يبدو من الوضع التى تعيشه مصر بعد الثورة, أنّ الأوضاع الإدارية المتخلفة فى الجهات الحكومية, ستظل كما هى لمدة زمنية ليست بالقصيرة, ورغم انهيار النظام الحاكم وذهابه بلا رجعه, إلى غياهب التاريخ, لكن نظامه الإدارى العقيم, الذى كان يدير به شئون البلاد, ويتحكم به فى مصائر العباد, هذا النظام المتخلف الرجعى, كان السبب المباشر, فى معظم الأزمات التى عاشتها مصر, طيلة تاريخها الحديث, هذا النظام مازال هو سيد الموقف فى مصر, فمعظم الجهات الحكومية, مازالت على رجعيتها الإدارية, دون أدنى أمل فى إحداث التغيير المشود, فى السياسات الإدارية الحديثة, التى تتماشى مع متطلبات العصر الحاضر, وتتواكب مع النهضة االشاملة, التى يرجوها شعب مصر, على كل الأصعدة وفى كافة المجالات. فلو ذهب أى مواطن لأى جهت حكومية, خاصة الخدمية منها, طلبا لاستصدار تصريح ما, أو لإنهاء بعض الإجراءات, لوجد الحال كما كان قبل الثورة, لاجديد يُقدم, ولا خدمة موجودة, ولا أسلوب متحضر فى التعامل, فالموظف كما هو قبل الثورة, مكفهر الوجه, متجهم الملامح, يملئ صوته عدم اللامبالاه, أو التحفز والعدوانية أحياناً, ولا يهمه مصلحة المواطن أو العمل المنوط به, ولو سألته مستوضحاً عن كيفية إنهاء إجراء معين, لن تجد إجابة واضحة, أو لن يعيرك سمعاً, وكأنك غير موجود أمامه بالمره, فما زالت التعقيدات الإدارية كما هى, ومازال الروتين الإدارى هو الحاكم الوحيد, والمسيطر على مجريات الأمور. ولنضرب مثالاً بهذا الهُراء الإدارى, الذى يسير العمل العام فى مصر, والموجود فى الجامعات المصرية, عندما يفكر المرء فى استكمال الدراسة مابعد الجامعية, نجد طلبات وأوراق ونماذج وشهادات........وخلافة, فمثلاُ لعمل دبلومة تربوية, نجد مطلوب أصل الأوراق الآتية: شهادة المؤهل والموقف من التجنيد و شهادة الميلاد الكمبيوتر- أى أن الشهادة الورقية التى تصدرها وزارة الصحة للمواليد الجدد, غير معترف بها - وصورة البطاقة الشخصية, وبعد كل هذا, مطلوب تصوير الأربعة طلبات السابقة, صورتين وتكون كل صورة مختومة بشعار الجمهورية صورة طبق الأصل, وبعد هذا مطلوب شهادة من اثنين من الموظفين الحكوميين, مختومة بشعار الجمهورية, مفادها أنك غير ملتحق بأى عمل حكومى أو قطاع خاص, واقرار بأنك متفرغ تماماً للدراسة, ولحضور المحاضرات بصورة منتظمة. العجيب فى الأمر ويدل على قمة التخلف الإدراى, أو العقد النفسية التى تتحكم فى سير العملية الإدارية فى الجامعات, أن إدارة الكلية تقوم بالاحتفاظ بأصل الأوراق وصورها, المختومة صورة طبق الأصل, مادامت أصول الأوراق سيتم الاحتفاظ بها, فما هى سبب طلب صورة طبق الأصل من الأوراق, هل هى عملية تعقيد لكل من يحاول استكمال الدراسات العليا؟ أم أنه عملية تقضية وقت الفراغ؟ فيحاول الموظفون شغله بمثل هذه الطلبات الغير منطقية, وما هى الحكمة فى شرط التفرغ؟ معنى ذلك أن أى طالب سيتقدم لنيل الدبلومة التربوية مثلاً, مطلوب منه أمرين لا ثالث لهما, إما أن يترك عمله الذى يتكسب منه قوت يومه, أو أن يظل عاطلاً ولا يبحث عن عمل, لحين انتهائه من دراساته العليا. وعندما تسأل الموظف المختص, يعلل سبب التفرغ, لأن الطالب لابد أن يحضر محاضراته, ولا يتغيب عنها إلا بنسبة معينة, لأنهم يطبقون نظام الحضور والغياب, وكأنهم يريدون ازدياد الزحام فى الجامعات, فإذا كان الطالب الجامعى لايستطيع أن يجد لنفسه كرسى فى قاعة الماحضرات ليجلس عليه, ويضطر أغلب الطلاب للوقوف من شدة الزحام, فهل المسئولون فى الجامعات يريدون زيادة الطين بلة, لماذا لا تكون هناك مواعيد دراسة مسائية؟ لغير المتفرغين, كما يحدث فى الدول المتحضرة, هل يريد المسئولون أن تظل مصر فى هذه الحالة من التردى الإدارى, وهذه الرجعية فى نظام العمل, الذى يؤخر مصر أكثر وأكثر. لايعقل أن أن تكون الأمور بهذا التعقيد, خصوصا وأنّ طالب الدراسات العليا, يدرس بفلوسة ويتعلم بماله, ولا تطبق عليه مجانية التعليم, أى أنه مصدر ربح للجامعة, بما يدفعه مقابل تعليمه, فكان من ألأولى أن يتم تيسير إجراءات التحاقه بالجامعه, والعمل على أن مواعيد جدول المحاضرات مناسبة له, خاصة وأن أغلب طلاب الدراسات العليا, يعملون بالنهار. كاتب مصرى