ما علاقة مصر بحدث تاريخي تم يوم الأربعاء الماضي عندما أعلنت أمريكاوكوبا تطبيع العلاقات بينهما بعد قطيعة دبلوماسية كاملة وحصار وعقوبات أمريكية على تلك الجزيرة ذات الحكم الشيوعي دامت نحو 53 عاما، مما يعتبر أقدم حصار في التاريخ؟. المعنى أنه مهما طال العداء واستمرت الخصومة وحصل الفراق وتبادل الفرقاء الاتهامات وتمددت القطيعة ونال كل خصم من الآخر إلا أن حكم السياسة يكون غالبا في النهاية وهو أنه لا خصومة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة تفرض نفسها في نهاية المطاف. إذا كان ذلك يحدث بين الدول التي مهما تكن قدرة كل دولة على الاستغناء عن الأخرى قريبة أو بعيدة، حيث لن يعجز كل بلد عن تدبير أموره ونسج مصالحه وعلاقاته مع بلدان أخرى في ذلك العالم الرحب الفسيح، فإنهم في لحظة يتقاربون ويتصالحون وتجمعهم لغة المصالح المشتركة كما حصل بين أمريكاوكوبا. ألا يعني ذلك ضرورة أن يتقارب أبناء الشعب الواحد والبلد الواحد والمصير الواحد، وألا يعني ذلك أنهم لابد أن يتصالحوا وأن يزيلوا كل أسباب الخلاف أو الاختلاف مهما كانت، وألا يعني ذلك أنهم يجب أن يسقطوا كل مسببات العداء والعداوات، فهم أقرب لبعضهم البعض من حبل الوريد، وهم أقرب لأنفسهم من البلدان حتى لو كانت متجاورة لأن لكل بلد جغرافية خاصة به بينما أبناء البلد الواحد يعيشون في جغرافية واحدة، الدول المتنافرة المتصارعة المتحاربة منذ أكثر من نصف قرن تعود وتطبع العلاقات وتكتشف أن العزلة لم تفد أيًا منهما بل أضرت بها سواء للبلد الكبير القوي العملاق وهو أمريكا، أو للبلد الصغير البسيط وهو كوبا، أليس ذلك درسًا طازجًا بليغًا مهمًا للأخوة الخصوم في مصر لكي يفكروا جديًا في عدم فائدة ذلك الانقسام والفراق والصراع القائم والمشتعل قبل 3 يوليو ثم ازداد وكبر وتعمق وتوسع وتشعب بعدها، وإذا كان كل طرف يتحدث باسم الشعب، ويقول إنه يستهدف خدمة الشعب فلماذا لا يتم التلاقي والتحاور والتناقش والتفاهم على أرضية مصالح الشعب لطي صفحة الماضي والتطلع للمستقبل؟. نموذج كوبا يجعلنا نفكر في الوقت الضائع بلا فائدة على مصر التي تعاني بالفعل من ذلك الصراع وإذا كانت السلطة التي بين يديها كل عناصر السيطرة والقوة قادرة على إيذاء الخصم وحشره في زاوية فإن ذلك الخصم المحاصر المنهك قادر على الإيذاء أيضا بأساليب عديدة وعلى الأقل الحالة الاقتصادية ليست كما يجب بعد أكثر من عام ونصف العام على إطاحة الخصم من السلطة واحتجاجات هذا الخصم لها دور في وصول الاقتصاد إلى تلك الحالة بسبب عدم تحقق الاستقرار السياسي والأمني الذي يوفر بيئات جاذبة للاستثمار والسياحة ومجتمع المال والأعمال. هذا خطر كبير ومعوق بارز لكن الخطر الاجتماعي مروع فلم تكن مصر يومًا وكما عشت وأعرف بمثل هذه الحالة الانقسامية العدائية الشديدة، فالبيت الواحد منقسم وكذلك الشارع الواحد والحي الواحد والقرية والمدينة الواحدة ليس بالضرورة أن يكون انقسامًا بالتساوي ولكن المغزى هو الأهم ففي أي عهد وزمن لم يكن البيت الواحد فيه اختلافات حادة بهذا الشكل، كان يمكن أن تجد فردًا فيه لا يرى ما يراه الآخرون لكن في إطار غير عصبي ولا متعصب ولا عدائي ولا عدواني فلم تكن الأم تبلغ عن ابنها ولم يكن الزوج يشتكي زوجته ولم يكن المجتمع يشي على بعضه البعض في المحلات والمتاجر والمقاهي والمترو والشارع وفي كل مكان يجتمع فيه الناس ومن المستجدات أن تجد من يتربص بالآخر، وتجد هذا يتعامل مع ذاك على أنه عدو الوطن. لم أكن أسمع كلمات مثل المؤامرة والخيانة والعمالة والتجسس والطابور الخامس وأعداء الوطن بذلك الإسراف كما أسمعها منذ فترة، ولم أكن أسمع ألفاظًا وأوصافًا وشتائم وسبابًا مهينًا مشينًا كما أسمعه منذ فترة، ولم أكن أرى كل طرف يرى الآخر عدو له ويجب سحقه كما هو حاصل اليوم، بل لم أكن أرى ذلك الانقسام العنيف والحاد والخطر كما يحدث اليوم. ما هذا الذي يحدث، ولماذا كل ذلك؟. هل شهوة السلطة تحول الأخوة إلى أعداء؟، فلتذهب السلطة، وتبقى المحبة، لأن مجتمع بلا محبة هو مجتمع يتحول إلى عدو لنفسه، فإذا انفلت العيار وتقاتل الأخوة ماذا ستكون قيمة السلطة سواء لدى من يمسك بها أو من يسعى إليها، ولدينا نماذج قريبة وبعيدة عن صراعات أهلية استمرت سنوات حتى تعرضت الأوطان للدمار والخراب ولم تعد للسلطة أي سلطة أو قيمة وفي نهاية المطاف التقى المتقاتلون وتصالحوا لكن على أنقاض الأوطان. بالطبع الحالة المصرية لا تحمل معنى الصراع الذي يقود للتقاتل لأن الدولة المصرية قوية حتى لو اتسمت في بعض المراحل بعلامات ضعف والسلطة الحالية تثبّت أقدامها داخليًا وتنفتح خارجيًا في مختلف أركان العالم، لكن حال البلد شبه متعطل كما لا يضمن أحد ما يمكن أن يحدث في الغد، فالمفاجآت واردة دومًا وما لم تكن هناك نوافذ حرية واسعة فإن ذلك مقلق وتغليب القبضة الأمنية على الأفق السياسي يضر بالسلطة أكثر مما يخدمها، ويفيد الخصوم أكثر مما يحاصرهم لأنه يمهد الأرض لاتساع أصوات وحركات المعارضة الظاهرة والمكتومة من تيارات أخرى شبابية ومدنية. الوطن بحاجة ماسة لطرح كل ذلك جانبًا والبدء بفتح صفحة جديدة نقية بيضاء من غير نقطة واحدة سوداء عنوانها إنقاذ الوطن. حديثي هنا لا يقترب من أي ممارسات عنف صريح أو تحريض عليه، كما لا يقترب من أي ممارسات إرهاب صريح أو مبطن لأن هذا موضوع محسوم وهو الرفض المطلق لهذه الممارسات تحت أي شكل ومن أي طرف أو جهة، وبالتالي فأرضية التقارب وأساسها هو نبذ كل أشكال وصور العنف فلا سياسة تعيش مع العنف ولا عنف يبقي السياسة حية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.