤكد أن فرصة استرداد هذه الأموال تكاد تكون معدومة فى جميع الأحوال , لأننا تحركنا متأخرين للمطالبة بها , و نجهل الكثير عنها وأماكنها من ناحية, ولكونها لن تعود أيضاً إذا حصل مبارك على البراءة من محكمة الجنايات .ولله الأمر من قبل ومن بعد. كاتب صحفى [email protected]