ا لإتّفاق-الإطار المبرم، يوم أمس الأحد في الجزائر، بين الحكومة المركزية في باماكو وممثّلين عن 6 مجموعات مسلّحة متمركزة شمالي مالي، والذي جاء لينهي محادثات السلام التي احتضنتها العاصمة الجزائرية، قد لا يتمكّن من الصمود أمام العقبات السياسية والأمنية على الأرض، وفقا للمحلّل السياسي والمختصّ في الشأن المالي باباكار جوستن ندياي. وكانت محادثات الجزائر قد انطلقت في شهر يوليو/تموز الماضي لتوقيع اتفاق لتحقيق السلام الدائم في مالي، حيث جمعت هذه المحادثات السلطات في العاصمة المالية باماكو و6 مجموعات سياسية-عسكرية، هي: "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" وحركتان تحملان الاسم نفسه، "الحركة العربية الأزوادية" (موالية لباماكو) و"الحركة العربية الأزوادية (معارضة) و"التنسيقية من أجل شعب أزواد"، و"تنسيقية الحركات وجبهات المقاومة الوطنية"، و"المجلس الأعلى لوحدة أزواد". وأصدرت تنسيقية الحركات أزوادية، التي تضم ثلاث حركات مسلحة، هي الحركة العربية الأزوادية، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، أمس الأحد، بيانا طلبت فيه "من الوساطة الدولية منحها الوقت والدعم اللازم، قبل أي توقيع بالأحرف الأولى على هذا المشروع، بهدف مشاركته مع شعب أزواد في غضون فترة زمنية معقولة"، وفقا لتصريحات ممثّليها. وأوضح الخبير السنغالي، في مقابلة مع الأناضول، أنّ "التوتّر وأعمال العنف والتي تكون، أحيانا، خارجة عن السيطرة، إلى جانب مختلف التمظهرات العدائية التي لا تزال موجودة، تخلق بيئة غير ملائمة"، وهذا رغم الخطوات الإيجابية التي يقوم بها هذا الجانب أو ذاك. وأضاف أنّه "رغم وجود خطاب معتدل كمثل ذاك الذي يتبناه ويحثّ عليه الزعيم القبلي التقليدي لمنطقة كيدال (شمال) الطوارق محمد أغ إنتالا، والذي يؤكّد على وحدة مالي وعدم تقسيمها، ما تزال تحوم حوله صقور لا تؤمن بثوابته"، مشيرا إلى أنّ صفة النائب التي يحملها أغ إنتالا تفسّر البعد التوافقي لخطابه. وفي معرض حديثه عن جملة الأسباب التي ألحقت نوعا من "الهشاشة" بمفاوضات الجزائر، قال ندياي إنّ "أحد تلك الأسباب يعود إلى حقيقة أنّ البعض قد تعوزه الإرادة السياسية، وهذا ما يضخّ في أنفسهم الحاجة المستمرّة لإستشارة هذا الطرف أو ذاك"، و"هذا الأمر واضح لدى باماكو، في ظلّ وجود تشكّلات سياسية على غرار حزب الوزير الأول السابق سومانا ساكو، والذي يعتقد أنّ اتّفاق السلام المبرم ينبغي أن يمرّ عبر تنظيم استفتاء (شعبي)". ف "غياب الإرادة السياسية"، يتابع الخبير السنغالي، منبثق عن عدم وجود شرعية سياسية تمكّن من فرض إجراءات معيّنة وقرارات واضحة، مؤكّدا أنّ "أحزاب المعارضة في مالي غالبا ما تثير مسألة غياب أو عدم كفاية الشرعية الحكومية لإتّخاذ قرار بشأن قضية بهذه الأهمّية (اتفاق السلام)، وهذا ما يجعلهم يتحدّثون عن الإستفتاء، لأنّ المسألة هنا لا تتعلّق بإصلاح التعليم العالي أو بناء جسر، وإنّما بمسألة مصيرية بالنسبة لمالي". غير أنّ هذا "الجمود"، يثير، بحسب ندياي، "إشكالا يتعلّق بالثقة"، والبعد الجهوي المقرر ضمن اتّفاق الجزائر قد يفسح المجال واسعا أمام "المدّ الفيدرالي"، والذي ترفضه الحكومة المركزية في باماكو وتطالب به مجموعات الشمال. ف "البعض يعتقد أنّ الإتفاق يتشكّل من مفردات مضلّلة تفاديا لأخرى مثيرة للغضب، من ذلك مصطلح الفيدرالية على سبيل المثال. وفي كلّ الأحوال، فإنّ هذا الإتفاق ينصّ على تشكيل مجالس جهوية منتخبة عن طريق الإقتراع العام المباشر، إضافة إلى (استحداث) أجهزة للشرطة الجهوية"، غير أنّ هذه الإجراءات، يستدرك المختص في الشأن المالي، قد تشكّل النواة الأولى للفيدرالية، والثقة الضامنة للإمتثال الصارم لبنود الأتفاق، لكي لا يتعدّى حدود الفيدرالية، هي ما ينقص في هذا السياق". وجاء مشروع اتفاق السلام والمصالحة في مالي، الذي اطلعت عليه الأناضول، ووضع في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في 72 مادة موزعة على 8 محاور إلى جانب 3 ملاحق تخص القضايا الأمنية ومرحلة انتقالية وكذا مشروع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أدخلت تعديلات ليست بالجوهرية على هذه الوثيقة خلال الجولة الخامسة من المفاوضات، التي انطلقت منتصف شهر فبراير/ شباط الماضي بالجزائر. وتضمن المشروع في محور "المبادئ العامة الالتزامات" استبعاد أي مشروع استقلال أو حكم ذاتي لمناطق الشمال، حيث ينص على أن الأطراف الموقعة تلتزم ب "احترام الوحدة الوطنية والترابية وسيادة دولة مالي وكذا طابعها الجمهوري والعلماني". كما تلزم الوثيقة سلطات باماكو بأن "مؤسسات الدولة المالية تأخذ الإجراءات اللازمة، من أجل تعديل دستوري والإجراءات التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيق مضمون الاتفاق". وتضمن المحور المتعلق "بالقضايا السياسية والمؤسساتية"، الذي كان أهم عقبة في المفاوضات، اقتراحات من الوساطة للتوفيق بين مطلب الحكم الفدرالي، الذي تطالب به حركات أزوادية، ومقترح حكم جهوي موسع، اقترحته سلطات باماكو. وجاء فيه: "أن الأطراف تتفق على وضع بنية مؤسساتية وتنموية تسمح لسكان الشمال بتسيير شؤونهم على قاعدة مبدأ التسيير الحر، وكذا ضمان تمثيل أكبر لهم على المستوى الوطني". ورغم أنّ بنود الإتفاق، والتي أقرّت بطريقة تجعل منها حلاّ وسطا لمطالب الحكومة المركزية في باماكو من جهة، والمجموعات المسلّحة من جهة أخرى، إلاّ أنّ الخبير السنغالي أكّد أنّ "الأرض وحدها من سيقرّر مصير اتّفاق الجزائر"، مضيفا أنّه "من الممكن أن تتحطّم بنوده ضمن حيثيات الواقع المعقّد، تماما كما حصل لاتفاقية واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو) الموقّع في 2013، والذي فقد اليوم صلوحيته، لأنّه لم يتمكّن أبدا من التبلور على أرض الواقع". ومع أنّ المشهد في مالي ضبابي إلى حدّ كبير، والمقارنة بين اتّفاقي واغادوغو والجزائر تحمل في تفاصيلها الكثير من الإحتمالات، إلاّ أنّ ندياي اعترف بميزات محادثات الجزائر، والتي حظيت بدعم ومشاركة دولية هامة، من قبل كلّ من الأممالمتحدة والإتحاد الإفريقي على وجه الخصوص.