** ضروراته وجدواه وآفاق المستقبل المأزق الذي يواجه محاولات احتواء الأزمة المصرية يتمثل في غياب القدرة على الحوار الوطني ، وربما يصيح البعض بعد كل ما جرى تتحدثون عن الحوار وربما يستطرد البعض إما تحت آلام مجتمعية حقيقية أو خلف أغراض عنصرية سياسية لا حوار مع من يرفعون السلاح أو يستخدمون العنف؟ لو لم يتحاور المتعارضون أو المتخاصمون المتشاكسون فكيف تحل الأزمات ؟ إذا كان المعلم الأول للبشرية محمد صلى الله عليه وسلم عقد صلحا مع خصومه من مشركي قريش وقد رفضوا الاعتراف به نبيا ولا رسولا ولا قائدا ، عقد صلح الحديبية وأصحابه من خلفه يصرخون لم نرض الدنية في ديننا؟ كل ذلك جرى بين خصوم في العقيدة ولكننا نتنادى إلى ضرورة الحوار الوطني بين فرقاء داخل الوطن شركاء فيه فينبغي أن تصمت تلك الأصوات الناعقة التي تقطع الطريق على فرص تضيع تباعا حول ضرورة الحوار الوطني، المصالحة الوطنية مصطلح سياسي متعدد الدلالات والمضامين ولا يمكن وضع تصور واحد لكل تفاصيله إذ لكل بلد طبقته نموذجها الخاص المتضمن خصوصيتها الوطنية والثقافية بل وخصوصية طبيعة الصراع ذاته الذي وضعت المصالحة الوطنية حلا له أو طيا لصفحته وغاية المصالحة هي ترسيخ علاقة قائمة على التسامح والتغافر والعدل بين الأطراف السياسية والمجتمعية بهدف طي صفحة الماضي بما فيها من مظالم ومحن وتحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة.وإذا تحدثنا عن الحالة المصرية فإننا نجد لها إشكاليات ذات مستويات مختلفة ، إشكاليات إجرائية تتمثل في عدم توقف العنف فيجب قبل الحديث عن أية مبادرة من توقف العنف وأسبابه سواء من خروج المظاهرات أو من طرف الجهات الأمنية التي تتعامل معها، وهو ما ينبغي أن يرمي إليه الحوار الوطني بين جولاته التي تنعقد . وأيضا وصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية ، وبغض النظر عن صحة او قانونية هذا الوصف فإنه يعد من الإشكاليات الإجرائية الكبرى التي تعرقل المبادرة لأنه ليس من المعقول إجراء مصالحة مع جماعة موصوفة بالإرهابية ويجب البحث هنا عن مخرج لهذا المأزق التي يقابل المصالحة فكيف يتم التعامل معه هل بإلغائه وعلى أي أساس؟ وهناك إشكاليات جوهرية أولها تعدد المراحل الانتقالية وأطراف المصالحة الوطنية . ففي الحالة المصرية تركيب وتشابك ربما لم يحدث في أية تجربة للمصالحة الوطنية ومن ثم ترتب على ذلك تعدد صور ومستويات هذه المصالحة فهناك مثلا مصالحة بين النظام الأسبق (مبارك) والمعارضين له قبل 25 يناير ومصالحة بين الأجهزة الأمنية لتلك الحقبة وبين ضحايا الانتهاكات الجسيمة مصالحة بين المجلس العسكري وتيار الشباب الثوري (محمد محمود - مجلس الوزراء - ماسيبرو- وزارة الدفاع) مصالحة بين نظام الإخوان والتيار الثوري و مصالحة بين نظام ما بعد 30 يونيو والإخوان ومصالحة النزاعات الطائفية. المطلوب هو السعي إلى مصالحة كبرى تزيل الانقسام المجتمعي وتعمل على تعزيز التعايش السلمي بين أطيافه. والإشكالية الثانية تتمثل في الاصطفافات الأيدلوجية ذلك أن الانقسام الحاد الواقع في الحالة المصرية راجع بالأساس الى حالة استقطاب أيدلوجي وفكري حاد بين الجماعات الإسلامية وبين غيرها من التيارات المدنية او الثورية صحيح أن الثورة في أيامها الأولى استطاعت من خلال الاندفاع الثوري الجارف ألا تجعل الخطاب الاستقطابي بارزا غير أن الأمر لم يدم طويلا فبدأت دعوات الفرز الفكري والأيدلوجي تبرز في خطاب التيار الإسلامي قبل غيره ولعل أجلى صور هذا الخطاب ما كان على منصة رابعة العدوية والنهضة وما بعدها والتي انتقل بالخلاف الواقع من كونه سياسيا الى ديني يستهدف الوجود الإسلامي في الحكم، هذا النمط من الخطاب أو الرؤية أورث استقطابا حادا باعد بين الأطراف الثورية التي كانت على قلب رجل واحد في ميدان التحرير، ولا شك أن هذا الاصطفاف سيصعب وبصورة كبيرة من فرص المصالحة الوطنية والتي لابد لها ولكي تنجح من إيجاد حلول ليست جذرية وإنما حاسمة لهذا الاستقطاب الفكري. الإشكالية الثالثة: رغبة كل فريق في تحقيق المكاسب الكاملة( المغالبة) فالاتجاه الإسلامي حسم موقفه منذ ايام رابعة أرادها حزمة واحدة متمثلة في الشرعية الدستورية ( عودة مرسي - عودة الدستور- عودة مجلس الشورى) كما أرادها طرف السلطة (لا عودة إلى ما قبل 3 يونيو) و (ولا رجوع عن خارطة الطريق) فأدى ذلك إلى تحطم كل مبادرات التهدئة والمصالحة التي قامت بها كثير من الأطراف ليس هذا فحسب بل أدى ذلك إلى تصعيد كل طرف نحو الآخر بكل ما يملك دون أن يجعل الباب مواربا مع الآخر ومن ثم فإن الصعوبة هنا تكمن في أن نجاح أي مصالحة وطنية قائم بالأساس على أن التنازل عن المطالب بقدر ارتكاب او الوقوع في الأخطاء وطالما أن كل فريق لم يصل بعد إلى هذه الدرجة من المراجعة الذاتية فلن يصلح أي جهد للمصالحة مهما كان جادا. الإشكالية الرابعة:شيطنة الطرف الآخر: خطاب الشيطنة لا يبنى عليه بأي حال توجه للمصالحة وهذا خطأ ارتكبته جميع الأطراف وكأن كل طرف لم يدر بخلده للحظة أن الطرف الآخر من مواطني مصر وله حق العيش فيها مهما كانت الخلافات والانشقاقات فطرف الإخوان أو التحالف الوطني شيطن الآخر من خلال خطابه الأيدلوجي الإقصائي ووسمه بالكفر ومحاربة الدين والوقوف في وجه المشروع الإسلامي وطرف السلطة شيطن الإخوان والتحالف ووصمهم بالإرهابيين والعملاء والمتآمرين مع قوى إقليمية لهدم مصر ولا شك أن هذا الخطاب سيكون له تأثير سلبي على جهود المصالحة. كاتب ومحام مصري