في استمرار للتخبط في إدارة ملف الأزمة الليبية ، تورط مندوب مصر في الجامعة العربية السفير طارق عادل واتهم قطر رسميا بدعم الإرهاب بسبب تحفظها على عمليات القصف التي قامت بها الطائرات المصرية لبعض المدن الليبية ، التصريح أثار ضجة كبيرة وغضبا خليجيا واسعا ، وانتهى إلى صدور بيان رسمي عن مجلس التعاون الخليجي من خلال أمينه العام عبد اللطيف بن راشد الزياني ، بعد ساعات قليلة من الورطة لكي يندد باتهام قطر بدعم الإرهاب معتبرا أن هذه التصريحات منافية للحقيقة ولا تخدم التضامن العربي ، ووصف الزياني الاتهامات في بيانه بأنها "باطلة تجافي الحقيقة وتتجاهل الجهود المخلصة التي تبذلها دولة قطر مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية لمكافحة الارهاب والتطرف، على جميع المستويات، ودعم العمل العربي المشترك"، على حد قوله . الزياني ينتمي إلى البحرين التي تعتبر أحد محاور الارتكاز المصرية في الخليج ، وبيانه لا يصدر إلا بالتشاور مع الجهات صاحبة القرار في دول مجلس التعاون الخليجي ، وهذا يعني أن السلوك المصري أحرج دول الخليج المتحالفة مع السيسي ، ولغة البيان العنيفة تشي بعمق حالة الاستياء التي استشعرتها القيادات الخليجية من رعونة التصريح المصري . الخارجية المصرية وإداراتها المختلفة أقرب لكونها جهات إدارية وتكنوقراط وعمل قنصلي ، لا تملك صياغة رؤية ولا الحق في المبادرة من أي نوع ، وجرت العادة ، منذ تأسيس الجمهورية في مصر على أن السياسة الخارجية تديرها الأجهزة الأمنية السيادية أو رئاسة الجمهورية بشكل مباشر ، وفي بعض المراحل كان مدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان أقرب لكونه وزير الخارجية الحقيقي لمصر ، وإدراك دول الخليج بتلك الخلفيات ربما كان سببا مضاعفا للقلق ، والرغبة في وضوح التأنيب في البيان لقطع الطريق على أي تصعيد ، غير أن المؤكد أن هذه الحادثة التي أدت أيضا إلى سحب قطر لسفيرها من القاهرة ، تمثل انتكاسة للعلاقات المصرية الخليجية ، لن تصل إلى حد القطيعة بطبيعة الحال ، لكنها ستكون مؤثرة بشكل كبير في حماسة بعض العواصم الخليجية في الانحياز السياسي والمالي للإدارة المصرية الحالية . عصبية المندوب المصري في الجامعة العربية هي انعكاس لتوتر الديبلوماسية المصرية كلها هذا الأسبوع ، بسبب الحرج الذي تعرضت له بعد أن رفض المجتمع الدولي الاستجابة لأي طلب مما طلبته بخصوص ليبيا ، سواء بتشكيل قوة عسكرية للتدخل هناك أو حتى في دعم قوات خليفة حفتر بالسلاح ، وكان بيان وزير الخارجية أمام مجلس الأمن ضحلا وغير مقنع لأحد ، كما أن عددا من الدول العربية أحرجت مصر علنا بتصريحات حادة ، مثل تونس والجزائر ، اللتين أكدتا رفضهما الكامل لأي تدخل عسكري في ليبيا ، وأن الحل هناك هو حل سياسي وأنهما يدعمان جهود الأممالمتحدة في هذا الشأن . الموقف المصري تجاه ليبيا أصبح مكشوفا بوضوح أمام المجتمع الدولي ، وهذا ما يضعف أي مبادرات يقدمها ، لأنها ستكون موصومة بموقف مسبق ومنحاز ضد قوى إسلامية بعينها ، بغض النظر عن موضوع الإرهاب ، وأن مصر لا تتحمس لمصالحة وطنية ليبية تسمح للأحزاب الإسلامية بأن تكون شريكة في الحكم ، وتفضل دعم خليفة حفتر وقواته لبسط السيطرة على ليبيا بقوة السلاح ، وكلما ازدادت عصبية الإدارة المصرية واستعجالها كلما زاد تهميشها في الملف الليبي ، وموقف الرئيس السيسي ووزير الخارجية المهاجم على طول الخط لحكومة الإنقاذ الوطني الليبية التي تدير معظم الشؤون الليبية من العاصمة طرابلس ومحاولة تبرير هذا العداء والقطيعة بأن مصر لا تعترف إلا بحكومة طبرق وبرلمانها ، رغم أن المحكمة الدستورية أسقطتهم وألغت البرلمان بشكل نهائي ، إلا أن هذا التبرير حتى مع التسليم به فرضا لا يقنع أحدا ، لأنه حتى إذا اعتبرت القوة السياسية في طرابلس لا تمثل سلطة شرعية ولا حكومة ، حتى لو كنت تعتبرها مجرد حزب معارض مهم ، فإن بديهة المصالح السياسية وقواعد السلوك العقلاني أن تتواصل معها وتعزز جسور الثقة معها ، وأظن أن الرئيس السيسي شاهد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وهو يصل إلى العاصمة طرابلس في حماية قوات رئاسة الأركان التابعة لحكومة الإنقاذ ويعقد اجتماعات مع الحكومة ومع المؤتمر الوطني ، رغم أنه لا يعترف بهم كسلطة شرعية حتى الآن ، وممثل الأممالمتحدة في ليبيا شهريا تقريبا في العاصمة ويتحاور ، ولا أظن أنه بوسع الخارجية المصرية أن تتهم الأممالمتحدة بأنها تدعم الإرهاب بذلك . قلنا ، ونؤكد ، هناك خطأ فادح في موقف مصر من الملف الليبي ، ومصر خسرت ، ولكنها قد تخسر أكثر إذا استمرت في هذا المسار العصبي والمنحاز ، وأيضا يمكنها أن تربح وأن توقف النزيف إذا كانت هناك شجاعة لاتخاذ قرار بالمراجعة ، حفتر لا يستحق أن تضحي مصر من أجله كل هذه التضحيات وأن تعرض مئات الآلاف من أبنائها العاملين في ليبيا لخطر محقق ، والحفنة الصغيرة من مطاريد السياسة الذين يجتمعون في طبرق لا يمكن أن يراهن عليهم أي حكومة عاقلة ورشيدة ، أنتم تنفخون في قربة مثقوبة ، ومصر لديها من الهموم ما هو أهم من الدفاع عن حفتر أو تمكين عصابة طبرق .