في الأسابيع الماضية، ضج موقعا التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، وتطبيق "واتساب" في السودان، بنبأ وفاة زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي، قبل أن يسارع حزبه للنفي، عقب توافد أعداد كبيرة من الناس إلى منزله لتقديم التعازي. ليس الترابي وحده الذي تضرر من الشائعات، بل في كل صباح، تنتشر شائعة بوفاة أحد المشاهير من نجوم الفن والمجتمع، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض، أو شائعة بوقوع حدث كبير يهز ساكن الأسر، ما دعا "الجمعية السودانية لحماية المستهلك" (غير حكومية) إلى إطلاق مبادرة أسمتها "دعه يتوقف عندك" لمحاربة الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي تنتشرت مؤخراً وأثرت سلباً على حياة الناس. وقال الأمين العام للجمعية، ياسر ميرغنى، إن "الهدف من المبادرة هو حث جميع مستخدمي مواقع التواصل على عدم الإسهام في نشر الشائعات، دون التأكد من صحتها". وأضاف ميرغني للأناضول "مؤخراً، انتشرت شائعة بوجود فواكه مستوردة من الخارج، محقونة بمواد سامة في الأسواق، أدت الى إحجام عدد كبير من المواطنين عن شرائها، وأحدثت خسائر كبيرة للتجار، بجانب شائعات الوفاة ". وتابع قائلا إن "هذه الظواهر تؤثر سلباً على الوضع الاقتصادى والاجتماعي في البلاد". وأوضح أن الجمعية تعتزم تشكيل لجنة تضم الهيئة القومية للاتصالات (حكومية) ونيابة جرائم المعلوماتية وعدد من الجهات المختصة لوضع آلية محكمة لمحاربة الشائعات الإلكترونية. وأشار إلى زيادة عدد الشكاوى والبلاغات في هذا الإطار، الأمر الذى يتطلب تكثيف الجهود وحسم هذه الظواهر، طبقاً لميرغني، داعياً جميع مستخدمي الوسائط الالكترونية بعدم الإسهام في نشر الشائعات. وقال ميرغني إن "الشائعة ظاهرة نفسية لها دلالة ودوافع خاصة، فالشخص الذي يروج للإشاعة يهدف أحياناً لبث القلق والرعب في نفوس الناس رغبة في تحقيق هدف محدد". ووفقا لخبير الاتصالات السوداني، أشرف عبد الكريم، فإن "مصدر الشائعة غالبا ما يكون مجهولاً، وأي شخص يملك هاتفاً ذكياً يمكن أن يكون منصة لإطلاق شائعة تتناول شخصية عامة أو أي قضية". وأضاف عبد الكريم للأناضول أن "الشائعات تثير الذعر والتوتر والقلق في نفوس الناس". ومضى قائلا "مثلما كان للتكنولوجيا منافع كثيرة، في عمليات التواصل وسهولة نقل المعلومة، إلا أن من أكثر سلبياتها، أنها أصبحت مسرحاً مفتوحاً لنقل الشائعات وترويجها، وأصبح كل شخص عرضة للشائعات وانتهاك خصوصيته". وبينما يقول ياسر ميرغني، أن الهدف من مبادرة "دعه يتوقف عندك" توعية المواطن بعدم المساهمة في نشر الشائعات قبل التأكد من صحتها والحد منها، يرى أشرف عبدالكريم، أن من الصعوبة بمكان وضع حدا للشائعات لأسباب كثيرة من بينها "استخدام معظم الاشخاص مواقع التواصل الاجتماعي، التي اعتبرها السبب الأول في نقل وانتشار الشائعة، وعدم وجود رقابة على هذه المواقع". وحول إمكانية محاكمة مروجي الشائعات، قال المحامي، بابكر عبد الرحمن، إنه "لا يوجد نص في القانون الجنائي السوداني تعاقب مطلق الشائعة، ولا يتم التعامل مع الأمر كجريمة". لكن المحامي عبد الرحمن، أضاف للأناضول "توجد مطالبات من جهات كثيرة لضبط النشر الإلكتروني". وأعلنت الشرطة السودانية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ارتفاع نسبة جرائم المعلوماتية بالبلاد، وكشفت عن فتح 208 بلاغات لجرائم المعلومات في مواجهة 250 متهماً خلال العام 2014 مقارنة ب 161 بلاغاً ضد 180 متهماً عام 2013، بينما سجلت 120 بلاغاً خلال العام 2012 شملت 135 متهماً. لكن أبرز هذه الجرائم تتعلق بالابتزاز وانتحال الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بجانب التشهير. وشرعت الهيئة القومية للاتصالات (حكومية) في إعداد دراسة فنية تهدف الى السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى حجب عدد من المواقع الإلكترونية، بحسب مسؤول الادارة الفنية بالهيئة، مصطفى عبد الحافظ. وبرر عبد الحافظ الخطوة في تصريحات صحفية مؤخراً، بأنها تأتي "لحماية المجتمع السوداني من الأثار السالبة للمواد التي تتنافى مع قيم الدين والتقاليد الاجتماعية، مؤكدا عدم وجود أي اتجاه لإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد. وأضاف أن المناخ أصبح مواتياً لانتشار الشائعات بين المواطنين، وأشار الى أن "إظهار الحقيقة فور وقوع الأحداث سيساعد على وأد الشائعة في مهدها". وكان رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين، الصادق الرزيقي، قد طالب بضرورة تقييد النشر الإلكتروني بالقوانين والتشريعات، وبرر تلك المطالبة ب"حماية الخصوصية وسيادة احترام الحريات". وقال الرزيقى، في كلمته بندوة "النشر الإلكتروني والمصادر المجهولة" التي نظمها اتحاد الصحفيين السودانيين، يوم الاثنين الماضي إن "قضية النشر الإلكتروني اصبحت قضية عالمية ومصدر إزعاج وأرق مما يحتم ايجاد وسائل وآليات للضبط الإعلامي في وسائل الاعلام الجديد أو الحديث". بينما قالت الكاتبة الصحفية شمائل النور أن "تعمد الحكومة حجب المعلومات عن وسائل الإعلام خاصة عقب وقوع أحداث مهمة، ساهم في انتشار الشائعات". وأضافت "لا أفهم كيف تتحدث الحكومة عن محاربة الشائعات وضبط النشر الإلكتروني، وهي تواصل حجب المعلومات.. لذا ليس أمام المواطن العادي، سوى تصديق الشائعات إلى حين نفيها رسمياً ". ومضت قائلة إن "مواقع التواصل الاجتماعي باتت متقدمة بشكل كبير على وسائل الإعلام في سرعة نشر ووصول المعلومة، وباتت هذه المواقع هي القبلة للمواطن للبحث عن الحقيقة وسد الثغرات التي خلفها الإعلام الرسمي". وأضافت "إذا مضت سياسات الحكومة تجاه الإعلام والنشر وفقاً لسياسة المزيد من حجب المعلومة، لن تستطيع أي جهة محاربة الشائعات".