لا استحق أن يعيش من عاش لنفسه فقط .. ولا استحق أن يحيا من ترك جزءا من جسد أخيه ينزف أمام عينيه ولم يسع بكل قواه لمداواته.. ولا استحق أن يبقي بناء لا تهتم اللبنة فيه لانهيار تلك اللبنة التى تجاورها وتسندها. معذرة أخي ولكن هل تعلم انك على الأغلب لن تتم قراءة هذه الرسالة حتى يضاف لعداد الأموات طفل آخر فى تلك البقعة المنسية التى تدعي الصومال. وعلى الأغلب فقد رحل في صمت لا لشيء إلا لأنه لا يقدر على الصراخ من شدة هزاله وضعفه. هل تسمح لى أخي الكريم بداية بتنشيط ذهنك ببعض المعلومات الأساسية عن هذا البلد الشقيق الذي نحن بصدد الحديث عنه: فهل تعلم أن الصومال دولة مسلمة بأكملها؟ وأن نسبة غير المسلمين فيها لا تتجاوز 1% وهل تعلم أن الصومال من أوائل الدول التى وصل إليها الإسلام وذلك قبل هجرة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- الي المدينة المنورة؟ وهل تعلم أن هجرة المسلمين الأولي إلى الحبشة فرارا من إضطهاد قريش، وبعد أن أذن لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، هل تعلم أن جزءا من هذه الأرض هي الصومال الآن؟ وأن الميناء الذي استقبل المسلمين وقتها هو ميناء زيلع فى شمال الصومال؟ وهل تعلم عزيزي القارئ أن الصومال دولة عربية ويتقن أغلب سكانها اللغة العربية إتقانا تاما؟ وهل تعلم أن الكلمات العربية في اللغة الصومالية قد تصل إلى 40% من مجموع الكلمات وأن الابجدية الصومالية تتفق مع العربية في ترتبيها اللغوي وأنها حتى تحتوي على حروف الحلق التي يصعب على الأعاجم النطق بها كالحاء والعين. هذه كانت بعض المعلومات عن هذا البلد المسكين الذي اجتمعت عليه أشباح الحرب والجوع والمرض والنسيان حتى وصل الحال فيها إلى ما نراه الآن. والشيئ الذي أردت تاكيده بسوق هذه المعلومات أن أذكر أننا نتحدث عن قطر شقيق نجتمع فيه معه على اللسان والدين والتاريخ والجوار، ولا يفرق كثيرا عن تونس أو السعودية أو فلسطين. لا أصدق أننا نحيا فى الألفية الثالثة حيث العالم قرية صغيرة، تنتشر الأخبار فيها أسرع من انتشار النار فى الهشيم، أتعجب ونحن فى هذه الألفية أن نري شعبا ينزف حتى الموت ولا يقدم العالم له يد عون. تقول الاحصاءات أن أكثر من 300 طفل يموتون يوميا أي بمعدل طفل كل أقل من خمس دقائق. شاهدت أحد مقاطع الفيديو المرعبة لطفل صومالي يحتضر، تتلاشي أمام نظرة عينيه الحزينة الصامتة كل مبررات خذلان هذا الشعب المسكين. أريد من يجيبني صدقا كم ينبغي أن يموت من أطفال الصومال ليدرك العالم حجم هذه المأساة؟ وكم ينبغي أن تنتظر الأمهات من الوقت هناك لتدركهن رحمة العالم؟ الغريب أن مجلس الأمن الدولي أعلن عن نيته لعقد مؤتمر عالمي خاص بالصومال فى سبتمبر المقبل، فلتقبل على مهل يا سبتمبر فأطفال الصومال ليسوا فى عجلة من أمرهم فانتظار الموت لا يستغرق الكثير من الجهد منهم، وليس عندهم أمر آخر يشغلهم حتى تتفضل وتأتيهم. إننا وبلا أي مبالغة أمام اختبار حقيقي للإنسانية كلها، وللأسف فإن التحركات العالمية تجلب خيبة الأمل، فعلى الصعيد العربي والإسلامي فإن التحركات الرسمية لا تزال تثير علامات استفهام بعدد كل طفل مات ولم يجد بعد يد العون التى تقدم إليه من إخوانه الأقربين. ومثلها علامات تعجب تحيط بكل مسئول عربي لم نر له ولو تصريحا يتعاطف فيه مع أهل الصومال الأشقاء. وصدقا لا أدري أين ذهبت مروءة حكامنا وزعمائنا الكرام وإنسانيتهم المرهفة وأين اختفي كرمهم الحاتمي الذي ظهر إبان كارثة إعصار كاثرينا الذي ضرب سواحل أمريكا 2005 حتى تبرعت دولة عربية واحدة ب 250 مليون دولار مما وصف وقتها بانه أكبر تبرع تحصل عليه امريكا من جهة أجنبية! وصدقا لا أدري نوعية السائل الذي يجري فى عروق هؤلاء المسئولين فيجعلهم يقبلون على أنفسهم أن يجليوا فى بيوتهم ليتابعوا من وراء شاشات التلفاز أردوغان وهو يتجول هناك بين المنكوبين، ويمد لهم يد العون وذلك بعد أن أعلنت أنقرة تبرعها ب 150 مليون دولار نجدة مبدئية للصومال، وأرسلت أسطولا طبيا من قبل. وصدقا لا أدري ما هو شعور هؤلاء الكبار وهم يستمعون إلى أردوغان وهو يخاطب العالم من الصومال قائلا عن سر تحركه الجاد: "نحن من قوم النبي الذي يقول ليس منا من بات شبعانَ وجاره جائع.. الشعب الصومالي ينظر إلينا فهل نشيح بوجوهنا عنه؟" لا اعرف صدقا بم يشعرون لكني الآن أعرف شعور أردوغان، فشكرا لك سيدي أردوغان .. شكرا لك أيها الفارس العثماني النبيل .. شكرا لك ألف مرة أن عريت العرب بل العالم كله أمام مرآة التاريخ التى لا ترحم .. وشكرا لك ان أسقطت تلك الحجج التى ساقوها بغياب الأمن عن الصومال لتبرير تخاذلهم عن نصرة هذا الشعب المنكوب، فصفعت وجوههم جميعا بأن اصطحبت معك زوجتك وأبناءك لتخرسهم جميعا. هم لا يعلمون أن رصيد البطولة تراكمي، وأن منسوب الحب في القلوب تراكمي كذلك، وهأنت ذا تضيف إلى رصيدك جديدا كل يوم وترفع منسوبك في قلوب كل العرب والمسلمين ومنصفي العالم كل يوم، وكما كنت أسدا جريئا وقف محدقا بلا خوف فى عين إسرائيل لتعلن لها وللعالم انك لا ترهبها مدافعا عن حق أهل غزة المعتدي عليهم، فهأنت ذا تمسك العالم هذه المرة من كتفيه وتهزه هزا ليفيق من سكرته وتوجه الأنظار إلى شعب تأبي له أن يموت فى هدوء. شكرا لك ثانية أيها العربي الأصيل الأأكثر عروبة ممن ولدوا من بطون عبس وتميم وذبيان. ولا يعزينا سوي هذا الحراك العربي الشعبي والجماهيري والذي تفاعل مع القضية من المحيط للخليج بكل كيانه، متبرعين بأموالهم حتى ولو كانت قليلة، باذلين زكواتهم رافعين أياديهم مبتهلين لله يدعون لإخوانهم .. ولسان حالهم يقول: معذرة ربنا فليس عندنا ما نقدمه لإخواننا سوي أيادينا المرفوعة بالدعوات وقروشنا التى نعلم انها لن تغني عنهم كثيرا لكنها هي ما نملك! وأخيرا على المستوي العالمي فاعتقد أن الحضارة الغربية التى خاطبها أردوغان قد رسبت بامتياز حتى الآن وبان عوارها وهي تغض الطرف عن طفل يموت كل خمس دقائق، وعن كارثة توشك أن تعصف بأمة من الناس، وانكشف ميزان حضارتهم المختل، وسقطت شعاراتهم الجوفاء عن حقوق الإنسان والحريات وباقي الترهات. ولا أعرف بم تلك النظرة الصامتة المتألمة فى عيون أطفال الصومال وهم يرقدون على بطونهم ينتظرون الموت، هل أصارحهم بالحقيقة، هل أخبرهم عن سبب خذلان العالم لهم، وتأخر نجدته إياكهم؟ حتى لا يطول انتظارهم لنجدة لن تأتي وهم أحياء؟ معذرة يا أطفال الصومال الأعزاء .. مضطر أن أخبركم أنه لو كانت بشرتكم أكثر بياضا وعيونكم أكثر زرقة لتغير الأمر يقينا، لكن حتى يحدث هذا التغيير تقبلوا قدركم ونرجوكم إذا كنتم مصممين على الموت الآن فرجاء أن تحاولوا أن تموتوا فى صمت حتى لا تؤذوا مشاعر العالم المرهفة. ومعذرة أختى الأم الصومالية ... فليس لدي كلمات أعزيكي بها عن فقدان فلذات أكبادك الواحد تلو الآخر وأنت تنظرين إليهم وأرواحهم تزهق وهم فى أحضانك، ولا أحد يتخيل مدي ما تتحملين من آلام لا لجوعك وتعبك انت، "بل لحيرتك في إختيآر الأبن آلذي تعطيه آلقليل من آلطعآم ل يموت آلآخر"[1] !! "حسبنا الله ونعم الوكيل". أيمن السكري [email protected]