وزير الخارجية سامح شكري زار العراق مرتين خلال 6 أشهر فقط، وهي الفترة التي قضاها حتى الآن في أول حكومة بعد تنصيب السيسي رئيسا، حكومة إبراهيم محلب. لا أدري من هو وزير الخارجية الذي زار العراق منذ تأزمت العلاقات معه بعد احتلاله الكويت في 2 أغسطس عام 1990، وكان لمصر دور بارز في حشد دعم عربي ضد هذا الغزو، ثم مشاركتها في التحالف الدولي لتحرير الكويت. كما لا أدري من هو الوزير الذي زار العراق بعد سقوط صدام ونظامه، واحتلال الأمريكان للبلد في مارس 2003 ، فقد تأزم وضع العراق، وصار القتل فيه على الهوية، كما صار الدم بحورا، واختطاف وقتل السفير المصري في بغداد جمد العلاقات، وجعل مصر تبتعد عن العراق الذي لايزال منكوبا، فلم يتحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد، كما لم يشهد ديمقراطية حقيقية خلال عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي - 8 سنوات - الذي عمق المحاصصة والطائفية، وحول العراق إلى محرقة كبيرة باحتكاره السلطة، وإقصائه للشركاء السياسيين، وتبعيته لراعيه في طهران، وقد خرج من المنصب بطريقة مذلة غير مأسوف عليه، بل اعتبر كثير من العراقيين ساسة وطوائف وأحزابا ومواطنين أنهم تحرروا من احتلال المالكي. جاء حيدر العبادي رئيسا للوزراء بترحيب ودعم عربي وعالمي، وتفاؤل داخلي على أمل أن يعيد لملمة العراق الذي تحول لأشلاء بفضل المالكي المستبد، والآمال معلقة على هذا الرجل في إزالة مظالم 11 عاما منذ غزو العراق خصوصا على أهل السنة، والحفاظ على العراق موحدا بلا مخططات تقسيم طائفي وقومي، والحكم دون محاصصات، وإزالة التوترات بين مكونات الشعب، ولجم الميليشيات المذهبية المتورطة في سفك الدماء، ودمج العراقيين جميعًا في الوطن بغض النظر عن ولاءاتهم السياسية والمذهبية والطائفية والقومية ليكون ولاؤهم الوحيد لوطن يتسع للجميع لا تفرقة فيه، بل مساواة كاملة، والحد من نفوذ إيران الطاغي في العراق الذي صار خلال سنوات المالكي ملحقا بطهران كأنه محافظة إيرانية، وبات قراره في أيدي الولي الفقيه الجالس في قم، والأمل على العبادي أن يعيد العراق إلى عروبته وحضنه ومجاله العربي الطبيعي، وسحبه من الحضن الفارسي، ومن الفرسنة، وتغييب هويته وطابعه وتاريخه وثقافته وحتى لغته ففي بعض المناطق يتعطل الحديث بالعربية أو اللهجة العراقية لتحل محلهما الفارسية. والتحدي الأكبر أمام العراق وجيرانه هو تنظيم "داعش" الذي يخلط كل الأوراق، والذي لا يعمل إلا لصالح إيران ونظام الأسد، فهو حتى لا يفيد أهل السنة، بل يقتل منهم الكثير، وقمعه لهم بلا حدود، هذا التنظيم وبخطابه ولغته وتحركاته وسلاحه يجعل إيران تواصل اللعب على الوتر المذهبي بدعوى مواجهة هذا العدو فتحشد خلفها الشيعة باعتبار أن "داعش" يستهدفهم ويستهدف مقدساتهم، كما أنه يساهم في تبييض وجه نظام وحشي في سوريا قتل أكثر من 200 ألف من مواطنيه حيث يجعل الأقليات تزداد اصطفافا وراء النظام الدموي ويجعل القوى الكبرى تغض الطرف عن الأسد لتحارب العدو الأخطر وهو "داعش"، ولذلك ربما تعيد تأهيل النظام باعتباره أفضل لها ولمصالحها من التنظيمات المتطرفة. في كل هذه الملفات العراقية تجد تماسا للسياسة المصرية معها مثل وحدة العراق، وإزالة الخلافات بين أركان الحكم ومكوناته الثلاثة الكبرى الشيعة والسنة والأكراد، ومحاربة الإرهاب، وبالذات تنظيم "داعش"، وسحب العراق من الهيمنة الإيرانية إلى محيطه العربي باعتباره يمثل البوابة الشرقية للعرب، واستعادته لدوره تسهم في صيانة الأمن القومي العربي، علاوة على أن العراق مجال حيوي للمصالح المصرية، فاستقراره يعني مساهمة مصر في إعادة الإعمار، وفي مشروعاته وخططه التنموية، وعودة العمالة المصرية التي شهدت ازدهارا تاريخيا خلال حكم صدام. من الجيد أن تتواجد مصر في العراق، وتضطلع بدورها العربي، وتستعيد مكانتها وتأثيرها، ومن الجيد أن تكون القاهرة قبلة للساسة العراقيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الذي زارها مؤخرا وخرجت منه تصريحات عديدة. هذا النشاط للسياسة الخارجية المصرية ضروريا، وهى تنفتح في الدوائر العربية والأفريقية حيث المصالح المباشرة، كما تنفتح في الدوائر الغربية والآسيوية، وعليها ألا تهمل أمريكا اللاتينية، ففيها تجارب نمو وتحول ديمقراطي ناجحة، لكن لا بد من إدراك أن تعزيز العلاقات مع بلد لا يجب أن يكون على حساب بلد آخر كما حصل مؤخرا مع الجزائر والمغرب. فهم مبررات التحول المغربي تجاه السلطة وإزالة التوتر ضروري، وقد قرأنا أن وزير الخارجية يعتزم زيارة الرباط، وهذا جيد، فالسياسة الخارجية يجب أن تكون منفتحة على الدوام. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.