لم يمنع تفعيل قانون الطوارئ اعتراض بلطجية لسيارة محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية عند الكيلو 80 طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي وسرقته وأسرته بالاكراه يوم الخميس الماضي. لم يمنع هذا القانون اقتحام السجون يوم 28 يناير واطلاق المساجين ولا يقف حائلا حتى الآن أمام ما يجري من ترويع للناس وفوضى عارمة لا تقتصر على الاضرابات فقط. هناك مشكلة حقيقية في الحكام أنفسهم يمكن تشخيصها في غياب الخبرة السياسية أو الخبرة الإدارية المدنية، ففارق كبير بين إدارة معسكر وإدارة دولة تكتظ بأكثر من 80 مليون نسمة. أي من التشخيصين لا علاج له إلا بانهاء الفترة الانتقالية فورا ودون ابطاء لأن الاقتصاد يتآكل وغياب الأمن يحمل معه الرعب والخوف والقلق مع طلعة كل صباح ومغيب كل نهار. لا نتوقع استثمارا في دولة يحكمها العسكر. ولا أمنا في مجتمع يصر حاكموه على أن قانون الطوارئ هو الحل. هل من المناسب أن نستعيد الآن حديث الرئيس المخلوع للإعلامية الأمريكية الشهيرة كريستيان أمانبور بعد يوم من موقعة الجمل، عن نفاد صبره ورغبته في الرحيل ولكنه يخشى على البلاد من الفوضى، وأنه قال للرئيس أوباما: أنت لا تفهم الثقافة المصرية وما يمكن أن يحدث إذا تنحيت الآن. الفوضى التي بدأت بعد أيام قليلة من تنحي مبارك ومستمرة حتى الآن تجعلنا نتساءل: هل قالها مبارك عن دراية بما سيكون وبالقدارات الإدارية لمن سلمهم الأمر؟.. وهل تسليم البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة كان هو القرار الصحيح الذي ارتضاه الثوار وأنهوا ثورتهم بناء عليه. ثم هل أخطأنا جميعا في تأييد المجلس العسكري وتصديق بياناته الفيسبوكية المتتالية حول نقل السلطة في نهاية الستة شهور من تسلمه لمقاليد الأمور؟! البعض يتساءل بصوت عال ألم يكن الأفضل أن يوافق الثوار على عرض مبارك بترك السلطة في نهاية سبتمبر الحالي وتسليم البلاد لانتخابات رئاسية بدلا من الخسائر الكبيرة والمستمرة التي يستنزفها الوطن من اقتصاده وأمنه واستقراره، علاوة على عدم وضوح الرؤية وتخلى المجلس العسكري عن وعوده بتسليم السلطة وعودة الجيش إلى ثكناته. لقد تم رفض هذا العرض من الثوار وأصروا على أن يمشي فورا لأنهم لا يثقون فيه ولا في أسرته وحاشيته وخشوا أن يعود أشرس مما كان بجهاز أمنه وتحت مظلة قانون الطوارئ، ومعهم كل الحق في ذلك. لكن يبدو أنه كان لزاما عليهم أيضا ألا يتركوه يحدد اتجاه سفينة البلد قبل أن يغادر منصبه. من أكبر أخطائنا أننا لم نعتبر في وقت مبكر جدا أن المجلس العسكري بمثابة إدارة سياسية ولا يجب أن نتعامل معه باعتباره البطل المغوار في حرب مع العدو وأن نقف جميعا خلفه لا نحاسبه أو نسأله. من أكبر أخطاء المستشار البشري ومجموعته أنهم لم يشملوا التعديلات الدستورية بجدول زمني واضح يحدد توقيت الانتخابات ونقل السلطة وانهاء حالة الطوارئ، مع أنه كان معروفا لديهم أن تلك التعديلات مؤقتة وخاصة بالفترة الانتقالية ولحين صياغة دستور جديد. لا يمكن أن نضحي بكل ما نخسره يوميا مقابل أن يذهب مبارك فقط ويأتي نظامه ببديل يفتقد القدرات السياسية والابداعية في مواجهة فوضى تهدد الخارطة المصرية كلها. ما يجري الآن يؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أننا كنا على خطأ، فهل من المعقول أن الشرطة لا تستطيع مواجهة هذا الانفلات.. وما هي مواصفات وزير الداخلية التي جعلتها تنطبق على منصور العيسوي الفاشل حتى الآن بصورة مذرية؟! نحن الآن في مرحلة مراجعة فورية وليس عيبا أن يعترف من أخطأ ويحاول البحث عن صيغة للتصويب.. ولن يكون هناك تصويب من غير القفز فوق أي مصالح ضيقة، ونتفق جميعا إسلاميون وليبراليون وعلمانيون على التوحد للخروج من النفق الذي تصر إدارة البلاد على وضعنا فيه. القرارات التي أعلنها التوافق الوطني يوم الخميس ينبغي تأييدها من الجميع إذا كنا نضع مصلحة الوطن في اعتبارنا. وعلى المجلس العسكري أن ينظر بنفس عين المصلحة فعودة ميدان التحرير إلى وضعه قبل التنحي خطر كبير. لأنهم سيهتفون هذه المرة هتافهم الذي هز عرش مبارك "مش حنمشي هو يمشي" ضد بديله. ونحن لا نريد أن يصبح جيشنا المغوار الذي نفخر به، هدفا لذلك الهتاف. [email protected]