يتحدث بعض الكتاب والمفكرين عن أهمية القوة الناعمة المصرية، وضرورة تفعيلها وعودتها من جديد ، لتلعب دورها المؤثر والفاعل عربياً وإقليمياً ودولياً، بعدما تدهورت مكانة مصر منذ نهايات القرن الماضي، وانعزلت عن فضائها العربي والإفريقي والآسيوي، وغيرت بوصلتها ناحية أمريكا وأوروبا، مما أفقد الدولة المصرية هيبتها، وقدرة التأثير على الآخرين، لضمان صداقتهم والحصول على الدعم والمساندة لمجمل المواقف المصرية الدولية، وبدون استخدام للقوة الغاشمة العسكرية أو الاقتصادية. السؤال : هل يستطيع النظام الحاكم - الآن – استعادة القوة الناعمة لمصر؟ فى الحقيقة يتعذر تحقيق ذلك، لأن النظام يفتقر التحصن برؤية تحدد مسارات الوطن وحل مشاكله - على مختلف الأصعدة – بطريقة جذرية وثورية، لكي تستطيع مصر العبور لبر الأمان، وتجعلها قادرة على إفراز وتقديم النموذج "القدوة"، الذي يجذب دول الخارج وشعوبها، بقوة تأثيره المعنوي والروحي عليهم فكرياً وثقافياً وتعليمياً وإعلامياً، بقصد استمالة عقولهم وعواطفهم، وجعلهم يصطفون خلف الأهداف والسياسات المصرية، بالتراضي والإقناع، ومن غير إرغام، باستخدام كل ركائز القوة الناعمة المصرية، من ثقافة وتعليم وإعلام وفنون تشكيلية وسينمائية وغنائية وموسيقية ومسرحية، ودراما تليفزيونية الخ ،وبالأفكار والأيدلوجية التي ثبت تجربتها و نجاحها على الواقع المصري. ومن ثم، ولأن كل هذه الركائز السابق بيانها ، قد أصابها العطب والتجريف والفساد والإفساد خلال العقود الماضية، فلا أمل أن تستطيع الدولة المصرية، استعادة القوة الناعمة المصرية، العفية والقادرة على أن تعيش وتتفاعل مع عالمها المعاصر، وأن تضيف إليه عطائها الحضاري والإنساني، وتسوق للخارج النموذج "القدوة" الذي يغرى الآخرين على تقليده وإتباعه والتضامن معه، لما يمثله من قيمة إبداعية، وأفكار خلاقة رائدة، ومبادئ إنسانية وحقوقية سامية . ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن النظام الحاكم مازال أسير "اللارؤية" لنظام ما قبل ثورة 25 يناير المجيدة ، ولأنه – حتى تاريخه – لم يواجه بخطة مدروسة وواقعية تلك المعضلات، التي واجهت الدولة المصرية وانتهت بانتكاسة انطلاقتها التنموية، التي فجرها النظام الحاكم مع مطلع ستينيات القرن الماضي للحاق بعصر العلوم والتكنولوجيا، وكنا – للأسف سعتئذ - نتفوق تنموياً على دول كثيرة يشار لها اليوم بالبنان مثل (كوريا الجنوبية واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتركيا)، وبيدنا مشروعاً قومياً ، هدفه تحقيق تقدم الوطن واستقلاله. إننا نشعر بغصة هذه الأيام ونحن نرى الإعلام المصري – أحد الركائز الهامة للقوة الناعمة المصرية على سبيل المثال – وهو يروج لنظرية حكم "المستبد العادل"، ويقوم بتعميق الفرقة والجراح بين رئيس الدولة المصرية الحالي، والشباب المصري الواعد والثائر، الذي كان سبباً فى إسقاط نظام "مبارك" الفاسد ، وجلوس الرئيس"السيسي" على كرسي الرئاسة بقصر الاتحادية، إلى أن وصل الأمر بهذا الإعلام الفاسد للإيعاز للسيد الرئيس بأن الديمقراطية لا تصلح نظام حكم مع شعبنا، وأن الشعب يريد ذلك ويطلبه.. ولكونه إعلاماً تتحكم فيه مصالح فئة فاسدة من رجال الأعمال المرتبطين بعلاقات مشبوهة مع بعض الأجهزة الأمنية والسيادية بالدولة وتأتمر بأمرها لمصالحهما المشتركة والمتداخلة معاً منذ عهد "مبارك" الأسود، فقد دأبت غالبية منافذ الإعلام الخاص المصري، على غسل مخ وتسطيح وعى الجماهير المصرية لإفقادها الثقة فى التعامل بندية مع حكامها، وعلى التطوع – أيضاً - بتقديم "روشتة" للسيد الرئيس- لعله يستمع إليها وينخدع بها - تكون إطاراً يحكم ( العلاقة بينه وبين الشعب)، على نحو ما فعلته وروجت له الدعاية النازية مع "هتلر" حين وصل لحكم "ألمانيا"، وجعلته يقول لشعبه المغيب فى أحد خطبه: "إن الجماهير كالمرأة ...تريد أن تخضع لرجل قوى ،لا أن يسيطر عليها رجل ضعيف، ولهذا فإنها تحب الحاكم القوى ،لا الحاكم المتضرع المتوسل، وهى فى أعماقها تكون أكثر إقتناعاً بالنظرية التي لا تتسامح مع الخصوم ،لا النظرية التي تمنحها حرية ليبرالية، لأنها تشعر بالضياع فى تعاملها مع هذه الحرية، بل وتشعر بسهولة أنها وحيدة ومهجورة".. وقال - أيضاً - "جوبلز" وزير دعاية "هتلر"- فى ذات السياق: "إن الجماهير بين يدي الزعيم القائد أشبه بقطعة الحجر بين أصابع المثال، وليس ثمة مشكلة بين القائد وجماهيره، إلا بقدر ما تكون هناك مشكلة بين الفنان الرسام والألوان التي يرسم بها " انتهى الاقتباس. فإذا كان ذلك كذلك، وكان هذا حال إعلامنا المصري الخاص المتخلف والمشبوه، والذي يسير على خطى مدرسة الدعاية النازية التي عفا عليها الزمن، والذي يهمه توريط الرئيس مع شعبه، فإنه قد يكون من حقنا أن نتساءل: كيف - بحق الله - تستطيع الدولة المصرية اليوم، بعث القوة الناعمة المصرية من جديد والتبشير بها بين الأمم، وإعلامنا الهمام ترنح وفشل فى التصدي لقناة الجزيرة القطرية - بصرف النظر على الاتفاق أو الاختلاف مع توجهاتها وعدم حيادها- ولم يتحمل نظام الحكم – هو الآخر- انتقادات برنامج "البرنامج" للإعلامي الصادق و الموهوب "باسم يوسف"، الذي كان يطيح بحلقة واحدة من برنامجه الاسبوعي بكل الأكاذيب التي يروج لها - طوال الأسبوع - إعلام "التيك أواى" المسخرة، والذي يسيء كل يوم للنظام الحاكم وتوجهات رئيسه المنتخب.