أمس أعلنت السفارة البريطانية في القاهرة غلق مقرها وتعليق خدماتها العامة لأجل غير معروف ، وبررت ذلك بظروف أمنية غير مستقرة حسب النص الحرفي للبيان الذي نشرته على موقعها الالكتروني ، وقال السفير البريطاني في القاهرة "جون كاسين" في تصريحات صحفية مقتضبة : اتّخذنا هذا القرار لضمن أمن السفارة وموظّفيها. الإجراء البريطاني أتى بعد عدة أيام من تحذيرات أمريكية لمواطني الولاياتالمتحدة في القاهرة بأخذ الحيطة والحذر وتقليل التنقل وعدم الاختلاط بالأماكن العامة أو التحرك بعيدا عن مناطق سكناهم ، وغير ذلك من التحذيرات ، بما فهم أن هناك قلقا أمنيا من شيء ما ، غير أن السفارة الأمريكية لم تغلق أو تعلق أعمالها حتى الآن ، رغم أنها في نفس المحيط الجغرافي للسفارة البريطانية بحي جاردن سيتي بالقاهرة . فور إعلان السفارة البريطانية غلق مقرها وتعليق أعمالها خرج علينا إعلاميون مؤيدون للرئيس السيسي يملأون شاشات الفضائيات يوميا ، لكي يؤكدوا أن ما فعلته السفارة البريطانية هو جزء من مؤامرة دولية على مصر !! ، وهو كلام يأتي في سياق حالة "الهرتلة" والهوس السياسي الشائعة في مصر الآن والتي عودتنا على سماع غرائب وعجائب جعلت من مصر مثار تندر وسخرية الصحافة الدولية ، إلا أن الصدمة أتت في اليوم التالي الاثنين عندما أعلنت سفارة كندا في القاهرة عن تعليق أعمالها هي الأخرى إلى أجل غير مسمى لدواع أمنية أيضا حسب بيان السفارة الذي قال في موقعها على الانترنت ما نصه : "ربما تكون القدرة على توفير الخدمات القنصلية محدودة لفترات قصيرة أحيانا بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة".، كما أن الحكومة الاسترالية أصدرت بيانا السبت الماضي طلبت فيه من رعاياها إعادة التفكير في حاجتهم للسفر إلى مصر، مشيرة إلى تقارير حول "تخطيط إرهابيين لشن هجمات على مواقع سياحية ووزارات حكومية وسفارات في القاهرة. المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي ، أخيرا تكلم ، وقال في تعقيبه على قرار السفارة البريطانية بالقاهرة بتعليق الخدمات العامة، إن هذا القرار هو إجراء أمني احترازي اتخذته السفارة ، مضيفا في تصريح إعلامي وزعه مكتوبا : "إن لكل دولة الحق في اتخاذ الاجراءات الأمنية اللازمة لتأمين مقار بعثاتها والأفراد العاملين بها وذلك وفقا لاتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية والقنصلية". تصريحات الخارجية المصرية أتت لتصحح الانطباعات التي خرج بها الصحفيون من تصريحات أمنية تحدثت عن "خلاف إداري" بين السفارة البريطانية ووزارة الداخلية المصرية بخصوص غلق الشوارع المحيطة بالسفارة ، وأن الداخلية رفضت لوجود حكم قضائي ، فأتت القرارات المشابهة لأكثر من سفارة غربية لتكشف عن أن هذه التصريحات هي "فشنك" مثل تصريحات الإعلاميين "الحنجوريين" عن المؤامرة الكونية على مصر . رويترز بثت خبرا اليوم نسبته لمصدر أمني رفيع رفض الكشف عن اسمه بأن الجهات الأمنية ضبط شخصا اعترف بأن هناك تحضيرات لأعمال إرهابية ضد سفارات ومصالح أجنبية في القاهرة . الشاهد من هذا كله ، أن السلطات الرسمية ما زالت تحتقر مواطنيها ، وتجعلهم آخر من يصلهم الخبر أو الاحتراز أو التنبيه ، أو الاطمئنان على أهلهم أو بلدهم وأحوالها ، وأن المعلومات المهمة لأمن الناس وحمايتهم وحذرهم تصل للخواجات ولا تصل لنا ، ربما لأن حياتهم تساوي ، وأما حياة المصري فلا تساوي ، بل إن هذا الاحتقار لا يتصل بالحذر مما يمكن أن يحدث لا سمح الله وإنما أيضا بما حدث بالفعل ، فجميع الأعمال الإرهابية التي حدثت خلال العام الأخير أو الأشهر الأخيرة كلها لا نعرف أي شيء عنها حتى الآن .