جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى مصر بتصنيف كيواس للتنمية المستدامة    وزير التعليم العالي يبحث سبل تعزيز التعاون مع السفير السعودي بالقاهرة    أسعار النفط تهبط بعد تقرير ارتفاع مخزونات الخام والوقود في أميركا    19 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    رئيس الجمارك: وزير المالية يسعى لتخفيف الأعباء عن المستثمرين لتيسير حركة التجارة    التضخم في بريطانيا يتراجع لأول مرة منذ 7 أشهر    تداول 97 ألف طن و854 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    ما هي مبادرة الرواد الرقميون وشروط الالتحاق بها؟    "الأونروا" تؤكد استعدادها لإدخال مساعدات لغزة وتحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    رئيس القابضة لمصر للطيران في زيارة تفقدية لطائرة Boeing 777X    برشلونة يعود رسميا لملعب كامب نو في دوري أبطال أوروبا    ضبط 5.4 طن دجاج وشاورما غير صالحة في حملة تموينية بأجا بالدقهلية    أخبار الطقس في الإمارات.. ارتفاع نسب الرطوبة ورياح مثيرة للأتربة    الحبس 15 يوما لربة منزل على ذمة التحقيق فى قتلها زوجها بالإسكندرية    6 مطالب برلمانية لحماية الآثار المصرية ومنع محاولات سرقتها    معرض «رمسيس وذهب الفراعنة».. فخر المصريين في طوكيو    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    وفد من المجلس العربي للاختصاصات الصحية يزور قصر العيني لاعتماد برنامج النساء والتوليد    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    تنمية متكاملة للشباب    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    زيلينسكي: الهجوم الروسي أدى لمقتل 9 أشخاص    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام المُفْترى عليه
نشر في المصريون يوم 01 - 08 - 2011

(1) هناك فريقان من الناس يبدو لنا ظاهريا أنهما متعارضان متخاصمان.. ولكن بقليل من التحليل يتضح لك أنهما متوافقان (ضمنيًّا) على شيء مشترك بينهما وهو: العداء للديمقراطية وعلى تشويه وجه الإسلام: الفريق الأول يتمثل فى الغالبية العظمى من العلمانيين، والفريق الثانى يتمثل فى بعض القيادات المنتسبة إلى التيارات الإسلامي.. يفعل الفريق الأول هذا عن وعْيٍ وقصد، ويفعله الفريق الثانى عن سذاجة وجهل.
أنهما يقفان واقعيا فى صدام مع الإسلام ومع الديمقراطية كليهما، وإن اختلفت أسبابهم؛ فبينما يكره العلمانيون الديمقراطية لأنهم أقلية مكروهة.. لذلك يحاولون جهدهم أن يعوقوا العملية الديمقراطية ويضعوا العراقيل أمام الانتخابات الوشيكة.. باختلاق قضايا ومعارك جانبية.. أما لماذا لا تريدهم الجماهير المسلمة..؟؟ فلأنهم لا يخجلون فى خطابهم من استخدام أساليب مكيافيلية فى تشويه وجه الإسلام وتاريخه ورموزه وحضارته..
ومن ناحية أخرى نرى فى خطاب بعض الإسلاميين وسلوكهم ما يعزّز موقف العلمانيين.. ويمنحهم مبرّرات مجانية لترويج شبهاتهم ضد الإسلام وضد تطبيق الشريعة فى المجتمع، يفعل بعض الإسلاميين هذا عن جهل وحماقة.. وقد حذّرت من هذا و ضربت بعض الأمثلة عليه فى المقال السابق..
(2) أود أن أنبّه -قبل أن أستطرد- إلى أنه من الخطأ البيّن محاسبة السلفيين وبعض التيارات الإسلامية الأخرى على أنهم غيّروا موقفهم من المشاركة فى العمل السياسي، وقد نأوْا بأنفسهم عنه قبل الثورة .. بل هاجموا التيارات الإسلامية الأخرى ممن سبقوهم للمشاركة فى الانتخابات والمنافسة فى العملية الديمقراطية.. وأسرفوا على أنفسهم بالهجوم على الديمقراطية نفسها واعتبروها رجسا من عمل الشيطان.. فهذه أخطاء فكرية يمكن مراجعتها وتصحيحها، مع الوقت والممارسة والاحتكاك بالواقع..
إنما يحاسبُ فقط بعض القيادات من الذين ساندوا الطاغية بفتاويهم وأعلنوا تأييدهم له وذهبوا إلى حد اتهام المعارضين له و المتظاهرين ضده بانهم من مثيرى الفتن العمياء.. ويبدو أن السلفيين قد أسقطوا هذه القيادات المتطرّفة.. واستقاموا على طريق تيار الوسطية والاعتدال..
(3) من خلال تحليلى لتعليقات القراء على مقالى السابق لا حظت أن الانغلاق الفكرى لا يزال مسيطرا على بعض الناس الذين لم يتنبّهوا بعدُ إلى أن شيوخهم قد غيروا توجّهاتِهم ومواقفَهم.. بينما هم لا يزالون أسرى لبعض الأفكار والكتابات التى تأثروا بها فى الماضى.. مثل هذا الكتاب الذى أمامى الآن.. والذى يتكوّن من 444 صفحة تحت عنوان: " حكم الإسلام فى الديمقراطية والتعددية الحزبية" .. إسم المؤلف لا يهمّ فهو غير معروف ولكنه اختار لنفسه لقب " أبو بصير ".. قرأت الكتاب سنة 2003م، و دوّنت ملاحظات كثيرة على هوامشه.. ولخّصت رأيى فيه على الصفحة الداخلية للغلاف الأمامي، لأنبّه من يقرأه بعدى إلى تقييمى له...
كتبت في هذه الخلاصة المختصرة ما يأتى: "هذا كتاب سيئ.. وكاتبه جاهل بموضوعه جملةً وتفصيلَا.. فهو لم يفهم الديمقراطية ولا التعدّدية ولا الإسلام.. ويستشهد بنصوص من القرآن والحديث النبوي فى غير مواضعها الصحيحة.. وليس له فهم يُعوّل عليه فى الشخصيات والأفكار.. ويسئ العرض والاستدلال.. وندعو الله له بالفهم والهداية"...!
يعلم الله وحده كم من من المسلمين قرأ هذا الكتاب وتشوّش به فكره.؟! وكم واحد من أعداء الإسلام استخدمه ضد الإسلام والمسلمين...؟! وهكذا ترى أن عمل رجل واحد أحمق يمكن أن يضلل أجيالا من المسلمين.. وينفّرغير المسلمين من الإسلام: فلا يقتربون منه أو يحاولون فهمه فى مصادره الصحيحة.. فالمؤلف قد وضع الإسلام فى عداء مع الديمقراطية والحرية.. واعتبر الديمقراطية دينا يُراد له أن يحل محل الإسلام.. يقول: " إن الديمقراطية لا تنطوى إلا على الشر المحض وهى –قلبا وقالبا- تخالف وتضادّ شرع الله..." وكفّر التعددية الحزبية .. واعتبر الذين يرشحون أنفسهم فى الانتخابات مشركين مؤيدين للشرك بالله.. وهاجم البطل الشهيد الشيخ أحمد ياسين لأنه قال ردّا على سؤال صحفي: " أنا أيضا أريد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب والسلطة فيها لمن يفوز فى الانتخابات".. ثم انظر صفحة 80 من الكتاب إلى تعليق المؤلف الغبيّ ينسب إلى الشيخ الشهيد كلاما لم يتفوّه به.. يقول: " فتأمل، فهو (يقصد الشيخ ياسين) يحترم رغبة الشعب الفلسطيني إذا ما اختار الشيوعية والكفر والإلحاد..."
ثم ينتهى المؤلف من تحليلاته إلى النتيجة الحتمية فى نظره حيث يقول: "إذا كانت الديمقراطية وجدت لنفسها بيئة تلائمها وتناسبها فى بلاد الغرب فإنها لا مكان لها أبدا بين المسلمين وفى بلادهم" ...!!
وهنا بيت القصيد.. ففى هذه العبارة المكتوبة بالبنط العريض يكمن السر فى حماس المؤلف ضد الديمقراطية.. التى يخشاها الطغاة والمستبدون من حكام العرب.. الذين يتربّعون على عروش المال والسلطة المطلقة.. بلا حسيب ولا رقيب ولا ضمير.. ومستعدون لإنفاق الملايين على كتب مصقولة الإخراج، وعلى مؤلفين مجهولى الهويّة، يلوون أعناق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتوائم تزييفهم وتضليلهم .. وتخدم أهداف الدكتاتوريات المستبدة.. هذا النوع من الثقافة المغشوشة لا يصح أن يكون له مكان بين أبناء التيارات الإسلامية فى صحوتهم الثورية الجديدة.. لقد انقضى زمن الفرية التى نُسبت إلى رسول الله زورًا.. وروّج له فقهاء السلطان: "أطع وليّ الأمر ولو جلد ظهرك وأخذ مالك"...!
(4) أقول -وللأسف الشديد- أن هذه الثقافة المغشوشة لها أتباع متعصبون قد تحجّرت عقولهم على مجموعة من القوالب الفكرية والعبارات النمطية، يطبقونها بلا فهم ولا وعْي.. فى غير مواضعها.. بلا منطق.. ولا يشعرون بتناقضهم.. ومن خصائص هؤلاء أنهم لا يقرأون قراءة صحيحة ولا يستوعبون ما قرأوا .. ويخلطون بين أصدقاء القضية وخصومها.. ويميلون إلى التعميم فى الأحكام بلا مبرر..!
لقد حاولت فى مقالى السابق "نظرات نقدية ..." أن أوجه إلي بعض الدعاة الإسلاميين نصيحة أخوية: فيما يتعلق بمنهج خطابهم السياسي [بالذات] وكان تركيزى بصفة خاصة على أخطاء فى طريقة العرض والاستدلال.. ولم يكن لكلامى أي علاقة بمحتوى الخطاب وما ورد فيه من حقائق.. فقد نبّهت بوضوح شديد إلى أن بعض العبارات التى استخدموها قد تكون كل واحدة بمعزل عن الأخرى صحيحة فى سياقها.. ولكن [ربْطها] فى بعض السياقات هو الخطأ..؟؟ فجاءنى قارئ بهجوم على المقال.. ما كنت أعبأ به لولا أنه أَلْحَقَ إسمه بلقب أكاديمى .. يعلم الله كيف تحصّل عليه، فهو لا يتقن المنهج العلمى فى الفهم ولا فى البيان و التعبير.. ويتناقض مع نفسه دون وعي منه..
(5) تساءلت فى مقالى المذكور: لماذا تخافون عرض تطبيق الشريعة على الشعب المصري المسلم فى استتفتاء عام..؟ وبينت أن الشعب لا يمكن إلا أن ينحاز إلى الشريعة..؟ فانظر كيف فهمها القارئ الغاضب .. إنه يقول:
"... أن نقول أن تطبيق الإسلام يحتاج أن استفتاء الناس عليه فتلك كارثة ورب الكعبة ولاأعلم من أين لكم بمثل هذه الأفكار.. الأصل فيمن يعطى رأياً إسلامياً ألا يأتى بالرأى من عند نفسه بل عليه بمانزل به الوحى".
وأقول متعجبا: هل ذكرتُ الإسلام مطلقا..؟؟ أو طلبتُ الاستفتاء عليه..؟! لماذا يخلط القارئ بين مصطلح الإسلام ومصطلح الشريعة..؟؟ ويضع هذا مكان ذاك دون أن يدرك الخلط الذى يتورط فيه بلا وعي..؟! ثم يتحدث عن الرأي.. وأعجب مرة أخرى: لأن الرأي دائما لا بد أن يكون من عند صاحبه.. ولكن القارئ يخلط بين الرأي المنسوب إلى البشر وبين الاستدلال عليه بما نزل من الوحي..
يؤكد القارئ أن الاستفتاء باطل وأن الرجوع إلى الشعب المسلم وإرادته باطل.. فيقول ساخرا:
"...وأين كان صوتكم حين طبّق الحكام الخونة العلمانية علينا لمدة 100 عام ، أليست هذه الديمقراطية ومدعومة بديمقراطية الغرب أيضاً لماذا يكون تطبيق الإسلام على الناس بدون أن يصوتوا على ذلك ديكتاتورية ؟ هل أنت أعلم من الله الذى أنزل الإسلام وقال لنبيه " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ"..
وأقول: هذه مهاترات لا تصلح للنقاش.. ومع ذلك إذا كنت لا تعلم ماذا قلتُ أنا فى العلمانية وفى الأنظمة التى قامت عليها فاقرأ (على شبكة الإنترنت) أكثر من مائة مقالة لى أتحدى فيها النظم العلمانية.. ثم تأمل فى سوء فهمك للآيات القرآنية والاستدلال بها فى غير موضعها.. وأظن أنك لم تبحث فى مناسبة نزول هذه الآية .. ولا فى معناها لذلك استدللت بها فى غير موقعها الصحيح.. هذا بالإضافة إلى الخلط البائس بين العلمانية والديمقراطية.. وبين الديمقراطية المغشوشة فى بلادك وبين الديمقراطيات فى بلاد الغرب...! وأعجب أكثر أن يفهم إنسان هذه الآية بأنها تبرير للدكتاتورية بفرض الإسلام قهرا على الناس.. مع أن المبدأ القرآني الحاكم هو: أنه لا إكراه فى الدين...
(6) يقول القارئ: "... الديمقراطية ومانتج عنها من حريات هى المسؤولة عن سلوك المجتمعات الغربية وليس للأمر أى علاقة بأى إنتخابات ولاحسابات سياسية ! لا نعرف من أين تأتى بهذا الفهم ؟ إن الحروب التى شنها الغرب على بلادنا دون تفويض من شعوبه هى أكبر دليل على أن الديمقراطية التى تعجبك هى [وَهْمٌ وليس لها وجود] فى الحياة السياسية"
وأقول: إقرأ عبارتك مرة أخرى لترى كيف تناقضت مع نفسك بين السطر الأول الذى تثبت فيه وجود الديمقراطية وتنسب إليها مانسبت.. ثم تزعم فى السطر الرابع مباشرة أن الديمقراطية [وَهْم وليس لها وجود] ...! قد تزعم أنك أسأت التعبير عما تريد أن تقول.. وهذه مشكلتك أنت لا تلزمنا فى شيء...
وحقيقة الأمر أن هذا الخلط غير المنطقي فى الأفكار.. وسوء التعبير فى الخطاب.. هو الخطر الذى حاولتُ تنبيه الدعاة إليه فى مقالى السابق: الخطأ فى المنهج والأسلوب والطريقة.. وليست الحقائق كما فهمتَ أنت.. ولو أنهم على شاكلتك ولم يفهموا ما قلتُ فتلك مصيبة حقيقية...
(7) يقول القارئ: "الإسلام [لم يأتى] بأى معنى للحرية سوى معناها اللغوى وهى عكس العبودية"... وأقول: يا أخى ألا تعرف التواضع أبدا..؟! فهذه العبارة الحصرية الجازمة تدل على فهم لا أحب أن أصفه بما يستحق.. إلا أنه إساءة بالغة للإسلام.. فهذا الكلام يحط من قدر الإسلام الذى ميّزه الله بأعظم وأرقى معانى الحرية الإنسانية، مما لا يمكن حصره فى أي قاموس .. أنظر وحاول أن تفهم ما يقوله الدكتور محمد عمارة وهو واحد من أبرز المفكرين الإسلاميين فى هذا الزمن .. فتحليلات الدكتور محمد عمارة لفكرة الحرية فى مجالاتها وتطبيقاتها الإسلامية تكشف لنا عن مدى الثراء والمكانة الرفيعة للحرية فى الإسلام وكيف تميّزت بعبقريتها الخاصة مقارنة بمفهوم الحرية فى الفكر الغربي سواء فى جوانبها الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية جميعا.. فهى تنطوى على كل السمات الجوهرية الإيجابية فى الفكر الغربي.. ولكنها تتميز بسماتها الخاصة التى تسمو بها فى آفاق عالم الأخلاق وفى تجاوبها وتحقيقها لمتطلبات الإنسان المادية وأشواقه الروحية فى آن واحد ..
وليس أدل على المكانة المتميزة للحرية فى الفكر الإسلامي من أن الإسلام يبيح حرية الخطأ للعلماء المجتهدين .. ولكنه لا يتوقّف عند مجرد الإباحة فحسب، بل يثيب على الخطأ فى البحث والتفكير.. ويؤكد الدكتور عمارة موقف الإسلام من حرية الفكر و يربط بينها وبين حرية التعبيرربطا جوهريا: فحرية التعبير هى المظهر العملي التطبيقي لحرية الفكر والتفكير...
(8) يتحدث الدكتور عمارة عن حرية التفكير والإبداع.. والحرية السياسية.. والتعددية.. والتسامح.. والقبول بالاختلاف.. وبالرأي الآخر.. مستندا إلى أصول وقواعد فى الشريعة الإسلامية.. ويتناول جوانب من الحرية الأصيلة فى الإسلام مما لا يخطر على بال صاحبنا (الذى قصر الحرية فى الإسلام على معناها القاموسي):
أنظر إليه وهو يؤصّل فكرة حرية الهجرة السياسية وحرية الاستجارة وهى حريات وحقوق كفلها الإسلام لكل مضطهد أو مظلوم.. وإذا كنا نتحدث عن الثورات الشعبية التى تجتاح البلاد العربية فى الوقت الراهن، وهى ثورات ضد القهر والظلم والفساد والاستبداد السياسي فإننا لا نبتعد كثيرا عن فكرة الحرية فى الإسلام، فقد وجد الدكتور عمارة بين الآراء الكثيرة فى هذا المجال سندا قويا وأصيلا لمشرعية الثورة على الظلم والاستبداد مادامت أساليبها سلمية وأخلاقية، وليست بابا من أبواب الفتنة العمياء.. فالثورة على الظلم والاستبداد جزء لا يتجزأ من الحرية التى كفلها الإسلام للإنسان..
وليس كلام الدكتور عمارة عن الحرية فى الإسلام بدعا من الكلام، وإنما هو نموذج من نماذج عديدة تمثل تيار الفكر الوسطي السائد فى العالم الإسلامي عند أكبر علمائه وأرسخهم مكانة فى عقول المسلمين وقلوبهم .. أذكر من هؤلاء العلماء: القرضاوي والغزالي ومالك بن نبي وعلى عزت بيجوفيتش .. وغيرهم من كبار العلماء والمفكرين الاسلاميين فى العالم...
(9) هكذا نرى الفرق الهائل بين صورة الحرية الإسلامية وثرائها و سعة مجالاتها التطبيقية فى حياة البشر، مما يدعو إليه علماء الإسلام والفقهاء الكبار المستنيرين، وبين الصورة العجفاء القميئة الجرداء، التى يتصورها بعض الجامدين الذين يحصرونها فى معناها القاموسي.. وتتمعّر وجوههم إذا ذُكرت أمامهم...!
ولذلك أدعو هؤلاء إلى أن يعيدوا النظر فى أفكارهم ويبدأوا فى تعليم أنفسهم قبل أن يتصدّوْا لتعليم الناس.. ففى هذا الزمن لم يعد يكفى فى الثقافة الإسلامية أن تتقن حفظ بعض الكتب القديمة ولا الأراجيز التى تختصر العلوم الإسلامية فى برشامات من النظم الشعري.. هذا زمن تحديات النهضة الإسلامية التى تطرق الأبواب.. حيث تتركز أنظار العالم عليها.. زمن لا ينفع فيه الإعتماد على الكتب المغشوشة مثل كتاب "أبو بصير" الذى تعرضت له آنفًا.. ولا الكتيبات الصغيرة الواردة من خلف الحدود من بيئات فكرية مجدبة عقيمة.. ماتت فيها حيوية الإنسان وحريته وانتُهكت كرامته..
نعم عندنا فئات من الناس متقوقعين فى قوالب فكرية قمعية.. وإلى هؤلاء أوجه خطابي فأقول لهم: لا تستهينوا بهذا الشعب العظيم الذى انطلق فى أفق الحرية الثورية.. إنه شديد الحساسية ضد ثلاثة: الاستعلاء والخداع والوصاية.. إنه يرفض الخضوع لإملائات المتعصبين العلمانيين الذين يريدون قهره بالخديعة، وصرفه عن مسيرته الديمقراطية التى كسبها بدمائه وشهدائه.. و صرفه عن إسلامه الذى يعتز بالانتساب إليه .. كما يرفض الخضوع للأقلية الجاهلة من المنتسبين للدين .. الذين يريدون قهره بلا إرادة منه على تطبيق الشريعة.. لعيب فيهم أنفسهم: فهم يفتقرون إلى الفقه الصحيح وإلى المنطق الصحيح.. وعلى وجه الخصوص يفتقرون إلى الرغبة أوالعزيمة على سلوك طريق الجهاد الشاق الطويل مع الجماهير.. طريق التحاور والإقناع والتربية الإيمانية والتعليم وإيقاظ الضمائر وإحياء القلوب... وهذا هو الطريق الوحيد الصحيح نحو تطبيق الشريعة الإسلامية لو كنتم تعلمون...!
(11) لا بد لى أن أختم بالكشف عن نقطة جوهرية فى قضية تطبيق الشريعة، وهى نقطة ربما تكون غائبة تماما عن الوعي العام لدعاتها.. أقول: إن تطبيق الشريعة فرضًا فوقيًّا من أى سلطة كانت: حكومية أو انقلابية أو دينية، هو محاولة أو تجربة ثبت فشلها على مر التاريخ.. والتفكير بهذه الطريقة سذاجة سياسية قد تؤدى إلى كارثة.. وأصحاب هذا النوع من التفكير فى حاجة إلى أن يفهموا آليات الصراع السياسي للقوى، سواء فى العالم الخارجي أوفى الإطار الداخلي .. فأنت فى معركة تطبيق الشريعة -وقد طرحتها على الرأي العام- لا تملك سوى قوة واحدة هى قوة الشعب وإرادته.. ولا يكفى فى إثبات هذا أن تجادل بالإحصاءات السكانية أوالفروض والتوقّعات.. ولا حتى بالمظاهرات المليونية وحدها.. وإنما لا بد أن تبرز الحجم الحقيقي لقوة الأغلبية التى ستختار الشريعة.. والتى ستتحمل مسئولية الدفاع عنها أمام خصومها السياسيين فى الداخل.. ومستعدة للدفاع عنها أمام أى عدوان خارجي، لأنها حينئذ ستدافع عن شريعتها وكيانها وهويتها التى ارتضتها وتحمّلت مسئولية الدفاع عنها.. وهذه هو قيمة طرح تطبيق الشريعة فى استفتاء عام.. وهذا درس فى آليات الصراع السياسي، لامناص منه، ولا بد أن تقع عليه أذن صاغية وعقول واعية.. فليس بالحماس وحده ولا بالشعارات تُكتسب المعارك السياسية المصيرية...!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.