حين قررت حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية اعتبر البعض ان القرار جاء بمثابة " تغيير جذري " في الاستراتيجية التي التزمت بها الحركة - وأكدتها سياساتها طيلة فترة الانتفاضة الأولى والثانية - وحتى الآن. وتوقع المراقبون - نتيجة لذلك - انعكاس ذلك التحول على الحياة السياسية والتشريعة الفلسطينية في المستقبل القريب ، وخاصة بعد ان أثبت الشارع الفلسطيني موافقته بشكل أو بآخر على ذلك التحول عبر صناديق الانتخابات ، والتي أطاحت ليس فقط بسياسات ما أُصطلح على تسميته بالمنهج الفتحاوي ، وانما ايضاً بسلوكيات هذا المنهج، والذي ظل لسنوات طويلة متوافقا بالكامل مع الفساد الذي تمارسه الأنظمة العربية بأغلبيتها منذ نهاية عصر الاستعمار العسكري في المنطقة العربية، وبدء الاستعمار الاقتصادي والفكري. ومنذ ان أعلن زعماء حماس في الضفة الغربية - قبل الانتخابات - أن الحركة ستخوض الانتخابات القادمة للمجلس التشريعي على أساس برنامج "يحفظ حق النضال المسلح ضد اسرائيل ، و"على قاعدة التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحماية برنامج المقاومة كخيار استراتيجي حتى زوال الاحتلال." - منذ ذلك، والعالم يراقب حقيقة التغير الذي كان ولا بد ان يطرأ على سياسات الحركة، والتي راهن الكثيرون على ان الواقع السياسي سيفرض - ليس فقط عليها بل على كل الأطراف المعنية- التعامل مع المتغير الجديد، باعتباره يعكس واقعاً ديموقراطياً، لا مناص من التعامل معه، والا وقع العالم الغربي بالدرجة الأولى في تناقض شبيه بما حدث في الجزائر - ومصر بشكل جزئي - ويضطر لاحقاً للتعامل مع أطراف هي من وجهة نظره أكثر " تطرفاً " من حماس بعشرات المراحل، بعد ان رفض التعامل مع نتائج الخيار الديموقراطي أطلت المتغيرات سريعاً من نافذة الواقع، فجاءت تصريحات زعماء حماس في الداخل والخارج متطابقة من حيث عدم التخلي عن خيار المقاومة من جانب مع " الاعتراف بالمعاهدات الموقعة مع اسرائيل." وهو الجانب الأبرز في التغير الذي ارتضته حركة حماس، والذي يعد انقلاباً حقيقياً على السياسات التي ارتضتها السلطة الفلسطينية، وكبلت نفسها بها منذ ما قبل اوسلو، والتي لم تسفر حتى الآن الا عن المزيد من العنت الاسرائيلي، وخاصة بعد ان باتت أطر الاتفاقيات الثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين هي البديل عن مقررات الشرعية الدولية وخاصة قراري 242، و338، والتي نسيها العالم كله شرقه وغربه في زحمة المفاوضات حول تفسيرات خريطة الطريق، والأطراف الضامنة لتحقيقها أحدث فوز حركة حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني تغييرا جذريا في تركيبته وبات التحدي الأكبر أمام حماس هو كيفية التوفيق بين الإصرار على انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وممارسة سياسة " عقلانية " تدفع المزيد من دول العالم للتعامل مع الحكومة الفلسطينية المقبلة ، وعدم عزلها ، وفي هذا فالقضية ليست بالطبع في اعادة صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني " فقط " بحيث يوافق " متطلبات المرحلة " وهي ليست فقط في اعادة هيكلة " السلطة الفلسطينيةالجديدة ، بما يتوافق مع رغبات واختيارات الشعب الفلسطيني، بل هي في المقام الأول ضرورة البدء من جديد في اعادة احياء وتفعيل مقررات الشرعية الدولية، ودفع الأممالمتحدة ومجلس الأمن للتعامل مع مقرراته بشأن فلسطين، تعامله مع مقرراته في أماكن أخرى، كالعراق والبلقان، والسودان وايران ، وغيرها من دول العالم. قد يُقدم الغرب، والأمريكان على منع الفتات " الذي كان يُقدم حتى الآن للسلطة الوطنية الفلسطينية، والذي أُستخدم لتكريس الفساد وشراء الذمم وتبييض وجه الكثير من الأطراف السياسية الفاعلة على المسرح الدولي، أمام الشعب الفلسطيني، وقد يُقدم على دفع الرئيس الفلسطيني الى حل المجلس التشريعي واعادة الانتخابات مرة أخرى، وقد تُقدم تلك الأطراف على " تسريع " وتيرة الصدام بين حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة فتح..الا ان الغرب - حال حدوث ذلك - سيظل عالقاً في مأزق داخلي لن يجد له حلاً الا بتحديد ما يريد امام شعوبه..فإمّا التعامل مع نتائج الديموقراطية الغربية في بلدان العالم الثالث، وخاصة الاسلامية منها وبالتالي التعامل مع حكومات أتت بها صناديق الانتخابات سواء اسلامية أو غيرها ..واما ان يعلن صراحة عدم استعداده القبول بنتائج الانتخابات الديموقراطية واختيارات الشعوب اذا كانت تلك الأخيرة لا تتوافق مع ما هو سائد في الغرب من سياسات وحينها فقط تستطيع الشعوب في الغرب والولايات المتحدة الحكم على " الديموقراطية الغربية " وللديموقراطية أحكام.!