لم تكن يوما العلاقة التاريخية بين مصر وبلاد الشام على سوء حال مثل ما هي عليه الآن كنتيجة لحكم حزب البعث السوري أو على الأدق حكم عائله الأسد العلوية المتحالفة مع إيران سياسيا وطائفيا...وإلا فإن صفحات التاريخ زاخرة بعلاقة توأميه متينة بين الشقيقتين مصر وسوريا حيث أن المصير المشترك لكل منهما كان سببا في توحدهما مرات عده وإنقاذ بعضهما لبعض ومن ذلك خروج قطز بمصر عن بكره أبيها لملاقاة التتار في عين جالوت عام 1260ه حيث كان انتصاره في عين جالوت إيذانا لتحرير بلاد الشام من رقبة التتار المغول . كثيرة هي المحطات التي واجهت الشام ومصر مصيرا مشتركا ووحدويا في حماية الامه العربية ...بل بقي مصير العرب والمسلمين عبر التاريخ مرتبطا قوه وضعفا بحاله التوامه الاخويه بين الشقيقتين ...وهذا الأمر لم يكن سياسيا فحسب بل هو كذلك ثقافيا وفكريا فكثير من علماء الشام هم خريجو الأزهر الشريف ومنهم طالب العلم سليمان الحلبي الذي انهي بطعنه سكين الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام . يحتار المرء حقيقة عن سبب ضعف التضامن المصري مع الشعب السوري....فسوريا الجريحة تنتظر من مصر الحرة الكثير ولا يمكن لمصر أن تكتمل ثورتها وشقيقتها سوريا تذبح ليل نهار ...هذا إن علمانا أن هناك تضامنا إيرانيا وعراقي ولبناني على أسس طائفيه في نصره ومساعده النظام المجرم في دمشق...عندها ندرك أن التدخل المصري لنصره الشعب السوري ليس ترفا فكريا بل حاجه ملحه للأمن القومي العربي عموما ومصر خصوصا وقبل ذلك هو تضامن إنساني وأخلاقي. وعوده للمشهد السياسي لمصر بعد الثورة المصرية يشهد ارتباكا واضحا في دعم الثورات العربية وتحديدا الثورة السورية...فقد كان المأمول من الشعب المصري وقواه الحية أكثر بكثير من وقفات بمئات المحتجين على أهميتها أمام السفارة السورية بالقاهرة... ذلك أن مشهد الدم والقتل والدمار في سوريا يتطلب من الثوار المصريين تحركا جماهيريا واسعا يضغط على صاحب القرار في القاهرة لإعلان موقف واضح وصريح في ادانه النظام السوري وكل أفعاله الاجراميه...وان تحركا شعبيا مصريا ضاغطا تكمن أهميته من عده أوجه اهمها: أولا :إرسال رسالة معنوية للشعب السوري هو في أمس الحاجة لها ...هي أن الشعوب العربية معك ولن تتركك تواجه مصير الموت أو القمع لوحدك بل إن معك أمه حيه تدافع عنك وهمك همها...كما انه يدفع المترددين من الشعب السوري وخاصة علماء الدين إلى التحرك مع باقي الشعب في وجه النظام. ثانيا: التحرك المصري سيكون بمثابة إخراج الازمه السورية من حاله استقطاب طائفي يسعى النظام لتعميمها على الثورة ... ذلك أن النظام دأب منذ البداية على تصوير الإحداث على أنها مدفوعة من قبل إطراف سنيه متطرفة مدعومة من السلفيين السعوديين(الوهابيين)...وقد حاول النظام وبعض أنصاره الطائفيين في العراق ولبنان على تصوير الحراك والثورة السورية على انه محاوله اصطفاف طائفي من قبل تركيا السنية والسعودية الوهابية...وموقع مصر التاريخي كقائد للامه العربية يمكنها من التحرك بشكل جدي و سيكون تحركها بعيدا عن أي تجييش طائفي لما يعرف عن مصر من دور وطني تاريخي في دعم الأشقاء العرب. ثالثا: لقد جاء موقف السيد نبيل العربي أمين الجامعة العربية مخيبا لآمال السوريين ...وقد قرئت زيارته من قبل النظام السوري إلى دمشق والتصريحات التي تلتها على أنها تأييدا للنظام وقد تبع زيارة العربي إلى سوريا زيادة في العنف ضد الثوار السوريين...وهكذا فقد باتت الثورة السورية باريموتير على نجاح الدبلوماسية العربية والجامعة العربية في التعاطي مع الشأن العربي...وان لم تنجح الثورة والثوار المصريين في دفع الجامعة العربية على اتخاذ موقف تاريخي حاسم من النظام السوري فان هذا يعتبر بمثابة نعي وموت للجامعة العربية وعلى مصر الجديدة أن تبحث عن إطار عربي جديد لقياده النظام العربي الذي حتما باتت تتشكل ملامحه على أسس غير الأسس السابقة التي تصمت على ذبح شعب بأكمله كما حدث سابقا في مجزره حماه عام 1982. رابعا:التحرك المصري تجاه سوريا هو التحرك الوحيد القادر على أن يضع حدا للتدخل الإيراني في المنطقة عبر دعمه ماليا وعسكريا لنظام الأسد وتهديده المباشر وغير المباشر لدول الخليج...ومصر الآن أمام امتحان تاريخي لاعاده تأكيد دورها الإقليمي في العمل العربي ومسانده الشعوب العربية وهو يمتحن قدرتها السياسية على التأثير على المشهد السياسي العربي ومسك خيوط سياسيه تحركها حفاظا على تماسك ألامه العربية . خامسا: إن من احد إشكال انتصار أي ثوره في العالم هو قدرتها على تصدير مفاهيم الثورة ذات البعد الأخلاقي والإنساني...ومن المتوقع من الثورة المصرية ومصر الجديدة أن تؤسس لحاله عربيه جديدة يكون فيها احترام حقوق الإنسان العربي واحترام حقوقه احد هواجس مصر الجديدة...لذلك فبات من مسؤوليات مصر الجديدة هو الانتصار لأي شعب عربي يتعرض للقمع والاضطهاد من قبل نظام حكمه...والنظام السوري بلاشك هو أكثر الانظمه العربية إمعانا في الإجرام ضد شعبه. إن تأخر وارتباك الثورة والثوار المصريين أمام مشهد الدم والمجازر التي ارتكبت وارتكبها النظام الليبي ضد شعبها دفع الشعب الليبي إلى طلب العون الاممي...مما دفع الليبيين إلى الارتماء بالحضن الدولي...ولقد كان بإمكان مصر تجنيب الثورة الليبية هذه الحالة غير الصحية...خاصة أن مصر تشترك مع ليبيا بحدود وتاريخ مشترك...وكان بإمكان مصر حينها قياده تحالف عربي سياسي وحتى عسكري لنصره الشعب الليبي وصولا للاطاحه بنظام القدافي وبالتالي تكون مصر قد أعفت ليبيا عبء التدخل الأجنبي ولو كان على شكل محدود..وهذا ما نامله من مصر أن تجنب الشعب السوري التدخل الأجنبي فتقود تحالفا عربيا مع دول الخليج وتركيا يبعث رسائل واضحة للنظام السوري أن مصر الجديدة لن تترك الشعب السوري وحيدا تحت رحمه دبابات ورصاصات شبيحه النظام السوري . من المؤسف أن الموقف الدبلوماسي الذي صدر من القاهرة تجاه الثورة السورية هو موقف رئيس مجلس السياسيات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي الذي عبر بدون خجل عن دعم النظام السوري علانية بحضره وزير الخارجية المصري السيد محمد كامل عمرو...أيضا من المحير أن القوى الاسلاميه والسلفية منها على الأخص تخوض معاركه جانبيه عديدة تأكيدا على هوية مصر الاسلاميه وهو أمر ضروري ولكن سياسيه فقه الأولويات كان ومازال يتطلب من هذه القوى تأكيد هوية مصر الاسلاميه عبر حشد اكبر دعم سياسي وجماهيري مصري دعما لآخوه العروبة و الإسلام في الشام ...فبذلك تؤكد هوية مصر عبر الانتصار للدم السوري ...أليس من مقاصد الشريعة حفظ النسل والنفس...فهل يهنأ أحرار مصر وفي الشام وجع يدمي القلب والروح. نتمنى أن تشهد الأيام القليلة القادمة حراكا جماهيريا مصريا نصره للشعب السوري وصولا لتخصيص يوم جمعه لهذا الغرض لدفع النظام المصري على اتخاذ خطوات حازمه تجاه النظام السوري والتحرك عربيا في هذا الإطار...كما انه فقد بات من الضروري أن تحتضن القاهرة المعارضة السورية وتفتح لها الأبواب كافه بل وتتبناها سياسيا وإعلاميا بحيث نشاهد في الأيام القادمة مؤتمرات للمعارضة السورية في القاهرة فمصر أولى بالسوريين من عواصمبلجيكا وفرنسا. كاتب فلسطيني [email protected]