"الاتحاد الخليجي"، "الموقف من مصر"، "الموقف من ليبيا".. 3 ملفات شائكة، كانت تتنظر قادة الخليج في قمتهم، التي اختتمت أعمالها مساء الثلاثاء، وكان هناك ترقب لما سيتضمنه البيان الختامي حيال تلك الملفات، لتباين وجهات نظر ومواقف دول الخليج تجاهها، ولا سيما الموقف من مصر وليبيا، إلا أن البيان الختامي الذي صدر عن قمة الدوحة صدر بتوافق كبير على مختلف القضايا. وكان اثنين من تلك الملفات (الاتحاد الخليجي والموقف من مصر) كان حاضرا على طاولة قادة الخليج في قمتهم السابقة بالكويت، إلا أنه تم ترحيل حلهما عبر صياغة دبلوماسية، لا تحوي مواقف محددة، وهو ما حرص قادة الخليج على تلافيه في البيان الختامي بقمة الدوحة، الذي تضمن صياغات حاسمة تحوي مواقف محددة. وفيما يتعلق بملف "الاتحاد الخليجي"، الذي كان يتوقع أن يأتي على صدارة الموضوعات المقرر بحثها في القمة الخليجية، في ظل التباين الواضح في مواقف دول الخليج إزاء هذا الملف، ولا سيما بين سلطنة عمان المعارضة للاتحاد، والسعودية صاحبة الفكرة والمؤيدة لها بقوة، جاء البيان الختامي دون أن يحسم الخلاف الدائر بين دول الخليج في هذا الشأن، بترحيل الملف برمته إلى المزيد من الدراسة، كما حدث في قمتي الكويت (2013) والبحرين (2012). وبشأن التحول من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، الذي سبق أن دعا إليه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2011، وجه قادة الخليج في بيانهم أمس المجلس الوزاري "باستمرار المشاورات واستكمال دراسة موضوع الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد". ولكن الأوضاع الأمنية التي تحيط بالمنطقة، في ظل مشاركة 4 من دول الخليج في تحالف يوجه ضربات جوية لتنظيم "داعش"، ألقى بظلاله على وجود توافق كبير فيما يخص العمل العسكري المشترك، حيث وافق قادة الخليج على إنشاء قوة خليجية بحرية تحمل اسم "قوة الواجب البحري الموحدة 81"، كما أقر إنشاء الشرطة الخليجية ومقرها أبو ظبي. الخلاف الخليجي الأخير ، وإن لم يظهر في البيان الختامي، إلا أنه ظهر في الكلمات الافتتاحية للقمة ، في كلمات أشبه بعتاب مفتوح من كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بضرورة عدم تحويل الخلاف في وجهات النظر إلى خلاف يطال شعوب الخليج. وشدد أمير قطر في كلمته على ضرورة عدم تأثير خلافات خليجية على علاقات الشعوب، قائلا في هذه الصدد " تعملنا التجارب الأخيرة ألا نسرع في تحويل الخلاف في الاجتهادات السياسية وفي تقدير الموقف السياسي والتي قد تنشأ حتى بين القادة، إلى خلافات تمس قطاعات ااجتماعية واقتصادية وإعلامية وغيرها". وبين أنه "إزاء التحديات والمخاطر التي تحيط بنا من كل جانب لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل". بدوره قال أمير الكويت: "نؤمن ان الاختلاف في وجهات النظر وتباينها أمر طبيعي بل ومطلوب ، ولا يدعو إلى الجزع ، على الا نصل بذلك إلى مرحلة الخلاف والتشاحن والقطيعة، التي ستقود بلا شك إلى إضعافنا وتراجع قدراتنا في الحفاظ على ما تحقق لنا من إنجازات". وبين أن "الحديث عن الاتحاد بين دول مجلس التعاون وحتميته والذي هو دون يمثل هدفا وأملا يتطلع إليه أنباء دول الخليج وياتي انسجاما مع نظامنا الأساسي وتفعيلا لقرارات عملنا المشترك" وقال إنه "يتوجب علينا أن نعمل على خلق أساس صلب يمهد للدخول إلى مرحلة الاتحاد، أساسا يجسد تجاوز الخلافات ويحصن تجربتنا". وفيما يتعلق بملف "الموقف من مصر" ، والذي كان هناك تباين واضح بين دول المجلس إزائه، ولا سيما السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، نجح البيان الختامي، في تجاوز الخلاف عبر صياغة دقيقة ومحددة وواضحة. وفيما كان الخلاف قائما بين دول الخليج في قمته السابقة بالكويت، تجاوز البيان الختامي لقمة الكويت الخلاف - دن أن يحسمه- عبر صياغة دبلوماسية للموقف من مصر، أكد فيها "دعم أمن واستقرار مصر"، دون أن يتضمن البيان أي أشارة من قريب أو بعيد إلى أن هذا الدعم موجه للسلطات الحالية تصريحا- عبر ذكرها صراحة- أو تلميحا عبر الإشارة لدعمه خارطة الطريق التي أقرتها السلطات الحالية بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 ، لذا استمر التباين في المواقف الذي فجر الأزمة في وقت لاحق من العام الجاري، وكان أحد أسباب أزمة سحب السفراء. بيان الدوحة تجاوز الصياغة الدبلوماسية للموقف من مصر بصياغة واضحة ومحددة تنص على دعم برنامج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وجاء في البيان الختامي لقمة الدوحة، أن قادة دول الخليج أكدوا على موقفهم الثابت من "دعم مصر وبرنامج رئيسها عبد الفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق"، مؤكدين "وقوفهم التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها". وخارطة الطريق تم الإعلان عنها في 8 يوليو/ تموز 2013 عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من منصبه بخمسة أيام، وتضمنت أيضا إعداد دستور جديد للبلاد (تم في يناير /كانون ثان الماضي)، وانتخابات رئاسية (تمت في يونيو /حزيران الماضي)، والانتخابات البرلمانية لم يتم تحديد موعد لها. وأكد البيان "مساندة المجلس (قادة الخليج) الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها ". الموقف من ليبيا، جاء أيضا بصياغة واضحة لا لبس فيها، حيث دعا البيان الختامي "كافة الأطراف الليبية لدعم الشرعية المتمثلة في "مجلس النواب المنتخب" (وهو المجلس الذي كان مدعوم من دول الخليج ماعدا قطر). وأعرب قادة الخليج في بيانهم الختامي عن تطلعهم "أن يقوم مجلس النواب والحكومة الليبية المؤقتة بتبني سياسات تراعي مصالح جميع الليبيين وتلبي تطلعاتهم، وتحقق الأمن والرخاء". وفيما يتعلق بليبيا، أدان المجلس "تحكم الميليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية مؤكدا على أهمية أمن ليبيا واستقرارها ووحدة أراضيها مطالبا بوقف فوري لأعمال العنف وإجراء مصالحة وطنية". وتعاني ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، صراعاً مسلحا دموياً في أكثر من مدينة، لاسيما طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق)، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلاميين زادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته الأول مدعوم من دول الخليج ما عدا قطر هو: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق، ويحظى باعتراف دولي واسع حتى اليوم، رغم صدور قرار من المحكمة العليا في طرابلس ببطلان الانتخابات التي أفضت إليه، وتنبثق عنه حكومة يقودها عبد الله الثني. أما الجناح الثاني للسلطة، وهو مدعوم من قطر فيضم، المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته مؤخرا)، ومعه رئيس الحكومة المعلن من جانب واحد، عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش جاد الله العبيدي (الذي أقاله مجلس النواب). إلى جانب "الموقف من ليبيا"، و"الموقف من مصر"، جاءت باقي القرارات في مجملها متوقعة، ففيما يتعلق موقف دول الخليج من الإرهاب، جدد البيان الختامي "على التأكيد على المواقف الثابتة لدول المجلس بنبذ الارهاب والتطرف بكافة أشكاله وصوره ومهما كانت دوافعه ومبرراته وأيا كان مصدره وتجفيف مصادر تمويله." وفي الشأن اليمني، أكد المجلس دعمه للرئيس اليمني لتحقيق الاستقرار وحث جميع اليمنيين لحل الخلافات بالحوار. وطالب المجلس "بالانسحاب الفوري للميليشيات الحوثية من جميع المناطق التي احتلتها وإعادة جميع مؤسسات الدولة المدينة والعسكرية لسلطة الدولة وتسليم ما استولت عليه من أسلحة ومعدات". كما أدان المجلس "الاعتداءات الوحشية المتكرر التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمتطرفون الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين العزل والمقدسات وعلى رأسها الحرم القدسي". وفي الشأن السوري، أعرب قادة دول الخليج عن بالغ قلقهم من استمرار تدهور الأوضاع الانسانية للشعب السوري نتيجة لإمعان نظام الأسد في عمليات القتل والتدمير وأكدوا على "الحل السياسي للازمة السورية وفقا لبيان جنيف 1". وفيما يخص العلاقات مع إيران، أكد البيان الختامي "على أهمية علاقات التعاون مع إيران على أسس ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها". إجمالا تعد القمة الخليجية التي اختتمت أمس في الدوحة باختراقات وحلحلة في المواقف، ولا سيما بشأن مصر وليبيا، بصياغات محددة ، تحوي مواقف واضحة لدول الخليج من القضايا الخلافية، وتشير إلى حدوث توافق كبير ، أكثر من المتوقع في القضايا الخلافية، إلا أن نجاح هذا التوافق من عدمه سيظل رهن بمدى قدرة دول الخليج على النجاح في تطبيق ما اتفقوا عليه، وهذا ما ستكشفه الشهور القليلة القادمة. على الصعيد الخليجي الداخلي لم تخرج القمة عن سابقاتها بإنجاز كبير فيما يتعلق بمسألة الاتحاد ، في حين أقر قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمتهم في الدوحة ، انشاء جهاز شرطة موحد يكون بمثابة "انتربول" خليجي مقره ابوظبي، كما اقروا انشاء قوة بحرية مشتركة.