بستائر نصف مسدلة، يداعبها نسيم الهواء، ونافذة مفتوحة، وملابس تناظر ألوانها علم مصر، وزهور بيضاء تحتل مساحة لا بأس بها من الكادر التليفزيوني، جاء خطاب الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي الذي تحدث خلاله عن أبرز القضايا التي واجهته منذ انتخابه رئيسًا في يونيو الماضي. وما بين الإعجاب الشديد والمنتقد لكل ما احتواه الخطاب جاء صداه في الشارع وبين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الغالبية اتفقت علي أن ثمة أزمة تعيشها مصر رغم أن الشكل العام للخطاب جاء إيجابيًا ومتفائلا. وبحسب الناقد السينمائي، طارق الشناوي، للأناضول، فإن الخطاب تم تصويره بثلاث كاميرات احترافية أحدها مرفوعة، والمخرج كان موفقا في تطويع بعض التكنيكات السينمائية في تصوير الخطاب ولم يكن موفقًا في البعض الآخر. وكأن مؤسسة الرئاسة المصرية غير مقتنعة بالصورة التي تنقلها برامج التوك شو علي القنوات المصرية يوميًا للرئيس لذلك فضلت أن يقدم نفسه بنفسه لتتحول الصورة نفسها إلي دور البطولة ويبقي الواقع المصري انعكاسًا للصورة وليس العكس. فثمة ملامح أخرى غير لفظية نقلتها الصورة الثابتة لديكور البرنامج وحركة الكاميرا أثناء إلقاء الكلمة. فلم يكتف مخرج البرنامج بالرسائل الثابتة طوال الكلمة، ولكنه حاول أن ينقل عبر حركة الكاميرا حيوية ما، وتصور أن القطع السريع، وتنويع الكادرات يمكن أن يساهم فيها، ومن لقطة عامة يحتل الرئيس فيها مساحة صغيرة وتظهر بوضوح اتصاله المباشر دون حواجز مكتبية إلى لقطة مكبرة جدًا ليده التي تتحرك موازية للمعاني التي يطرحها بثبات، بحسب ما رصده مراسل الأناضول. وبدأ السيسي كلمته بالتعزية في الضحايا من القوات المسلحة والشرطة فضلا عن "شيماء الصباغ " الضحية الأولي من ضحايا الاحتفال بالذكري الرابعة لثورة يناير 2011 الشهر الماضي، والتي قتلت بينما كانت تحمل وردًا، وكذلك ضحايا الألتراس في إستاد الدفاع الجوي في 2 فبراير الجاري والضحايا المصريين ال 21 في ليبيا. ولم يضم الرئيس المصري قبضته ولو مرة واحدة وإنما حركها بشكل يشير إلي تجاوز مراحل مقسمة بانتظام، ومرة أخري يضم أربعة أصابع بيده اليمني مشيرًا لفظيا إلي تجاوز التجميد الذي أقرّه الاتحاد الأفريقي (بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013) ومن ثم استطاعت المفاوضات تجاوزه والعودة للاتحاد كعضو فاعل، بحسب مراسل الأناضول. وركّز المخرج بلقطات مكبرة أكثر من مرة (لدرجة التشويش) علي مجموعة الأوراق التتي تناول الرئيس من خلالها محاور كلمته، في إشارة إلي تفكير منظم وتخطيط علي مستوي عالٍ لمراحل تمت وأخرى بانتظار أن يتم الانتهاء منها. وبينما حاول الرئيس المصري أن يبدو مرتجلاً لكلمته، ويستبعد مفرداته الأشهر في تصريحات وكلمات سابقة كانت حركة الكاميرا تتسارع ليقطع كل مرة علي كادر لجزء من وجه السيسي أو يده اليمني أو اليسري. وينخفض صوت الرئيس ويبدو عاطفيًا وودودًا لأقصي درجة حين يشكر كل من دولة الإمارات والسعودية والكويت والأردن والبحرين، معترفًا أنه لولا معوناتهم لما استطاعت مصر أن تصمد خلال العام الماضي، ومن ثم تقل حركة الكاميرا ليستطيع الرجل تأكيد ما يعنيه فيما بدا محاولة لإزالة آثار التسريبات المتعلقة بدول الخليج والتي نشرت أخيرًا علي بعض الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي. ومع لون الزهور البيضاء القابعة خلفه، ظهر الرئيس المصري متسامحًا وقابلاً للمراجعة، فيما أشارت الستائر إلي تلك المساحة المتاحة للانفتاح وقبول فكرة الإفراج عن أبرياء "من الوارد" أنهم سجنوا ظلمًا بسبب الظروف الدقيقة التي مرت بها مصر في العام الماضي. وكما وزعت كلمة السيسي علي محاور لفظًا تم توزيعها أيضا علي مستوى الإلقاء، وبصريًا علي الشاشة، حيث كان الفصل بين المحاور والفاصل هنا ليس إعلانيا كما هو معتاد في البرامج ولكنه استعراض وتأكيد علي محتوى الكلمة بصريا حيث يتحدث الرئيس عن مقابلات مع رؤساء العالم، فيعرض الفاصل صورًا للقاءات وفقرات مصورة منها. ورغم تعدد الموضوعات التي لامسها السيسي في كلمته ورغم محاولات استخدام المنطق إلا أن النبرة العاطفية والصياغة والموسيقي التي استخدمت في الفواصل وكانت جميعها تخاطب عاطفة المواطن المصري والعربي، وهو ما تؤكده الموسيقي الناعمة المستخدمة في نهاية الكلمة، وإمعانا في العاطفية كان شعار الرئيس في النهاية " تحيا مصر" لثلاث مرات متتالية وإن جاءت هذه المرة بنبرة هادئة وابتسامة هادئة أيضا. وطغت الكلمة المتلفزة التي ألقاها السيسي في أربعين دقيقة، مساء الأحد، على حديث المصريين في المقاهي والبيوت وعلي مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التوك شو، بين معجب لحد الوله ومنتقد لكل ما احتواه من نقاط، إلا أن الغالبية اتفقت علي أن ثمة أزمة تعيشها مصر رغم أن الشكل العام للخطاب جاء إيجابيًا ومتفائلا. الناقد الفني، طارق الشناوي، قال إن لديه معلومات تؤكد أن المخرج السينمائي المصري، مجدي الهواري، هو من تولى إخراج كلمة الرئيس. وأوضح، في تصريحات للأناضول، أن الخطاب تم تصويره بثلاث كاميرات احترافية أحدها مرفوعة، والمخرج كان موفقا في تطويع بعض التكنيكات السينمائية في تصوير الخطاب ولم يكن موفقًا في البعض الآخر، بحسب الشناوي. وبحسب الشناوي، فإن "ما وُفق فيه الهواري فهو إلمامه التام باللغة الجسدية للرئيس والتي كانت تعكس رسائل ضمنية لا تقل أهمية عن منطوق الخطاب". "كذلك كان موفقًا باختيار أن يكون التصوير والسيسي جالسًا على كرسي بعيدًا عن مكتبه؛ لأن ذلك يترك انطباعا نفسيا لدى المشاهد بالحميمية وعدم وجود علاقة رسمية روتينية بينه وبين رئيسه الذي يتحدث إليه من وراء مكتب يزاول من خلاله مهامه كما كان متبعًا من قبل"، بحسب الشناوي. أما ما لم يوفق فيه المخرج، بحسب الشناوي، فهو "إقحام فواصل ضمن كلمة الرئيس للتأكيد على حديثه، فمثلا حينما كان يتحدث السيسي عن الإرهاب تدخل المخرج بمشاهد عن عمليات الجيش المصري بسيناء (شمال شرق) ما يجعل المشاهد يشعر وكأن شخصًا يوجهه ضمنيًا للتعاطف مع كلمة الرئيس وتصديق كل ما فيها وهو شئ يحسب على المخرج". واستدرك الناقد الفني لتوضيح فكرته قائلا : "لست ضد استخدام التقنيات السينمائية في تسجيل خطابات الرؤساء لكني مع تقنينها". واستشهد على صحة وجهة نظره بأن "الخطابات الرسمية لزعماء العالم تبث على الشعوب بشكل مباشر جدًا، ما يجعلها لا تشعر بوجود مخرج يوجهها أو يدفعها لتبني قناعات معينة، ما يضمن لهذه الكلمات تحقيق صدى شعبي أوسع لأنها تكون تلقائية بشكل أكبر".