وأخيرا انتصر الشعب الليبي على الطاغية وعصابة أبنائه ، وتم تحرير طرابلس العاصمة من القتلة والمجرمين الذين ساموا الشعب الليبي سوء العذاب ونهبوا ثرواته على مدار اثنين وأربعين عاما ، الفرحة الطاغية التي رآها العالم كله على وجوه مئات الآلاف من الليبيين الذين طافوا شوارع طرابلس أو ميادين بني غازي ومصراته والذي وصل إلى حد الصراخ الهستيري غير المصدق أنهم تخلصوا من الطاغية ، وأن "القذافي" المجنون أصبح من التاريخ ، كل هذه النشوة تكشف عن حجم الكبت والضغوط والهوان الذي كان يستشعره الليبيون تحت وقع واحد من أعتى النظم القمعية والإرهابية في المنطقة العربية . من يعرف الشعب الليبي عن قرب أكثر يعرف كم هو شعب طيب ومتسامح وكريم ، ويتميز بحالة من التدين الفطري البسيط والعميق ، وهذا ما اختطفه منهم القذافي ، وحول ليبيا إلى مزرعة لجنونه وأفكاره الشاذة ، كإصداره الكتاب الأخضر الذي اعتبره قرآن الدولة اللييبة والنظرية الثالثة العالمية بعد الماركسية والرأسمالية ، وفيه من التخاريف والعجائب ما كان مثار التندر والتنكيت الدائم ، ولكن عشرات مليارات الدولارات التي كان ينفقها على الدعاية له ومؤتمراته كانت كافية لفرضه على مناهج التعليم والإعلام وسيف الأجهزة القمعية جاهز لقطع أي لسان يمكن أن ينقد ولو سطر مما ورد فيه ، وفرضه التدريس باللغة الروسية على المدارس عدة أشهر لأنه رأى أنها لغة قوى التحرر ، ناهيك عن الجرائم الوحشية التي كان يرتكبها في حق الطلاب الذين عارضوه في الجامعة وتعليقهم على المشانق في ساحات الجامعات والتنكيل بجثثهم على الهواء ، وقتله ألفا ومائتين من المعتقلين السياسيين في ليلة واحدة حصدا بالرشاشات في أحد سجونه ، وفرضه حالة من الخوف والهيمنة الأمنية والاستخبارية المروعة على عموم ليبيا ، ونجاحه في سياسة شراء ذمم أجهزة أمنية رسمية إقليمية وبعض أصدقائه من الطغاة الذين كانوا يبيعون له معارضيه كما تباع الخراف في الأسواق حيث يتم خطفهم في العواصم المختلفة وشحنهم إليه لكي يشفي ظمأه بقتلهم على مهل أمام عينيه ، ودع عنك نهبه المنظم والمستمر لخيرات ليبيا ، وفرضه الفقر والهوان الاجتماعي والاقتصادي على الليبيين ، وقد رأيت بنفسي في بعض السنوات طوابير الشعب الليبي وهي تقف أمام مجمعات استهلاكية للحصول على خبز أو دجاج مجمد ، وفي بعض الأوقات كان وجود أعواد ثقاب الكبريت من الترف ، والبنية التحتية شبه منعدمة والمرافق العامة من أسوأ ما تراه في العالم الثالث ، وكل ذلك يحدث في بلد هو الأغنى في العالم النفطي على الإطلاق ويملك ثروات ضخمة ، كان القذافي كتلة من الإجرام واللصوصية والوحشية لا يمكن تصورها ، وكان الإحباط هو المهيمن على الشعب الليبي الطيب والإحساس بالعجز عن مقاومة هذا الجبروت فضلا عن إزالته . حتى كانت رياح التغيير والثورة التي هبت على بلاد العرب خلال الأشهر الأخيرة ، وأسقط التونسيون آخر عناقيد منظومة القمع والديكتاتورية في بلادهم زين العابدين بن علي الذي اضطر للهرب ، كما أسقط الشعب المصري نظام الاستبداد والفساد والهيمنة الأمنية وأزال نظام مبارك ، وانتفضت سوريا واليمن وليبيا ، لأن الشعوب أصبحت تؤمن بأنه "ممكن" ، ممكن كسر الطغاة ، وممكن تحديهم ، وممكن إزالة ملكهم ، كانت انتفاضة الليبيين عملا خارج نطاق العقل والتصور ، لم يكن الشعب الليبي يملك شيئا يقاوم به أمام طاغية وهو وأبناؤه الأربعة استولوا على كل شيء ، المال والسلاح والإعلام والأمن والدعم الخارجي ، لكن روح "ممكن" ألهبت المشاعر وخرج الليبييون إلى الشوارع رغم حصدهم بالرشاشات والدبابات والطائرات ، قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لتحييد آلة التدمير والسلاح الثقيل والطيران في ليبيا ، فقاوم الليبيون وصبروا حتى من الله عليهم بالنصر المبين . مبروك أهلنا في ليبيا ، انعم أيها الشعب الجميل بالحرية والكرامة ، ستعود ليبيا الحرة الطيبة حصنا للعروبة والإسلام والعلم والثقافة والدين ، وبلاد العرب ستكون أجمل وأروع بدون هذه الوجوه الكئيبة من الطغاة الذين سقطوا والذين هم في طريقهم للسقوط بإذن الله . [email protected]