أشاد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بالشيخ سيد قطب، المُنظّر التاريخي لجماعة "الإخوان المسلمين" في كتاب جديد بعنوان "التراث والتجديد مناقشات وردود"، والذي نشر في مجلة الأزهر في عددها الصادر لشهر فبراير. وأشار شيخ الأزهر في سياق إشادته بقطب الذي أعدمه النظام الناصري في عام 1966 إلى مؤلفاته التي كتبها "ليصور فيها عدالة الإسلام التي تقف دونها الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية حسرى كليلة الطرف". وعدد الطيب مساوئ "المذهب الاشتراكي" الذي تحولت إليه مصر إبان حكم الرئيس جمال عبدالناصر (1954 1970)، قائلاً إنه و"إن كان مذهبًا اقتصاديًا بحتًا في تطبيقاته الملية إلا أنه مذهب ذو جذور فلسفية وأيدلوجية، وله في بلاد المنبع والنشأة موقف معلن من الدين"، مشيرًا إلى أنه وإن كانت خلفياته الأيدلوجية لم تكن معلنة في مواجهة الإسلام بصورة صريحة إلا أن تأثيره غير المباشر كان سلبيًا على الأزهر والمؤسسات الدينية الأخرى في مصر. وتحدث الطيب عن تأثير المعسكر الاشتراكي في المؤسسات الدينية في مصر إبان الحقبة الناصرية، إلى حد أنه كان سببًا في إقصاء وزير للأوقاف وقتذاك، على الرغم من نشاطه وتميزه العلمي وذكائه الحاد وجمعه بين الثقافة الأزهرية العميقة والثقافة الأوروبية الحديثة، ناسبًا إليه القول: "إن إعفاءه من الوزارة كان بتوجيه من المعسكر الاشتراكي الذي يخشى أن يقف النشاط الديني لوزارة الأوقاف عقبة في سبيل "المد الاشتراكي". وإزاء ذلك وغيرها من أمثلة أشار إليها للتدليل على الحصار الذي كان يمارسه الاشتراكيون ضد المؤسسات الدينية، قال الطيب: "هكذا عشنا نحن طلاب الأزهر في هذه الحقبة، تهب علينا الرياح الثقافية العاتية من شرق أوروبا وغربها، وكنا بين طريقين: إما فتح النوافذ لهذه الرياح ومعاناة الاغتراب، وإما الانغلاق في مقررات التراث ومعاناة الاغتراب كذلك". وتابع: "ولم ينقذنا من هذا الصراع إلا هذه النخبة من عظماء مفكري مصر، الذين صمدوا لهذا الفكر الوافد من شرق وغرب، وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضًا، وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت في هذا المذاهب، وكيف أنها مذاهب هدامة". وفي مقدمة هؤلاء الذين أشار إليهم، باعتبارهم كانوا يمثلون "طوق النجاة" له ولغيره من أبناء جيله آنذاك، ذكر الطيب اسم الأديب الراحل عباس العقاد، "عملاق الأدب العربي"، والذي قال إنه "كان له فضل السبق والترصد لهذه المذاهب وتحطيم أصنامها وهدم معابدها بمعول لا يقوى أحد على مواجهته". وأشار أيضًا إلى المفكر الراحل الدكتور محمد البهي، والذي قال إنه "تفرغ بعد خروجه من وزارة الأوقاف تفرغًا كاملاً لنقد "المادية" وتفنيدها، وإثبات تهافت الفكر المادي في مؤلفات بالغة الرصانة والقوة وأيضًا في تفسيره لأجزاء من القرآن الكريم.. اتخذ فيه من تفنيد الفلسفة المادية موضوعًا لا تخطئه عين قارئ". أما ثالث هؤلاء العظام، الذين تحدث الطيب عن دورهم في هذا الأمر، فهو المفكر الإسلامي الراحل الشيخ محمد الغزالي، والذي وصف مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته بأنها كانت "مصدات قوية وشامخة وقفت في مهب الرياح المادية العاتية، التي كانت على وشك اقتلاع الجذور وتسطيح العقول وتزييف الوعي". وقال إن "مؤلفاته التي تميزت بيسر الأسلوب وسهولة العرض كشفت للقراء عن عظمة الإسلام وحيوية القرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأعادت لكثير من المسلمين الثقة في قدرتهم على أن يجمعوا في حياتهم المعاصرة بين الدين والدنيا، دون أن يتطرق لنفوسهم طوارق الانفصام أو التضاد أو الاغتراب".