دخلت عليه بعد أن مللت الانتظار ، ألقيت عليه السلام فور دخولي من باب مكتبه فلم أسمعه يرد عليّ السلام ، فتقدمت نحوه ، كان يملأ الكرسي الذي يجلس عليه ، ويضع عامته أمامه ، أعدت إلقاء السلام بصوت عال فلم يرد ولم يحرك حتى شفتيه ، وقفت أمامه وهو منشغل ببعض الأوراق لم يأذن لي بالجلوس على أي من الكراسي المنصوبة حوله حتى يفرغ مما في يده ، وبعد لحظات سمعته يتمتم عاوز إيه يا ولد!!! فحسبت أنه يقصد شابا أو صبيا في المكتب فصمتُ ، نظر إلى الورقة التي دخلت عليه لاعتمادها ثم قال : هات يا ولد !! علتني الدهشة والذهول لمّا سمعته يكرر تلك العبارة ، ووقفت مشدوها شاردا سارحا بخواطري الطارئة ، واسترجعت في ذهني آخر مرة نظرت فيها في المرآة ، كانت قبل الدخول عليه بثلاث ساعات تقريبا ، كنت قد لاحظت فيها الشيب وقد بدأ يغزو رأسي ، ومن يراني لا يعطيني أقل من عمري ( منتصف الأربعينيات ) ولا يعدّني من الشباب على الإطلاق فضلا عن الصبيان الذين يُنادى على الواحد منهم عند الغضب فقط بدون اسمه ( يا ولد ) !!.. إذن فما الذي جعل هذا الرجل مدير مكتب رئيس قطاع المعاهد الأزهرية (وليس رئيس القطاع نفسه) ينخدع بي ويحسبني صبيا أمامه ، وأنا ربما أكون أكبر منه سنا ؟!!!.. الحقيقة أن الشيخ الأزهري المعمم لم يكن قد انخدع بسني ولا بشكلي ، وإنما الذي دعاه إلى التنابز بالألقاب وأن يستخدم في مناداتي أسلوبا يسمى في البلاغة التي درسها في المرحلة الثانوية الأزهرية بأسلوب الذم هو الغطرسة والكبر، وقد ظهر ذلك من خلال حديثه معي الذي لم يستغرق نصف دقيقه حول الطلب المقدم له ، وكان يختص بطلب الموافقة على فتح فصل دراسي لطالبات القسم العلمي بالمدينة التي أسكن فيها ، فقد كتب عليهن نظام الأزهر المتبع الآن أن يسافرن لقرية مجاورة للدراسة بها ، مع إن المعمول به في أنظمة التعليم العام أن طالبات أو طلاب القرى هم الذين ينتقلون للدراسة في المدن إن لم يتوفر لديهم المدرسة بقريتهم وليس العكس .. وأنا لا أعتب على هذا الشيخ في كبريائه ولا في غطرسته ، فقد قامت الثورة المصرية المباركة ونشرت بذور الحرية ، ومن حقه هو أو أي شيخ آخر أن يتكبر أو أن يتعالى كيفا يشاء ، أو حتى أن يتأله ، فهو حر فيما يفعل ، فلن يُحجر عليه في عصر الحرية ، ولكن ينبغي أن يكون تعاليه وتكبره في بيته وفيما يملك فقط .. أما أن يجلس في مكتب هو مبنيّ من أموال الشعب الذي أنا فرد منه ، وأن يتربع على كرسي هو مُشترى من أموال الشعب الذي أنا فرد منه ، ويتقاضى مرتبه الشهري من أموال الشعب الذي أنا فرد منه ، ثم يتكبر ويتعالى عليّ وعلى وسائر خلق الله سبحانه وتعالى الذين يترددون عليه كل حين لقضاء مصالحهم التي أوجبها عليه القانون مقابل الأجر الذي يأخذه فهذا لا يكون ، ويجب أن يحاسب على ذلك هو والذي عينه في هذا المنصب ، وأن يعرف جيدا هو وسائر الشيوخ المخلّفين من النظام السابق أن الناس المترددة عليه لا تقصده لتنال فضل إحسانه ، وإنما تقصد مكتبه لتُقضى لهم مصالحهم ، ومن حقهم أن يدخلوا عليه أعزة ، وأن يخرجوا من عنده أعزة ، فإن رضي بغير ذلك فليقم من على كرسيه ويتنازل عن وظيفته ، ثم ليتكبر بعد ذلك على من يشاء وكيفما شاء !!.. فهل يؤديني شيخ الأزهر الذي آمل أن تصله رسالتي فيما أقول ؟ !! *مدير موقع التاريخ الالكتروني