أوضح سعد عبد المجيد، المحلِّل السياسي المصري المتخصص في الشأن التركي، أن اللحظة الفارقة التي يُمكن أن تتَّخذ فيها تركيا قرارا جريئا بالوقوف إلى جانب الثورة الشعبية في سوريا، هي تلك اللَّحظة التي تتوحَّد فيها قِوى المعارضة السورية وتشكِّل جبهة وقيادة موحَّدة.. .. عندها، سيكون موقِف تركيا أكثر صَرامة في مواجهة النظام البعثي، مشيرا إلى أن تركيا يُمكنها أن تقدِّم مساعدات متنوِّعة، بما فيها السلاح، لكن هذا فقط "عندما تشعُر أن المعارضة نظَّمت نفسها وصارت قادرة على قلْب النظام". وقال عبد المجيد، الذي يعيش في تركيا منذ قُرابة رُبع قرن، في حديث خاص ل swissinfo.ch: "تركيا عُضو بحلف شمال الأطلسي، ومن ثَم لا يمكنها أن تتَّخذ خُطوات حاسمة (عسكريا)، دون إذْن صريح من الحلف"، كاشفا عن أن "كثيرا من البلدان العربية، وخاصة السعودية، في حالة هلع من سقوط نظام الأسد وحزب البعث السوري، لِذا، يبدو أنهم يساعدون النظام البعثي بكل الطُّرق، ليستطيع الصمود، لهذا، فإنني أؤكِّد مرة أخرى أن الموقف التُّركي لن يتصاعد، إلا مع تصاعُد تأثير المعارضة السورية". مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي: swissinfo.ch: بصفتك أحد المتخصِّصين في الشأن التركي، كيف تقرأ الموقف التركي مما يجري في سوريا؟ سعد عبد المجيد: تركيا، في موقف صعب للغاية من الناحية المعنوية والإنسانية، وذلك لأن لها حدود برية طويلة مع سوريا، ولبعض الأتراك صلات قَرابة مع بعض السوريين، والناس في سوريا تتدفق على الحدود التركية، هربا من جحيم الموْت. أضف إلى هذا، أن مؤسسات المجتمع المدني تضغط على الحكومة لكي تفعل شيئا لإنقاذ الناس في سوريا من القتل والتعذيب، كما تضغط أمريكا لكي تقوم تركيا بدوْر يكون أكثر صرامة في مواجهة نظام البعث، لكن الأمر في غاية الصعوبة، لأن سوريا حالة معقَّدة، داخليا. كما أن لتركيا مصالح تجارية مع سوريا تعادِل عدة مليارات من الدولارات سنويا، وهي لا تريد أن تخسر هذه العلاقات ولا أن تتأثَّر هذه المصالح، فضْلا عن مسألة الأكراد في سوريا، والذين تتخوّف تركيا من انضمامهم إلى أكرادها، في حالة وقوع تمزّق في الخريطة العِرقية السورية. وخُلاصة القول، أنها معادلة صعبة جدا، ولعل هذا هو السبب في لجوء تركيا إلى البحث عن الطُّرق السياسية والدبلوماسية للحل. وما هي في تقديرك اللحظة الفارقة في موقف تركيا من الثورة الشعبية في سوريا؟ سعد عبد المجيد: الشارع التركي موقِفه إنساني، لكن حسابات الحكومة شيء آخر. فهناك ضغوط شعبية إنسانية تسبِّب حرجا بالغا للحكومة التي راحت تتحدّث مع بعض رموز المعارضة السورية، للتوصل ربَّما إلى حل وسط. غير أن موقف المعارضة السورية غيْر واضح وغيْر قوي ولا توجد قيادة واضحة للمعارضة، وهذا هو ما يجعل الموقف التركي حائرا وشاردا. وفي تقديري، أن اللحظة الفارقة هي تلك التي تتوحَّد فيها قِوى المعارضة السورية وتشكل جبهة أو قيادة موحدة، عندها سيكون موقف تركيا أكثر صرامة في مواجهة النظام البعثي، كما يمكنها أن تقدِّم مساعدات متنوِّعة، بما فيها السلاح، لكن هذا فقط عندما تشعر أن المعارضة نظَّمت نفسها وصارت قوية وقادرة على قلْب النظام. والخلاصة، أن المسألة السورية تحتاج إلى حلٍّ من داخل سوريا وليس من خارجها، مع الوضع في الإعتبار دور إيران وحزب الله في القتال إلى جانب حليفهما الأساسي بشار الأسد. اتَّسم الموقف التركي أول الأمر بالتردّد ثم التحفظ ثم التفاعل الحذِر، من منظور إنساني، عبْر استقبال اللاجئين السوريين.. فما تفسيركم لهذا السلوك السياسي التركي؟ سعد عبد المجيد: كما قلت لك. فتركيا لديها حسابات كثيرة بخصوص علاقات دول الجوار الحدودية، لأنها تنعكس عليها داخليا بشكل أو بآخر، مما يدفع أي حكومة للتحرّك، وِفقا لما يدور داخل هذه الدولة أو الأخرى. ولا تنسى أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، ومن ثَمَّ، فلا يُمكن لها أن تتخذ خطوات حاسمة "عسكريا"، دون إذْن من الحلف، لأن أي اعتداء على تركيا، يعني اعتداء على الحلف. هناك بالفعل حسابات معقَّدة في الحالة السورية، ولهذا، فإن الحلول تتوقَّف على قدرة وصمود السوريين، داخليا، ومدى تحمُّلهم لثمن الحرية وتغيير النظام، وهو مأزق شديد وحالة معقدة؛ ليست سهلة كما يتصوّر البعض، خاصة وأن النظام السوري يلعب بورقة الصمود والتصدّي لإسرائيل، ليخدع بها الكثيرين. والدور الإيراني قوي في صمود هذا النظام لمدة خمسة أشهر متواصلة، واستخدامه القوة والقتل والترويع، وهو مطمئن، علاوة على فهمه لقدرة المعارضة السورية وتشتتها وسيطرته على قوى الجيش والأمن عبْر رجاله. وخلاصة القول، أن هناك في تركيا معارضة مشتّتة وأكراد وحدود طويلة وأقارب وصلات ومصالح تجارية والتِزامات تجاه حلف الأطلسي وأمريكا، فضلا عن دور إسرائيل الخلفي ودور إيران ومصالح تركيا معها، خاصة الغازات الطبيعية وتجارة بحجمٍ لا يقلُّ عن عشرين مليار دولار سنويا!! هل ترى أن الموقف التركي تجاه ما يحدث في سوريا، من الممكن أن يتصاعد أو يرتفع درجة أعلى ليطالب صراحة وعلانية برحيل بشار الأسد؟ سعد عبد المجيد: هذا الأمر يتوقّف على موقف المعارضة السورية. فالمعارضة السورية أو الداخل السوري، هو الذي يمكن أن يزيد أو يقلل من موقف تركيا. ولعلك لاحظت كيف قتل يوم الأربعاء 17 أغسطس الجاري، ثمانية جنود أتراك وجرح 11 جنديا آخرين على أيْدي المنظمة الكردية، وهي حادثة ليست صُدفة في هذا الوقت، بل هي متعمدة. فهي رسالة من النظام السوري إلى تركيا، خاصة وأنها (تركيا) تلقَّت تهديدات مبطَّنة من النظام، مفادها إذا تدخّلت سنتدخّل. الحالة السورية حالة معقّدة بالنسبة لتركيا، لذا، لا أتصوّر أي تدخُّل تركي عسكري، دون قرار من مجلس الأمن الدولي وكثير من البلاد العربية في حالة هلع من سقوط نظام الأسد وحزب البعث السوري، لِذا يبدو أنهم يساعدون النظام بكل الطُّرق. وخلاصة القول أن الموقف التركي لن يتصاعد، إلا مع تصاعُد تأثير المعارضة السورية. ولماذا تحرص السياسة الخارجية التركية على الدّوام أن تحافظ على شعرة معاوية في علاقاتها مع الآخرين، وخاصة دول العالم العربي؟ سعد عبد المجيد: شعْرة معاوية ترتبِط بالحسابات التي أشرت إليها، وتتعلق بالداخل التركي وحساسياته الشديدة، وفي نفس الوقت، هناك علاقات حُسن الجوار وتجنب الخلافات والعمل على حل المشاكل بطرق سلمية... لكن هذه سياستها مع كل الدول، وخاصة العربية منها، وليس موقفا تكتيكيا خاصا بدول الجوار أو التي اندلعت فيها الثورات! سعد عبد المجيد: صحيح، هذا للأسباب التي أوردتها آنفا. فتركيا، دولة تتوسَّط بين الشرق والغرب ولها حدود مع 7 دول وتحمل تاريخا طويلا من المشاكل مع دول الجوار، والحكومة الحالية، تريد التخلص من المشاكل بهدوء لكي لا تنعكس على الداخل والإستقرار وبرامج التنمية التي بدأتها وتخطِّط لاستكمالها. وهل يمكن أن تتخلى تركيا عن مصالحها في سوريا لصالح نصرة المبادئ والقيم الديمقراطية، وفي مقدمتها حق الشعوب في اختيار حكَّامها؟ سعد عبد المجيد: لا.. بالطبع هذا غيْر ممكن. فتركيا تتحرّك بمنطِق مصالحها ولا مكان للمبادئ والقيم في العلاقات الخارجية، وهذا يؤكِّد عليه رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء) وعبد الله غُل (رئيس الجمهورية) وداود أوغلو (وزير الخارجية) والنظام في تركيا يتحرّك تحت مظلة مصالحه بالدرجة الأولى. فقد يعلن النظام تصريحا ناريا أو دعائيًا، ولكنه في النهاية يكون مرتبطًا بما يضمن له الحفاظ على مصالحه المادية مع هذه الدولة أو تلك، وتركيا ليست مسؤولة عن حل مشاكل الدول العربية، لكن الشعوب العربية هي التي يجب أن تحل مشاكلها بنفسها، وتركيا مثل أي دولة، تُقيم علاقات مع النظام الذي يُقيمه هذا الشعب أو غيره. المصدر: سويس انفو