الحادث الإرهابي الذي ضرب مجلة "شالي أيبدو" وسط العاصمة الفرنسية باريس، أثار في ذهني عددًا من التساؤلات والمخاوف حول وضع مسلمي أوروبا والعالم، ومن المستفيد من الهجوم وحدة التوتر داخل المجتمع الأوروبي برمته؟، الجميع يعلم أن العرب والمسلمين عانوا من حادث 11 سبتمبر عام 2011 والذي ضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية وما زلوا، كما يدركون جيدًا طبيعة المجتمعات الغربية التي تنظر للإسلام على أنه دين عنف وسط ماكينة إعلامية ضخمة مهدت تربة خصبة للعداء. التمعن في الواقعة التي راح ضحيتها ثلاثة من أشهر رسامي الكاريكاتير في المجلة، يرى صعوبة تنفيذ العملية بكل هذه السهولة، دون تقديم معلومات لوجستية وتخطيط دقيق تتبناه جماعات تنظيمية واحترافية وسط شوارع باريس الضيقة، فضلاً عن صعوبة الحصول على السلاح داخل المجتمعات الأوروبية التي تحرم تداول وتجارة السلاح.
الكاتب البريطاني الشهير "روبرت فيسك" يحلل الحادث بنظرة مختلفة، منذ أن تلقى خبر الهجوم على الصحيفة، حيث وجد كلمة الجزائر تتردد داخل رأسه، وعندما عرف هوية المهاجمين على مقر المجلة -الأخوان سعيد وشريف كوشي- وأصلهما الجزائري وجد الكلمة تتردد بقوة أكبر داخل رأسه.
يعود "فيسك" في تحليله إلى فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر والظروف التي أحاطت به، وحرب التحرر الجزائرية من العام 54 حتى 1962 التي شهدت وحشية من قبل المحتل الفرنسي الذي حصد أرواح ما يقارب مليون ونصف المليون من الجزائريين، وهى جرائم غير معترف بها حتى الآن من قبل فرنسا، فضلاً عن مشاركتها في حرب الجزائر على الإسلاميين في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
ولكن عندما أحدق النظر في الواقعة أجد أن مردودها أكبر من ذلك بكثير، والأمر الذي يدفعني في الاختلاف مع "فيسك"، حيث إن الجزائريين هاجروا إلى فرنسا وعاشوا بها ومنهم من حصل على الجنسيات وأصبح جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي مثل غيرهم من العرب والمسلمين دون أن يحدث أي عمليات إرهابية.
فرنسا تعتبر من أكبر الدول الأوروبية العامرة بالمسلمين والعرب، ما زاد من هواجس بعض الغربيين المتطرفين والكارهين للإسلام والمتخوفين من توسعه، فضلاً عن انطلاق العديد من المظاهرات في الدول الأوروبية الرافضة لأسلمه الدولة والدعوة بوقف الهجرة تحت رعاية اليمين المتطرف واليهود الأوروبيين.
يمكن القول إن المجلة لعبت على العقائد الدينية لإثارة مشاعر المسلمين المهاجرين، ما يدفع البعض لدافع الانتقام أو التهديد بسبب الاعتداء على معتقداته، كما أجزم أن المجلة أو غيرها من الوسائل الإعلام الغربية لا تستطيع أن تسخر من الديانة اليهودية وإلا حوكمت بتهمة معادية للسامية خاصة أن جماعة اللوبي أكبر جماعة ضاغطة على الرأي العام في العالم.
إثارة مشاعر المسلمين في أكثر من دولة أوروبية يؤكد أن الإسلام يتعرض لعملية تشويه ممنهجة ودقيقة، وليس معنى ذلك أني لا أدين الحادث الإرهابي الجسيم الذي يمثل اعتداءً على حرية الرأي والتعبير، ولكن أيضًا أرفض الإساءة للرسول صل الله علية وسلم أو أي دين سماوي آخر.
المجلة لعبت على إهانة المسلمين واستفزت مشاعرهم ولكنها أخطأت التقدير في رد الفعل، ولم تتوقع أن يكون الهجوم بكل هذه الطريقة الوحشية، لأنها تدرك جيدًا خطر ذلك على المسلمين في أوروبا بل العالم بأثره.
ربما نذهب لتحليل آخر وهو أن العملية بها طرف آخر لعب عنصر العداء للمسلمين وتشويه صورته خاصة أن فرنسا تشهد عددًا من العمليات الإرهابية قبل وعقب حادث المجلة، فضلاً عن تبني فرنسا مواقف إيجابية إيذاء القضية الفلسطينية وتصويتها في مجلس الأمن لصالح إقامة دولة فلسطين والذي كان بمثابة صدمة لإسرائيل. الكيان الصهيوني من مصلحته صعود اليمين المتطرف الذي يكن العداء للمسلمين في أوروبا والذي حصد 25% في انتخابات البلدية السابقة، ومن المؤكد أن يفوز بنصيب الأسد في الانتخابات القادمة على حساب اليساريين، وسط تراجع شعبية الرئيس فرانسوا هولاند.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول الاستفادة من الحادث، ودعا يهود فرنسا، للعودة إلى إسرائيل، وشن حملة واسعة النطاق ضد الإسلام، متناسيًا التطرف الإسرائيلي الذي يستهدف حياة الأبرياء ويخلف سنويًا مئات الضحايا في فلسطين، وأن مسلم حمى حياة العشرات من الرهائن داخل محل الأطعمة وسط باريس والذي راح ضحية 4 من الرهائن ومقتل رجل أمن مسلم في الهجوم على المجلة الساخرة. الأمر في مجمله خطير سواء للعرب والمسلمين أو فرنسا التي تواجه محنة حقيقية بكل المقاييس، وسط تخطيط شيطاني لعمليات إرهابية يعجز أفراد عن القيام بها داخل المجتمع الفرنسي.. فضلا عن البركان الذي يعيش فوقه منطقة الشرق الأوسط والظهور الغريب والمريب لدولة الإسلامية "داعش" والتحدي الصعب للإسلام والمسلمين في شتى بقاع العالم. سلامٌ على الدولة التي توقفت على حدودها الفتحات الإسلامية وسكنها المهاجرين من البلاد الأندلس.