اُتُهِمَ كثيرٌ من الأدباء بأنهم يتعاطون الحشيش والمكيفات قبل الكتابة وهو ما دفع يوسف السباعي للدفاع عن نفسه فى مقدمة كتابة ليلة خمر، ولأن الأدباء القدامى مثل أبى نواس والمتبنى وعمر الخيام اهتموا بالخمريات إبداعا واعترفوا بتناولها فكان لابد أن تلصق تهمة تناول المكيفات كالخمر والحشيش والكوكايين بأدباء العصر الحديث بعد أن ظهرت فى جانب كبير من إبداعهم الروائى والشعرى فاتخذوا من أبطالهم المساطيل والغائبين عن الوعى طريقًا للفضفضة السياسية ومن هؤلاء توفيق الحكيم وطه حسين ومحمود تيمور ويحيى حقى ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس. فهل كانت المعالجات الأدبية لمشكلة المخدرات تجارب ذاتية لأصحابها أم كانت معالجة لمشكلة اجتماعية تجب مناقشتها وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن ننظر إلى هذه المعالجات لنكتشف منها الإجابة.
(1) الحكيم.. وليلة خمر! رسم توفيق الحكيم، فى أحد مناظر مسرحيته "شهر زاد" صورة مدمني الحشيش يحوطهم الكسل المتناهي والتبلد الذهني والخطأ فى معرفة الأشياء والأشخاص والمكان تبلد الحواس والتصورات والهلوسات الغريبة والتخيلات العجيبة والتصرفات الشاذة التى تطبع مدمنى الحشيش بذلك الطابع الخاص الذي يصفه الوزير "قمر" فى المسرحية بقوله: "لاشيء والله أشبه حقا بأعجاز النخل الخاوية من هؤلاء الآدميين" وبعد هذه المسرحية انتشرت شائعة تتهم الحكيم ويوسف السباعي بتعاطي المكيفات بسبب كتاباتهما، وكان يوسف السباعي قد كتب قصة بعنوان: "ليلة خمر" يحكى فيها عن رجل ذهب مع زوجته للإسكندرية وتركها وحدها فى غرفتهما بالفندق ونزل ليشرب عدة كؤوس من الخمر ويصف السباعي كيفية صعوده الى زوجته وهو سكران بدرجة توحي أنه جرب وكتب! وكان يوسف، قد قال في مقدمة كتابه "ليلة خمر": كان آخر من اتهمني "بالتحشيش" هو الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد أن قرأ لي قصة حسن أفندي من كتاب "الشيخ فرعون" ولقد كنت أخجل من التهمة الظالمة حتى عرفت أخيرًا إنني لست وحدي صاحبها وأن خيرًا منى وهو الأستاذ توفيق الحكيم قد سبق أن بلغه من أحد أصحاب أن واحدا أكد له أن توفيق الحكيم يتعاطى الأفيون وأنه عرف عنه ذلك أيام عمله فى النيابة وتعجب الحكيم لأنه لا يعرف كيف يتعاطى تلك المخدرات وهو لا يدخن بل إنه لا يشرب القهوة!! كان ذلك قبل أن يكون شاربًا للقهوة وجرى حديث طويل فى نادي القصة حول هذا الموضوع وتساءل البعض عن أثر الخمر والمخدرات فى إنتاج الكاتب... (يتبع)