مصر منذ 3 يوليو 2013 وهي تشهد حالة إسهال تشريعي غير مسبوق ، سواء في فترة "المؤقت" عدلي منصور أو في فترة السيسي ، عدد كبير جدا من القوانين والتشريعات الجديدة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والتعليم وغير ذلك ، تم إصدارها على عجل ، وتم تشكيل اللجان المختصة بها على عجل ، وتم إنفاذ مقتضياتها على عجل في الواقع العملي ، إلا ما يتعلق بالبرلمان ، يتلكأ الجميع و"يستهبل" الجميع ، أحدهما قال لي أمس أن الدستور نص على أن تبدأ إجراءات الانتخابات في موعد أقصاه ستة أشهر من بدء العمل بالدستور ولكنه لم يحدد مدة لإنجاز الانتخابات ، فسألته : هل يعني ذلك أنكم ستفكرون في إنجاز انتخابات البرلمان عام 2020 مثلا ، نحن أمام نظام لا يفكر إلا في تحصين نفسه بكل صور التحصين وقمع أي معارضة محتملة ويخشى تماما أن تكون هناك رقابة شعبية أو مؤسسية من أي نوع ، حتى التشريع الذي رفضه مجلس الدولة أصدر السيسي قرارا بقانون لإنفاذه رغم أنف القضاء ، وقد صدرت تشريعات متعلقة بمنع التظاهر وتم سجن آلاف المواطنين والنشطاء بموجبها ، صدرت في سرعة البرق ، لأنهم كانوا يريدونها وحريصون عليها ، وصدرت تشريعات تتعلق بخنق الجامعات وأساتذة الجامعات وصدرت قوانين وتشريعات خطيرة تتعلق بالاقتصاد والمال العام ومنعت رقابة الشعب عليه من خلال القضاء ، تشريعات لا حصر لها صدرت بإسهال غريب وسرعة مدهشة ، إلا ما يتعلق بالبرلمان الذي هو قطب الحياة الديمقراطية وضمانتها، يتهربون منه ويراوغون ، أمس قال إبراهيم محلب رئيس الوزراء أنه أمر بتشكيل لجنة للانتهاء من تقسيم الدوائر الانتخابية ، فخرج له متحدث باسم رئاسة الجمهورية وقال أنه لن يتم تقسيم الدوائر الانتخابية قبل ترسيم الحدود الجديد للمحافظات ، وابقى قابلني !! ، وأعلى ما في خيلك يا مواطن اركبه . النظام الحالي غير راغب في وجود برلمان ، وقد صرح أكثر من واحد من قيادات الرئيس السيسي بذلك ، وبعضهم طالب بتأجيل الانتخابات لمنتصف العام المقبل ، وبعضهم زعم أن مقتضيات الأمن القومي "ذلك الصنم الخرافي الغامض الجديد" تمنع إجراءها في موعدها ، والسيسي نفسه قال للصحفيين في نيويورك أن البرلمان المقبل إذا فاز فيه الإسلاميون أو الإخوان بغالبية فإن الشعب سيسقطه ، وهو تصريح غريب جدا ومتناقض ، لأن النجاح يعني أن الشعب اختار ، فكيف يسقط الشعب من اختاره ، هل الذي ينتخب البرلمان المصري هو شعب البرازيل مثلا وبالتالي الشعب المصري سيرفض اختيار شعب البرازيل ؟!، ولكن العبارة التي فلتت منه كانت تعني الكثير عن القلق الذي يتملكه من البرلمان المقبل والخوف من وجوده ، وهو ما يفسر المماطلة الواضحة وضوح الشمس في إنجاز الانتخابات ، خاصة وأن عمليات التفصيل والسيطرة المسبقة التي عهد بها لبعض "الوكلاء العجائز" فشلت حتى الآن في تحقيق ضمان جبهة قوية تمثل السيسي وتكون لها الغالبية في البرلمان إذا أجريت الانتخابات ، والحقيقة أن قلق "جبهة السيسي" ليست فقط من الإسلاميين ، بل من "جبهات" أخرى أكثر خطورة وقدرة ، بعضها يتصل بالنظام السابق ورجاله ومصالحه وبعضها يتصل بدوائر رجال أعمال تشعر بقلق من خطط اقتصادية للمؤسسة العسكرية . السيسي قبل حوالي أربعة أشهر قرر أن يشكل برلمانا خاصا "ميني برلمان"، يقوم بأعمال التشريع ويرفعها إليه لإقرارها ، هو الذي يختاره وهو الذي يطلب منه وهو الذي يوجهه وهو الذي يقرر ما يختاره من تشريعاتهم أو يرفضه ، سمى هذا البرلمان "الصغير" أو "الميني برلمان" باللجنة العليا للإصلاح التشريعي ، وأصدر بها قرارا جمهوريا حدد عضويتها ومجال عملها وهو نصا : (تتشكل اللجنة برئاسة إبراهيم محلب، رئيس الوزراء- ويحل محله عند غيابه وزير العدل- ووزير شؤون مجلس النواب، ووزير العدالة الانتقالية، ورئيس مجلس الدولة، ومفتى الجمهورية، ووكيل الأزهر، ورئيس هيئة مستشاري رئيس الوزراء، ورئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، ومساعد وزير العدل لشؤون التشريع، وثلاثة من أساتذة الحقوق بالجامعات يختارهم المجلس الأعلى للجامعات، وكذلك اثنان من رجال القضاء، واثنان من المحامين، وثلاثة من رجال القانون يختارهم رئيس الوزراء ، وتختص اللجنة العليا للتشريع، بإعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء اللازم إصدارها أو تعديلها أو التي تحيلها إليها الوزارات والجهات المختلفة لمراجعتها وتطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة لضمان عدم تعددها أو قصورها أو تناقضها أو غموضها والعمل على ضبطها وتوحيدها ، كما تختص اللجنة ببحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين الرئيسية، بهدف تطوير التشريعات وتوحيدها وتجميعها، وبحث ودراسة المشروعات التي يري رئيس اللجنة العليا عرضها عليها ، كما تشكل اللجنة العليا لجانا فرعية لإعداد وتطوير التشريعات في المجالات الاقتصادية، والتشريعات الإدارية، والتشريعات الاجتماعية، والتشريعات التي تخص الأمن القومي، وتشريعات التقاضي والعدالة، وتشريعات التعليم) ؟!! هذه اللجنة كما هو واضح تقوم بكل أعمال البرلمان ويتشكل من خلالها أيضا لجانا "برلمانية" متخصصة ، في جميع شؤون الدولة ، ولكنها تختلف عن البرلمان في جانبين فقط وهما "حق الرقابة على السلطة التنفيذية" وأن يكون اختيارها من الشعب وليس من رئاسة الجمهورية ، هذه هي نوعية البرلمانات المطلوبة للمرحلة المقبلة ، برلمانات ملاكي ، أشبه بلجان إدارية ، يصدر قرار بتشكيلها ويصدر قرار بفضها ، وحتى يتم "تأمين" خريطة مثل هذا البرلمان المنتظر ، يتحتم المراوغة والتأجيل والتسويف في إجراء انتخابات البرلمان ، ويتم الاستعاضة عنه "بالميني برلمان" .