يستوجب النظام الإداري للدول وجود ثلاث سلطات رئيسية من خلالها تُدار البلاد, وهذه السلطات هي: السلطة التنفيذية, السلطة التشريعية, السلطة القضائية. الأولى يمثلها رئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء, وفقاً للنظام المعمول به رئاسياً كان أم برلمانياً. والثانية هي المجالس الشعبية التي تضم في عضويتها ممثلين عن مواطني الدولة وهي البرلمانات أو مجالس الشيوخ أو مجالس اللوردات أو مجالس الشعب أو الأمة, إلى غير ذلك من المسميات التي تختلف من دولة إلى أخرى. وثالث وأهم هذه السلطات وعمودها الفقري هي السلطة القضائية التي تتكون من النظام القضائي وما يوفره من عدالة عامة مُجردة عن الهوى للجميع بلا تمييز. وفي الدول التي تحترم أنظمتها مواطنيها, يتم اختيار الحكام بالانتخاب الحر المباشر الغير مُقيد ولا مُفصل على مقاس شخص واحد. كما يأتي أيضاً نواب الشعب ممثلين تمثيلاً حقيقياً لرغبة مواطنيهم الذين يختارونهم اختياراً حراً نزيهاً, دون تصريحات التمجيد للعملية الانتخابية التي تُكيل لها المديح وتصفها بأنها من أنزه الانتخابات النابعة من أشرف التوجيهات الناتجة عن أطهر الترتيبات. فالانتخابات في بلاد الدنيا المحترمة شيء مُقدس لا يُمكن أن يُفكر أحد أن يمسها بسوء. والكذب لديهم جريمة يُعاقب عليها القانون, فما بالنا بالتزوير !! كما أن للسلطة القضائية في تلك الدول مكانة عالية أعلى بكثير من غيرها من السلطات, فللقضاء هيبة واحترام بحيث لا يجرؤ أكبر رأس في الدولة أو أحد أركانها مهما كانت صفته أن يفكر مجرد التفكير في عدم تنفيذ حكماً قضائياً. ولكل سلطة من هذه السلطات صلاحيات محددة بدقة, وينظم القانون بكل شفافية العلاقة فيما بينها, والسلطة التنفيذية هي الحلقة الأضعف بين السلطات, فأعمالها مراقبة من السلطة التشريعية, ومحاسبة من السلطة القضائية, ومرهون بقائها على الثقة التي يوفرها لأعمالها ممثلو الشعب, وما يسبغه القضاء من قانونية على تلك الأعمال إذا ما ثار خلاف حولها. ووفقاً لذلك فإن جميع أعمال السلطة التنفيذية تخضع للقانون ولا يوجد شيء أسمه القيادة السياسية أو القرارات الصادرة من جهة سيادية, أو تدخل أحد أفراد أسرة الرؤساء في أعمال الدولة. كما أن ممثلي الشعب الذين اختارهم المواطنون على أساس انتمائهم الحزبي لا يستطيع أحد منهم أن يخدع ناخبيه بعد انتخابه بتغيير انتمائه, لأنه نائب محترم لديه مبدأ ويحترم المواطن الذي اختاره. كما أن السلطة القضائية في تلك الدول من الصعب بل من المستحيل أن تجد من بين أفرادها من يخشى السلطة التنفيذية أو يخضع لأوامرها وتعليماتها. أما الدول التي لا تحترم أنظمتها مواطنيها فالوضع غير ذلك, فالحاكم لا يختاره أحد بل يأتي به القدر, والسلطات جميعها في يد واحدة فقط يُطلق عليها اسم القيادة السياسية, تلك القيادة هي التي تختار ممثلي الشعب وتقوم بانتخابهم نيابة عن المواطنين الذين وفقاً لتصنيفها غير ناضجين, لا يعرفون مصلحتهم. وفي هذه الحالة يكون النواب نواباً للقيادة السياسية في البرلمان ملبين لجميع رغباتها موافقين على كل قراراتها وأعمالها, بدلاً عن أن يكونوا نواباً للشعب, وهذا شيء طبيعي فالولاء دائماً يكون لمن بيده سلطة الاختيار والاستمرار, وطالما أن الاختيار ليس في يد الشعب, فلماذا يكون الولاء للشعب؟؟ فالسلطة التشريعية التي من المفترض أن تكون رقيباً على أعمال السلطة التنفيذية لصالح الشعب أصبحت مندمجة فعلياً مع السلطة التنفيذية بل تعمل لحسابها بشكل واضح فاضح. وتحكم القيادة السياسية قبضتها أيضاً على السلطة القضائية بشتى أنواع المجالس وأعمال الترهيب والترغيب, وعلى الرغم من أن القضاء هو الملاذ الأساسي والطبيعي والأخير الذي يتم اللجوء إليه في حال مخالفة أعمال السلطة التنفيذية للقانون, وفي حال بطلان عضوية أحد أعضاء السلطة التشريعية, فالقضاء– كما هو متوقع منه - لا يتوانى عن إحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين بإصدار الأحكام الواجبة النفاذ, ولكن يبقى تنفيذ الأحكام من واجب السلطة التنفيذية التي لا تلقي بالاً ولا آذاناً لتلك الأحكام وبمعنى أدق تتجاهل السلطة القضائية وكأنها غير موجودة تماماً. هذه هي الصورة العربية المخجلة التي رصدتها تقارير منظمات المجتمع المدني المحلية والخارجية, والتي باتت ضيفاً دائماً على شاشات التلفزيونات العربية والعالمية, لم يتأثر بها أحد من المسؤولين, ولم يجدوا فيها غير أنها مؤامرة خارجية وعدائية, وهذا ليس بغريب على أصحاب أزهى عصور الديمقراطية الذين يديرون البلاد على أساس أنها من ممتلكاتهم الأبدية. حتى أن أحد الزعماء العرب كان في رحلة أوربية فسألته إحدى الصحفيات: فخامة الرئيس, متى ستقول لشعبك باي باي؟؟ فسألها فخامته بلهفة وتعجب: ليه هو الشعب رايح فين؟؟؟ [email protected]