من الواضح أن الارتباك هو سيد المشهد فيما يخص الانتخابات البرلمانية المقبلة ، وكان الارتباك باديا من أول مرة عندما مرت ستة أشهر حددها الدستور لإطلاق الانتخابات البرلمانية ولم تنفذ ، وحاولت اللجنة العليا للانتخابات أن تخرج من هذه الورطة فقالت أنها بدأت عملها وتنتظر قانون تقسيم الدوائر وأنه لا يوجد سقف زمني يلزمها به الدستور لكي تنجز الانتخابات ، فهو قال متى تبدأ ولكن لم يقل متى تنتهي ؟! ، وهي خزعبلات قانونية لا معنى لها ، وعيب أن يلجأ إليها قامات قانونية ، فالدستور عندما حدد إجراء الانتخابات في موعد أقصاه ستة أشهر من التصديق على الدستور الجديد كان يعني بوضوح أن هذا هو موعد إنجاز الانتخابات فعليا ، وليس الاجتماعات للشاي والقهوة والسقف المفتوح الذي يمكن مده إلى ست سنوات ، بدعوى أن الدستور قال : تبدأ ، ولم يقل متى تنتهي ، هذا هزل في موقع الجد ، وظلت عملية التسويف والمماطلة ، وسط سيل متدفق من التشريعات التي يصدرها رئيس الجمهورية في صميم الأحوال الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تمس كل مواطن مصري ، في غيبة البرلمان ، ولولا أن هناك مؤتمرا اقتصاديا دوليا يفترض أن يعقد في شهر مارس المقبل وتعول عليه القيادة المصرية كثيرا لإنقاذ الاقتصاد المهترئ ، وأن المجتمعين في هذا المؤتمر ينتظرون استكمال خارطة الطريق كشرط لإطلاق عملية الإصلاح الاقتصادي ، لولا ذلك لما تمت الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية ، والتي حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي مسبقا بأنها في الربع الأول من العام الجديد . الارتباك أيضا كان واضحا على اللجنة العليا للانتخابات وهي تعقد مؤتمرها الصحفي للإعلان عن البدء بأعمال الانتخابات ، لدرجة أن اللجنة تعلن البدء في الانتخابات مع تأجيل فتح باب الترشح ، وهذه مهزلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البرلمان المصري ، انتخابات مع وقف التنفيذ ، ولم يظهر لنا أي مسؤول لكي يشرح لنا سر هذه "المعجزة" القانونية" الجديدة ، بدء الانتخابات وتأجيل فتح باب الترشح ، وأيضا كان الارتباك في جعل الانتخابات على مساحة زمنية تصل إلى حوالي شهر ونصف ، وهي أيضا لا سابق لها ، وتجعل هناك الكثير من الوساوس حول مدى تمتعها بالشفافية ، في ظل إمكانية التدخل في سير الانتخابات على مهل إذا ظهر في قسمها الأول أن النتائج ليست على "هوى" البعض . أيضا ، بدا الاضطراب واضحا على موقف الرئيس السيسي نفسه من تلك الانتخابات والمطلوب منها ، عندما طالب رؤساء الأحزاب أن يتفقوا على قائمة انتخابية موحدة لخوض الانتخابات ، بدلا من التنافس ، وهي من غرائب أي تصور للديمقراطية ، وربما هذا ما يجعلنا نقترب من صورة وطبيعة البرلمان المطلوب للمرحلة الجديدة عند صاحب القرار ، فهو أشبه بلجنة استشارية معاونة لشؤون التشريع ، واستكمال الشكل الدستوري للدولة وهياكلها ، وليس قوى سياسية مستقلة وتمثل حكومات ظل ، ولها رؤى ومشروعات إصلاحية في شتى المجالات وتبحث عن انتزاع أغلبية في البرلمان لتحقيق هذه المشروعات من خلال مؤسسة منتخبة بكامل الحرية من الشعب ومفوضة منه باختيار الحكومة التي تمثله ومراقبتها وتصحيح العوار التشريعي الذي تفشى في الدولة طوال العامين الماضيين ، وتقليم أظافر السلطة التنفيذية ووقف تغولها على كافة مؤسسات الدولة وعلى المواطنين أيضا . القيادة الآن ربما تتصور أن البرلمان المقبل أشبه بتنظيم الاتحاد الاشتراكي أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر ، في عصر ما قبل الأحزاب ، واللافت للنظر أن الأحزاب التي حضرت لقاء الرئيس لم تعترض على طرحه أو فكرته من حيث المبدأ ، وإنما رأت أن المشكلة في صعوبة التوافق ! . الاضطراب أيضا واضح في قانون انتخابات البرلمان نفسه وتقسيم الدوائر ، وهناك ما يشبه الإجماع بين خبراء القانون الدستوري على أنه معيب ولا يستقيم مع نص الدستور ، وأن المحكمة الدستورية ستقضي ببطلانه حتما إذا عرض عليها ، وبالتالي يتم حل البرلمان الجديد في وقت قد يقصر أو يطول ، حسب الحاجة والظروف !!