اندهشت كثيرا وأنا أسمع رد فعله تعقيبا على إعادة تفعيل قانون الطوارئ ,لم أتصور أن يلقى هذا القانون أي قبول لدى أي مواطن في مصر فقلت ثانية لهذا الرجل :"يعني يا حاج أنت موافق على قانون الطوارئ والاعتقالات؟ " فقال لي علشان نخلص بقى من الناس إلي عايزين يولعوا في البلد ! كنت دائما ما أقول إن كل قرار يأخذه المجلس العسكري ويرفضه شباب التحرير فإن طائفة عريضة من الشعب تقبله وهي معلومة يعرفها المجلس العسكري ومنها يمرر أي قانون ولكني لم أتصور أن يفرح الشعب لخسارة أحد أهم منجزات الثورة على الإطلاق بل هي في رأيي أهم حتى من محاكمة مبارك الذي صار تاريخا صفحة وانتهت أيا كان مصيره وأيا كانت العقوبة التي سينالها فقد احترق سياسيا ونفسيا ,ولم يفارق هذا السؤال ذهني كيف خسر الشعب أحد أهم مكاسبه في الثورة ببساطة بل وبترحاب أيضا ! هذا السؤال سيجرنا إلى سؤال الساعة الأن ,لماذا نجحت ثورة 25 يناير وفشلت كل المظاهرات قبلها ؟ ولماذا فشلت مظاهرات ما بعد 11 فبراير (كلها تقريبا ) في تحقيق أهدافها؟ في رأيي أن هذا السؤال هو سؤال المليون في هذه الأيام وإجابته ستفصل بين نجاح الثورة وبين فشلها ولو استوعبت القوى السياسية إجابة هذا السؤال جيدا فلن تفلت الثورة من أيدينا الحقيقة أن كل المظاهرات قبل ثورة 25 يناير كانت مظاهرات ذات طلبات نخبوية جدا مثل مظاهرات استقلال القضاء وحرية الإعلام وهي طلبات لا يفهمها – وربما لا تهم – إلا الطبقة البرجوازية من الشعب المصري ولذلك فظلت مقتصرة على أرقام تافهة جدا – نت حيث المشاركة – وفقدت هذه المظاهرات اللاعب الأهم الذي نجح في قلب موازين ثورة يناير كان اللاعب الأهم في ثورة يناير هو الشباب المصري غير المسيس وليس شباب الإسلاميين ولا الليبراليين ولا الناصريين مع احترامي لدور كل هؤلاء في الثورة والسبب الوحيد الذي جمع هؤلاء الشباب أن المظاهرات خرجت تحت شعار واحد شديد الوضوح توافقي إلى أبعد حد وهو إسقاط النظام المستبد مطلب واضح للغاية يفهمه الفلاح البسيط والعامل وسائق الحافلة والسياسي والملتحي والإخواني والليبرالي والشيوعي لهذا نجحت الثورة المشكلة أن الثورة فقدت كل زخمها بعد 11 فبراير لسبب وجيه جدا أن أغلب الطلبات التي طرحت بعد ذلك طلبات نخبوية إلى حد كبير, كيف تقنع العامل البسيط بمعنى اعتصامك في ميدان التحرير من أجل تعديل قانون المجلس الأعلى للصحافة ؟ كم إنسان في مصر يدرك وجود هذا المجلس أصلا فضلا عن مهامه فضلا عن أن يفهم ما مشكلته ليفهم ما هو التعديل المطلوب ؟ لن يفهم هذا لماذا تغلق في وجهه ميدان التحرير ولن يفهم لماذا تغلق مجمع التحرير ولن يفهم لماذا تهدد المجلس العسكري ( الذي يعتبره شريكا أساسيا في نجاح الثورة ) بسبب هذه القضية وتتهمه بالخيانة؟ عندما خرج الشباب المصري يوم 25 يناير كانوا يعترضون على أوضاع تختلف مع واقع حياتهم وتمس حاضرهم بصورة واضحة ,الشباب الذي يبحث عن وظيفة والذي انتحر صديقه لأنه وصل للخامسة والثلاثين وعجز عن الزواج بسبب عدم وجود فرصة عمل خرج الشباب الذي يتعرض لاهانات يومية من أقل أمين شرطة في أصغر نقطة شرطة في مصر فخرج ليعترض ويطالب بكرامته ! خرج الشباب الذي يشعر بالمهانة نتيجة تقزيم دور مصر على الساحة العربية والإسلامية حتى وصلت مصر لتصبح حليف إسرائيل الإستراتيجي الأهم في المنطقة! خرج الشباب المعترض على الفساد والرشاوي وخرج سائقو الميكروباصات المعترضين على الإتاوات الإجبارية التي يفرضها عليهم بعض ضباط الشرطة خرج من تضرروا من سوء العلاج ومن مات ولده في العبارة أو في القطار خرج من اعتقل وحبس طويلا بسبب لحيته أو نقاب زوجته خرج من حرم من وظيفة أو منصب بسبب انتماءه السياسي أو الديني خرج من شعر بالمهانة والذل بعد أن صفعه ضابط على وجهه خرج من كره استغلال رب العمل له وعدم حماية القانون له كل هؤلاء خرجوا لأنهم رأوا صورة كل هؤلاء الظلمة في صورة رمزية واحدة وهي صورة الطاغية السابق وهو يرفع يديه مبتسما في مكر لشعب لا وجود له العاطل رأى فيه صورة الرجل الذي أهانه وهو يبحث عن وظيفة ,ومن مات قريبه في المستشفى رآه في هيئة الطبيب القاسي الذي تأخر في الحضور للكشف على قريبه حتى مات رأى فيه الملتحي صورة ضابط أمن الدولة الظالم ,ورأى فيه من حرم من منصبه في السلك التدريسي بالجامعة صورة قائد الحرس بجامعته رأى فيه سائق الميكروباص صورة أمين الشرطة البلطجي الذي يفرض عليه إتاوات باهظة كانت صورة رمزية أراد الشعب إسقاطها ونجح لكن الثوار أساءوا فهم الرسالة ,لم يفهم الثوار أن الثورة لم تكن ثورة 6 ابريل ولا ائتلاف شباب الثورة ولا الإخوان ولا القوى السياسية بل كانت ثورة شعب وأن عليهم إن كانوا يريدون استكمال مسيرة الثورة ألا ينشغلوا بطلباتهم النخبوية عن طلبات الشعب اليومية وإلا فقدوا مصداقيتهم عند الشعب وربما احترامهم أيضا ! هؤلاء تصوروا حقا أن الشعب ينزل على رأيهم ويصدر عن أمرهم ,لم تفهم النخبة البرجوازية لماذا صفق الناس في ميدان التحرير للشرطة العسكرية وهي تخلي الميدان بالقوة من المعتصمين! غاب عنهم رمزية مشهد تصفيق البسطاء للشرطة العسكرية وهي تجري ورائهم بالعصي ! لم تصل إليهم رسالة لماذا سعد الناس بإعادة قانون الطوارئ ,لم يفهموا لماذا لم يؤيدهم الشعب في طلباتهم النخبوية في استقلال القضاء وتغيير قوانين مجلسي الشعب والشورى وإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين هؤلاء البسطاء لم يفهموا حتى الأن لماذا تعرضون علينا استفتاءا إذا كنتم قررتم نتيجته مسبقا؟ لم يفهموا لماذا يطلبون الدستور أولا وهم لأول مرة في حياتهم يشعرون أن لهم رأيا فعلا ؟ هؤلاء البسطاء نظروا لثوار ما بعد 11 فبراير على أنهم عينة مغايرة لثوار ما قبل 11 فبراير ! الأخيرون خرجوا من أجل الشعب والآخرون خرجوا على إرادة الشعب ! ولكن المجلس العسكري كان أكثر ذكاء من أساتذة الاقتصاد والعلوم السياسية وذئاب السياسة وأساطينها وأدرك أن هذه الطلبات لا قيمة لها واقعية على الشعب فخسر الميدان تعاطف الشعب وكسب الجيش تعاطف الناس مهندس برمجيات عضو حزب الإصلاح وجبهة الإرادة الشعبية