يثير موضوع الرق جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية بموريتانيا، إذ تتهم جهات حقوقية سلطات البلاد بعدم الجدية في معاجلة هذا الملف، فيما ترى الحكومة أنها تبذل جهودًا كبيرة للقضاء على مخلفات الرق، وتستدل على ذلك ب"خارطة الطريق"، التي تتبناها منذ عام. وفي تصريحات لوكالة الأناضول، قال بالا توري، الأمين العام لحركة المبادرة الانعتاقية "ايرا" (غير حكومية) الموريتانية، إن "السلطات غير جادة في معالجة ملف الرق". توري مضى قائلا إن "كل الأنشطة التي تقوم بها السلطات تحت شعار محاربة الرق تدخل في إطار مقاربة رسمية تهدف إلى تلميع صورة البلاد في المجال الحقوقي أمام الدوائر الدولية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان". واعتبر أن التضييق على حركته "يؤكد أن النظام (الحاكم) ليس مستعدا للتجاوب مع القوي الجادة في القضاء على العبودية بالبلاد". و"إيرا" هي حركة حقوقية تأسست عام 2011، وتساند قضايا الأرقاء السابقين في موريتانيا، ويرأسها بيرام ولد أعبيدي، الحقوقي الموريتاني البارز. وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، حكم القضاء على كل من رئيس الحركة، ونائبه إبراهيم ولد بلال، ورئيس منظمة "كاوتيل" الحقوقية، جيبي صو، بالسجن النافذ سنتين؛ بتهم تتعلق بالعصيان المدني وبالتجمع غير المرخص. وقبل أشهر، اتخذت الحكومة الموريتانية سلسلة من الإجراءات للقضاء على مخلفات العبودية، تحت اسم "خارطة الطريق"، وتتضمن تطبيق 29 توصية خاصة بمحاربة الرق. ويعتبر مراقبون أن خارطة الطريق تطال مجالات قانونية، واقتصادية، واجتماعية، وتشكل خطوة أكثر عملية في محاربة ظاهرة الرق. وشهدت بداية الشهر الجاري، وللمرة الأولى في تاريخ موريتانيا، احتفال السلطات بالذكري الأولي للمصادقة على "خارطة الطريق" الخاصة بالقضاء على الأشكال المعاصرة للاسترقاق، والتي تم إقرارها في مارس/آذار 2014، حيث نظمت مفوضية حقوق الإنسان (حكومية) احتفالية بمناسبة الحدث. وقال المفوض المساعد لحقوق الإنسان (حكومي)، الرسول ولد الخال، في تصريحات صحفية، إن الاحتفال جاء "في إطار الترجمة الفعلية لتوصيات مقررة الأممالمتحدة الخاصة بالأشكال الحديثة للاسترقاق والتي تجري التشاور حولها مع مختلف الفاعلين الوطنيين من أجل تحقيق مشروع مجتمعي متكامل، يحظي فيه كل فرد من أبناء الوطن بحياة كريمة ينعم فيها العدل والحرية والمساواة والأمن والاستقرار". وأحيا حزب المستقبل المعارض، قبل أيام الذكرى ال43 لتأسيس حركة "الحر"، التي تعتبر أول تنظيم كونه أبناء الأرقاء السابقين، وأطلقت الحركة الدعوة للقضاء على العبودية ورواسبها في المجتمع الموريتاني. رئيس الحزب، محمد ولد بربص، قال في تصريحات لوكالة الأناضول، إن "إحياء هذه الذكري يهدف إلى استحضار التضحيات التي قام بها جيل الرواد من شريحة لحراطين (الأرقاء السابقين) لطرح مظلمتهم". ومضى ولد بربص قائلا إن "عقليات المجتمع في تلك الفترة (وقت تأسيس حركة الحر) كانت متحجرة أمام أية دعوة للقضاء على الرق". وتابع أن "الحراك الأول المطالب بالقضاء على الرق في موريتانيا تميز برفض الدعوات العنصرية وخطاب التفرقة.. وقد ساهم هذا النضال السلمي في حفظ النسيج الاجتماعي". ومؤخرا، أطلق "ميثاق لحراطين" أغنية شعبية تتناول واقع الأرقاء السابقين في موريتانيا، وتظهر مع كلمات الأغنية صور توضح معاناة هذه الشريحة وما تعانيه من تهميش، وفقا للنشطاء في هذا المجال. و"ميثاق لحراطين" هو تجمع يضم فاعلين سياسيين ومدنيين من شريحة "لحراطين" من مشارب سياسية وفكرية مختلفة، وتأسس التجمع قبل سنة بهدف رفع "التهميش" عن شريحة "لحراطين" وتحسين ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر أغنية "الميثاق"، هي أول عمل فني يتطرق لمعاناة هذه الشريحة. وقال القيادي في "ميثاق لحراطين"، محمد ولد محمد امبارك، لوكالة الأناضول، إن فكرة "الأغنية تأتي ضمن انتهاج الميثاق لأساليب غير تقليدية في النضال، بغية لفت انتباه الرأي العام لهموم وتطلعات الشريحة". ورصد "مؤشر العبودية" للعام 2014، الصادر عن منظمة "ووك فري" (حقوقية غير حكومية)، ومقرها أستراليا، وجود حوالي 35.8 مليون شخص يواجهون حالياً شكلاً من أشكال العبودية الحديثة. التقرير أفاد بأن موريتانيا، في غرب أفريقيا، سجلت أعلى معدل عبودية بنسبة 4% من سكانها (البالغ عددهم حوالي 3.5 مليون نسمة). ويعود تاريخ الجدل حول العبودية في موريتانيا إلى السنوات الأولى لاستقلال البلاد بداية ستينيات القرن الماضي، حينما كانت العبودية تنتشر بشكل علني بين كافة فئات المجتمع الموريتاني، سواءً تعلق الأمر بالأغلبية العربية أو الأقلية الأفريقية. وجاء أول إلغاء حقيقي للعبودية في عام 1981، خلال حكم الرئيس الأسبق، محمد خونا ولد هيدالة، لكن وبعد مرور سنوات، يقول نشطاء حقوق الإنسان، إن حالات عديدة من العبودية ظلت قائمة، وممارسة بشكل فعلي في أنحاء موريتانيا. فيما تردد السلطات أنها تبذل جهودًا مكثفة لعدم عودة هذه الظاهرة. ولا توجد إحصائيات رسمية موريتانيا عن شريحة الأرقاء، لكن مؤشرات ديمغرافية غير رسمية تفيد بأن هذه الشريحة تتمتع بحضور ديمغرافي لافت في الخارطة السكانية للبلد.