«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار اللبناني الفلسطيني.. واقعه وآفاقه المستقبلية
نشر في المصريون يوم 25 - 02 - 2006

تميزت العلاقة اللبنانية الفلسطينية، طوال الفترة الماضية بكونها محكومة بسقف محدد: الصدام المباشر أو التوتر المشوب بالحذر، أو التفاهم مع الاختلاف في وجهات النظر طبقاً للأجندة السياسية لكل طرف، وحساباته المختلفة.وإن كان البعض يرسم آمالاً وردية لهذه العلاقة، إلا أن الواقع وبشكل فج يعيد تلك العلاقة إلى نقطة التوتر، ولكن أيضاً يضعها على سكة الحلول المجتزئة أو الترقيعية! يقول الوزير د.طراد حمادة حول هذه العلاقة وتوصيفها:(يجب الاعتراف أنه لم يكن هناك توتر بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية، وإنما لم يكن هناك متابعة دقيقة وجدية لهذه العلاقة، كما لم يوجد اهتمام ورعاية تتناول كل أبعاد تلك العلاقة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأيضاً الأمنية، إذا شئت القول. وهذا يعني أن التعامل مع هذه المسائل لم تتم متابعته، ولكن أيضاً لم تحصل هناك توترات بالمعنى الذي قصدته. وفي فترة سابقة اقتصرت المعاملة على الجانب الأمني، ولكن كان لا بد من الارتقاء فيها مع الجوانب الأخرى لتطال كل الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية. ولكن رغم هذا الكلام الايجابي والصورة الايجابية أيضاً، إلا أنه يجب القول إن الدولة اللبنانية اختارت سلوك طرق عديدة ل"معالجة" قضية اللاجئين؛ بحيث باتت تتعامل مع الفلسطينيين بما لا يخدم فكرة محاربة التوطين. وتعاطت الدولة اللبنانية بحساسية مفرطة مع هذا الملف ما انعكس بشكل بالغ وكبير معاناة على اللاجئين الفلسطينيين ترافق ذلك مع تقليص وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لخدماتها، وشبه إنهاء للخدمات التي كانت تقدمها منظمة التحرير الفلسطينية. وأمام هذا الواقع المرير يجد اللاجئ الفلسطيني نفسه محاصراً من كل الجهات؛ فالعمل يمنع عليه مزاولة العديد من مهنه، والمخيمات الفلسطينية وخصوصاً في جنوب لبنان تعيش حالة يشبهها الكثيرون ب(الحصار)، حيث يُمنع على ساكينها إدخال مواد الإعمار لترميم منازلهم المتصدعة، والأنكى من ذلك حالة التشديد المفروضة على مداخل المخيمات بحيث أن في كثير من الأوقات تجري حملات تفتيش للمركبات وأحياناً للأفراد. وهذا ناتج عن إلغاء المجلس النيابي اللبناني بتاريخ (21/5/1987)، اتفاق القاهرة الموقع في (3/11/1969) بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم أن الحكومة اللبنانية قد أعادت فتح حوار مع الفلسطينيين، بتاريخ (3/7/1991)، وكلفت لجنة مؤلفة من الوزيرين السابقين عبد الله الأمين، وشوقي فاخوري متابعة هذه القضية، وتسلّمت اللجنة مذكرة بمطالب اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه وبعد مؤتمر مدريد والمفاوضات مع إسرائيل، طويت هذه الصفحة،.ويشكل التقليص المتزايد لخدمات الأونروا عقبة كبيرة أمام اللاجئ الفلسطيني وتضعه أمام طريق مسدود. ورغم شدة السواد القاتم الذي يلف جوانب هذه القضية، إلا أن الصمود الرائع والمذهل للاجئين، وبشكل خاص المحافظة على الوجود وعدم التذويب، عبّر وبشكل لا يقبل الشك عن فشل كبير للمشروع الإسرائيلي الذي راهن على تذويب اللاجئين وإنهاء قضيتهم. وليس أبلغ من ذلك استمرار هذا الوجود بصمود منقطع النظير، ورغم الواقع السيئ والمرير الذي يعيشون فيه بقيت المخيمات الفلسطينية البائسة شاهداً على البقاء ورفض التذويب، وحضوراً غير قابل للتجاوز أو الإلغاء.ورغم الأهمية القصوى والتعقيد الكبير لقضية اللاجئين التي تحتل موقعاً مركزياً في القضية الفلسطينية، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الأكثر معاناة، بخلاف اللاجئين الموجودين في دول عربية أخرى. فاللاجئون في لبنان يعانون ويلاقون صنوف التقييد وعدم الحرية، ويعلل المسئولون اللبنانيون ذلك برفض التوطين. ويمكن ملاحظة "التمييز الواضح ضد الفلسطينيين بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين من غير المواطنين فيما يتعلق بحقوق تملك العقار ووراثة الممتلكات العقارية. كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال القيود الشديدة التي تفرضها الحكومة اللبنانية على إعادة البناء وتطوير الأبنية في المخيمات، ويوجد تمييز بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع أيضاً فيما يتعلق بالعمل، والحق في الضمان الاجتماعي. وهذا التمييز يخلق أوضاعاً لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون من خلالها التمتع بمستوى معيشة مناسب. فمنذ العام 1948، تعاطت الدولة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني في لبنان باعتباره قضية طارئة من ناحية، وقضية أمنية من ناحية أخرى. وقامت في الفترة الممتدة من العام1948 ، أي عام النكبة عندما نزح حوالي 15 ألف فلسطيني إلى لبنان، وحتى العام 1959، بالتعاطي مع هذا الوجود على أنه قضية إغاثة ومواساة مؤقتة وبالتالي أخضعته لقوانين الأجانب حينا ولقوانين مؤقتة كانت تصدر عن مديرية الأمن العام ووزارة الداخلية والجيش أحيانا أخرى، وركزت في مجملها على مراقبة إقامة وتحركات الفلسطينيين داخل وخارج المخيمات، ورصد نشاطاتهم السياسية، مهملة بالتالي وجودهم الحياتي وأوضاعهم المعيشية الصعبة. ورغم ذلك، فقد انخرط الفلسطينيون وهم ينتمون أصلا إلى طبقة الفلاحين، بالعمل في لبنان، وكان آنذاك الاقتصاد اللبناني بدائياً يعتمد أساسا على الزراعة، فعملوا في الزراعة بخاصة في منطقتي الجنوب والبقاع، إلا أنهم عملوا كأجراء في هذا المجال لدى الأغنياء اللبنانيين، يساعدهم في ذلك عدم شمول إجازة العمل على القطاع الزراعي، مما أتاح لهم العمل دون ملاحقة السلطات المختصة، فيما كان ينظم عمل المزارعين بعض الوكلاء الفلسطينيين الذين عملوا لدى أصحاب الأراضي، وقاموا بجمع العمال لأراضيهم. * وفي العام 1951، بدأت السلطات اللبنانية في نهاية العام بالتضييق على العمال الفلسطينيين الذين كانوا يزاولون بعض الأعمال المهنية ، حيث طلبت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية توقيفهم عن العمل لحين حصولهم على ترخيص، إلا أنّ تدخّل رئيس الجمهورية في ذلك الوقت أدى إلى وقف هذا القرار. * وفي العام 1959، أصدرت السلطات اللبنانية المرسوم رقم 42 تاريخ 31 آذار القاضي بإنشاء المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الداخلية، وأسندت إليها مهمة التعاطي مع شؤون الفلسطينيين بدلا من اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين التي تشكلت إثر النزوح. وصدر عن رئيس الجمهورية (كميل شمعون) المرسوم حمل الرقم 927 تاريخ 3 أيلول 1959 وحدد صلاحيات هذه المديرية بأمور التنسيق مع "الاونروا" وإصدار بطاقات هوية خاصة بالفلسطينيين وجوازات سفر، بالإضافة إلى تسجيل الحالات الشخصية وتحديد أماكن إقامة المخيمات وإعطاء رخص الانتقال من مخيم إلى آخر... وظلت صلاحيات هذه المديرية تقتصر على الأمور الإحصائية والإدارية والأمنية من دون التطرق إلى تنظيم الأوضاع الاجتماعية والحياتية، وشكل لبنان الاستثناء الوحيد بين الدول العربية الأخرى التي تستضيف على أراضيها الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، حيث أن سوريا والأردن ومصر أصدرت تشريعات (قبل 1967) حول إقامة وعمل الفلسطينيين فساوتهم بمواطنيها باستثناء حق الجنسية، وسمحت لهم بالعمل في القطاعين العام والخاص ومنحتهم حقوق التملك والانتقال وطبقت عليهم التجنيد الإجباري. * وفي العام 1962، صدرت تشريعات جديدة لتنظيم عمل ودخول وإقامة الأجانب في لبنان وأصبح عمل الفلسطيني باعتباره أجنبيا يخضع لمبدأ الحصول على إذن عمل أو لقاعدة المعاملة بالمثل، وكان لزاما على الأجنبي الذي يريد أن يعمل في لبنان أن يحصل على إجازة عمل التي كانت تعطى لبعض المهن ولا تعطى للبعض الآخر، إلا بعد عقبات وشروط ووساطات وإكراميات لا يقدر عليها إلا من كانت أوضاعه المادية تغنيه عن الحصول عليها، لا بل عن العمل نفسه، فيما كان يمنع العمل عليهم في الوظائف الحكومية والبنوك والمؤسسات والمدارس الرسمية والوظائف الإدارية في المؤسسات والشركات وسائر المهن الحرة أو الاستخدام في الفنادق أو العمل كسائق لسيارات عمومية أو لعربات تابعة لمؤسسة عامة.لذلك. لم يتمكن العامل الفلسطيني من ممارسة مهنة أو حرفة بشكل قانوني، فاضطر إلى السعي للعمل في الدول الخليجية أو إلى الهجرة إلى البلدان الأوروبية أو العمل في مجالات لا تتطلب الحصول على إذن مسبق، إذ استثنى القانون العمال الموسميين العاملين في القطاع الزراعي من الحصول على إذن لأن العامل الموسمي لا يعتبر أجيرا بالمعنى المقصود في قانون العمل، كما استثني أيضا عمال الورش تطبيقا لذات المبدأ المعمول به في استخدام العمال الموسميين، لهذا فإن هذين القطاعين استقطبا عددا كبيرا من العمال الفلسطينيين حيث أشارت إحصاءات غير رسمية إلى أن نصف العمال الفلسطينيين في لبنان تقريبا يعملون في قطاعي الزراعة وأعمال البناء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المراحل التي مر بها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يمكن تحديدها بأربع مراحل أساسية: المرحلة الأولى: من عام 1948 إلى 1969، كانت المخيمات تخضع لقيود احترازية مشدَّدة، فكان يمنع على اللاجئين الانتقال من مخيم إلى آخر دون ترخيص، وكان محظورًا على أي مخيم التمدد خارج الإطار المكاني المحدد له. كما كان من المحظور بناء طابق ثانٍ فضلاً عن أن يكون سقف البيت من الأسمنت أو الحجارة، وبمقابل ذلك كانت خدمات الأونروا التعليمية والصحية أوفر بكثير مما هي عليه الآن. . المرحلة الثانية: من عام 1969 إلى 1982 وهي فترة صعود العمل المسلح الفلسطيني واكتسابه الرعاية العربية واللبنانية بعد التوقيع على اتفاق القاهرة عام 1969 الذي نظّم عمل الفدائيين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وفي هذه المرحلة خاصة عاش الفلسطينيون فترة ذهبية، حيث تدفَّقت الأموال على منظمة التحرير التي نالت الاعتراف العربي أولاً، فتحسَّنت الأوضاع المعيشية، وقامت المؤسسات الاجتماعية، وانخرط عدد كبير من الشباب في المنظمات الفلسطينية المختلفة مما وفَّر للأسر الفلسطينية مورد العيش المتوسط، حتى إن كثيرًا من اللبنانيين الفقراء ومتوسطي الحال استفادوا من حال البحبوحة النسبية التي عاشتها المخيمات آنذاك.لقد خفَّف ظهور المنظمات المسلحة القيود على عمل وحركة الفلسطينيين في المخيَّمات وخارجها، فلم تعد الأنظمة والقوانين تُطبق حرفيًّا. . المرحلة الثالثة: من عام (1982) إلى عام (1993) في صيف 1982 شنّ الجيش الإسرائيلي حربًا شاملة على منظمة التحرير الفلسطينية، فتعرَّضت المخيَّمات للتدمير الشديد، وسقط آلاف الشهداء من المدنيين والعسكريين على حد سواء، وانتهى حصار بيروت باتفاق رعاة الوسيط الأميركي اللبناني الأصل "فيليب حبيب" أدّى إلى خروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان، وتُركت المخيمات الفلسطينية في عهدة الدولة اللبنانية، لكن اغتيال "بشير الجميل" دفع الإسرائيليين إلى اقتحام بيروت، وأمنت الغطاء للميليشيات اللبنانية المسيحية بارتكاب مجزرة في صبرا وشاتيلا. المرحلة الرابعة: ابتداءً من 1993 حتى الآن في أيلول 1993 وقّعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاق "أوسلو"، فانعكس ذلك فورًا على الخدمات التي يتلقاها عادة اللاجئون الفلسطينيون في لبنان فتدهورت تدريجيًا.وبما أن اتفاقات "أوسلو" تنصّ على فترة انتقالية من الحكم الذاتي تمتدّ لخمس سنوات قبل الاتفاق على الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة فقد أعلنت الأونروا أن الفترة الانتقالية تسمح لها بالإعداد لتصفية أعمالها في عام 1999، وبما أن مفاوضات الوضع النهائي تشمل قضية اللاجئين وإيجاد حلول لها، لكن الأونروا ما لبثت أن تراجعت بعد ضغوط شديدة مورست عليها في اجتماع عمان في آذار1995، وذلك للاستمرار بتقديم الخدمات حتى التوصل إلى حل سياسي لقضية اللاجئين.هواجس ينتاب الفلسطينيون في لبنان مخاوف بدأت تشكّل هاجساً وقلقاً لديهم كما للبنانيين وإن كان بدرجات مختلفة؛ التوطين، التجنيس، نزع سلاح المخيمات طبقاً للقرار 1559. * التوطين: ترفض الدولة العبرية أي حديث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ووطنهم. ففي اتفاقية أوسلو (13/9/1993)، تم تأجيل بحث قضية اللاجئين إلى المرحلة النهائية. وفي خارطة الطريق التي ربط رئيس وزراء الدولة العبرية ارييل شارون موافقته عليها بفرض 14 شرطاً تعجيزياً بينها شرط حول اللاجئين يعلن فيه الفلسطينيون أن إسرائيل دولة يهودية، وهكذا يتنازلون عن حق العودة... أما نصوص "خارطة الطريق"، فتشير وبشكل عابر إلى مسألة اللاجئين وحلها.. من خلال تسوية متفق
عليها عبر التفاوض بين الأطراف قائمة على أساس قرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397 التي تنهي احتلال أراضي 1967، وتشمل حلاً واقعياً وعادلاً ومتفقاً عليه لقضية اللاجئين. ومع كل حديث عن توطين اللاجئين، يعلن لبنان مخاوفه الكثيرة من ذلك والتي تعود أساسا ً إلى هشاشة التوازنات المذهبية والطائفية فيه.وتتخذ السياسات الرسمية اللاحقة لاتفاق الطائف، تجاه الفلسطينيين، ثلاثة أشكال رئيسية: 1 إعادة تأسيس السيطرة؛ 2- رفض التوطين النهائي للاجئين في لبنان؛ 3- إجراءات لإنقاص عدد اللاجئين من خلال ضغوط لدفع أعداد منهم إلى الهجرة. والاثنان الأولان يمثلان سياسة معلنة رسمياً. أما الثالث فيمكن استنتاجها من نتائجها لكن لم يجر إعلانها رسمياً. وما يعزز المخاوف اللبنانية عدم وجود ضغط أو حتى اهتمام دولي بقضية اللاجئين وحلها، وجل ما يطرح هو مشاريع وسيناريوهات هدفها تمرير التوطين. ولعل من أكثر المشاريع جدية وخطورة مشروع النائب الأمريكية، إليانا روس ليتنن، والذي أقره الكونغرس الأمريكي في (28/1/2003)، وإعلان المدير العام لوزارة الخارجية الصهيونية رون بروسور14/12/2005، عن إعداد وزارته مشروعا ً لتوطين اللاجئين في لبنان، وهو ما يستند إلى مشروع هنري كيسنجر الذي طرح توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يسكنون فيها.أما لجهة اللاجئين أنفسهم فإنهم يرفضون التوطين بشكل تام، وأعلن العديد من ممثليهم عن ذلك بوضوح. وأظهر استطلاع للرأي أن 7% من هؤلاء اللاجئين في لبنان يرفضون التوطين بشكل لا يقبل المساومة. * التجنيس: طالب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس "أبو مازن" الدول العربية مؤخراً، بتجنيس الفلسطينيين المقيمين في هذه الدول. وقال إنه لا يوجد قرار عربي يمنع التجنيس بل توصية بذلك، معتبراً أن ذلك لا يعني التوطين ولا يلغي حق العودة. وكشفت صحيفة معاريف العبرية بعد هذا التصريح عن فحوى رسالة سرية موجهة من أبو مازن إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، ارييل شارون، يقول فيها —بحسب الصحيفة— إنه على اقتناع تام بأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها في العام 1948 ليس واقعياً وأنه ليس بالإمكان تحقيق ذلك.وكشف الصحيفة نفسها أن الرسالة طرحت مناقشة قضية حق العودة عبر قناة سرية للغاية بغية الوصول إلى حل خلاّق لهذه القضية المعقدة . وبما أننا هنا لن نناقش أبعاد هذا التصريح، إلا أننا سنشير إلى استفتاء أجري مؤخراً حول تجنيس الفلسطينيين حيث اعتبر الفلسطينيون ذلك إسقاطاً لحق العودة. فقد رأى 83.2 % من أكثر من 19 ألفا شاركوا في تصويت الجزيرة نت، على مدار ثلاثة أيام، أن الحث على إعطاء الجنسية للاجئين فلسطينيين دعوة للتوطين، مقابل .8% رأوا عكس ذلك. ولاحظت من خلال سؤالي عدداً من الأشخاص حول الموضوع نفسه أن ذلك يخضع لتوجهات الشخص السياسية؛ فالذين ينتمون لحركة فتح، يعتبرون هذه الدعوة مجرد إعطاء حقوق للفلسطيني وأنها ليست تنازلاً عن حق العودة. أما ذوو التوجهات الإسلامية ومعارضو نهج التفاوض مع الدولة العبرية، فيعتبرون ذلك التجنيس مقدمة للتوطين. ولعل الاستفتاء المذكورة نتائجه والمشار إليها قبل قليل ترجمة عملية لهذا الرأي. * سلاح المخيمات في 1559: يتضمن القرار 1559 في جزء منه سحب سلاح المليشيات "حزب الله وسلاح الفلسطينيين في المخيمات". وإذا كانت التوازنات والاختلافات وميزان القوى في لبنان لا يسمح بتجريد حزب الله من سلاحه، فإن التهديدات القوية التي أطلقها السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله مؤخراً بأن الحزب سيقطع اليد التي تمتد لسحب سلاح الحزب والمقاومة، تستند وبما لا يدع مجالاً للشك إلى القوة الجماهيرية التي حصدها الحزب في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً. وهذا يفرض ذلك على الأمريكيين والأوروبيين أن يتعاملوا مع هذه الحقائق وفق ما أفرزه الواقع. ولكن الشق الآخر من الأمر "سلاح الفلسطينيين"، فيبدو أن التعامل معه سيكون وفق سقف التعاطي مع سلاح المقاومة الإسلامية. وبطبيعة الحال لا يملك الفلسطينيون في المخيمات أي أسلحة ثقيلة، وجل ما يملكونه أسلحة خفيفة للدفاع عن النفس إذا ما حاولت "إسرائيل" ممارسة الاعتداء عليها. ولكن تبقى مسألة الأسلحة التي تملكها بعض المنظمات الفلسطينية خارج المخيمات، وهي أيضاً مثار خلاف داخل الفصائل نفسها؛ فمنهم من يراها مشروعة، القيادة العامة وفتح الانتفاضة، ومنهم من يراها غير ذلك "فتح". ويرصد الكاتب الفلسطيني سهيل الناطور ثلاثة اتجاهات فلسطينية للتعاطي مع مسألة سلاح المخيمات وهي:: الرفض المطلق لتسليم السلاح، ولا دلالة على مدى انتشار هذا الرأي، تسليم السلاح وفتح حوار يقود لبناء علاقة سليمة وقوية مع اللبنانيين تضمن للفلسطيني العيش بحرية وكرامة، تسليم السلاح بعد إجراء حوار وليس قبله، ووضع السلاح في عهدة الدولة اللبنانية وإيجاد اتفاق لتنظيم استخدامه، بما يحافظ على المصالح العليا للطرفين اللبناني والفلسطيني. وعملياً، يكون واقعياً السلاح مقابل الحقوق الإنسانية للتجمع الفلسطيني في لبنان. ولذلك يمكن القول إن من الصعب سحب سلاح مجموعات متشددة في المخيمات، وخصوصاً في مخيم عين الحلوة على اعتبار أن ذلك لن يكون سهلاً لأن جميع هؤلاء "مطلوبون قضائياً" للدولة اللبنانية. أما موقف حركة فتح فهو معروف وخاضع للسياسة العامة التي تحددها قيادتها، وبالتالي فإن تسليم السلاح الموجود لديها إذا ما وضع هذا الأمر على نار حامية سيكون هو المرجّح ضمن اتفاقية تبادلية بين فتح والدولة اللبنانية تكون فيها الأولى مسيطرة بشكل مطلق أو شبه مطلق على المخيمات الفلسطينية. أما بالنسبة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فبحكم نشأتهما في داخل فلسطين المحتلة فإن وجودهما في المخيمات لا يشكّل رافعة بحيث أنهما لا تمتلكان كما يقول قادتهما الأسلحة داخل المخيمات. وتعتبر أوساطهما أن السلاح الموجود في المخيمات لا يستدعي اتخاذ قرار دولي مثل القرار (1559) مما يعني أن الهدف ليس السلاح الفلسطيني بل الوجود الفلسطيني نفسه.. * تنظيم العلاقة اللبنانية — الفلسطينية: لقد أدت المتغيرات العديدة الحاصلة على الساحة الفلسطينية، من جهة، والحاصلة على الصعيد اللبناني والإقليمي من جهة أخرى؛ إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، تفجّر انتفاضة الأقصى، وفاة الرئيس ياسر عرفات... هذه التطورات وغيرها سرّعت من رغبة السلطة الفلسطينية، وبالتحديد حزبها الحاكم "حركة فتح"، بإطلاق العديد من الدعوات المتكررة لتنظيم العلاقة الفلسطينية — اللبنانية. وطيلة الفترة الماضية لم تتبلور رؤية فلسطينية واضحة لطبيعة هذه العلاقة فباستثناء خطاب رفض التوطين، سادت العلاقة المتوترة وأحياناً الصدامية بين الجانبين. ولعل المثال الأبرز على ذلك الحكم القضائي الصادر بحق مسئول حركة فتح في لبنان، سلطان أبو العينين، والذي ما إن صدر الحكم حتى قام الرئيس الراحل عرفات بترقيته من عقيد إلى عميد. ويمكن القول إن ما سمي ب"ورقة العمل لتنظيم العلاقة الفلسطينية اللبنانية" التي قدمتها مؤخراً قيادات من حركة فتح إلى رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، تساهم إذا ما اعتمدت، في تنظيم هذه العلاقة وترتيبها. وتركز الورقة على فتح مكتب تمثيلي لمنظمة التحرير في بيروت، والعفو عن المحكومين، والاعتراف بجواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية، وتطرح الورقة قاعدة الحقوق والواجبات مما يعني رفع درجة التنسيق السياسي والدبلوماسي وعلى كل المستويات، وهذا يتطلب تحديد مرجعية لبنانية تتولى الملف الفلسطيني مع القيادة الفلسطينية المعنية...". إضافة إلى ذلك، تأمين الحقوق المدنية والاجتماعية، وإصدار قرارات وقوانين وتشريعات جديدة "تنصف أبناء شعبنا في لبنان". وإصدار، أيضاً، قوانين وتشريعات "تنصف العامل الفلسطيني وتسمح له بممارسة المهن التي كان محروماً منها، والتنويه الإيجابي بمذكرة معالي وزير العمل". وإلغاء الاستثناء المطبق منذ العام 2001، الذي يحول دون تسجيل اللاجئ الفلسطيني لحقوقه العقارية (قانون التملك 296). وتخفيف الإجراءات الأمنية على مداخل المخيمات لما تسببه من معاناة لسكانها، والسماح بإدخال مواد الإعمار إلى المخيمات دون تعقيد. ورغم انقشاع "سحابة الصيف" —كما يسميها مسئولون فلسطينيون-، في العلاقة الفلسطينية اللبنانية، إلا أنه من غير المتوقّع التوصّل إلى خطوات عملية لتنظيم وترتيب تلك العلاقة في المدى المنظور على الأقل، وستبقى تلك العلاقة محكومة للتأثيرات الإقليمية والدولية. وإذا كانت تلك العلاقة قد شهدت تقدماً ملموساً لجهة التعاطي اللبناني مع الوضع الفلسطيني في الآونة الأخيرة عبر السماح للفلسطينيين بممارسة عشرات المهن التي كانوا محرومين من ممارستها، إلا أن ذلك يبقى خطوة بحاجة إلى استكمالها والتأسيس عليها بما يخدم الرؤية المشتركة الفلسطينية اللبنانية في محاربة التوطين، ولكن أيضاً، بما يضمن حياة حرة كريمة للاجئ الفلسطيني المصدر : العصر

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.