كانت مذيعة الجزيرة على شاشة مصر مباشر تبدو عليها علامات الضرب والإهانة ، ومع ذلك نفت بشدة وبطريقة ملحوظة ومؤكدة أن يكون ثوار التحرير (!) قد اعتدوا ، وأكدت أن المعتدين أشخاص آخرون ، وأن المقصود بالضرب والإهانة في الأصل كان تلفزيون الريادة ، أي تلفزيون الحكومة المصرية ! كان المفروض على المذيعة التي ضربت وأهينت وطرحت أرضا في ميدان التحرير تحت أعين الثوار وحراستهم أن تلقي بشيء من اللائمة على أولئك الثوار الذين يهيمنون على الميدان ويفترض أنه خاضع لهم وتحت حمايتهم ، ويمنعون من يشاءون من دخوله ، ولا يسمحون لأحد بالتجول فيه إلا بعد التحري عنه ، وسبق أن علقوا بعض البلطجية عراة على أعمدة النور ومارسوا دور الجلادين الذين أسقطهم النظام ، وأغلقوا مجمع التحرير ، ثم فتحوه بإرادتهم ليثبتوا للعالم أن ثوار الميدان فوق الشعب والميدان والحكومة والمجلس العسكري جميعا ! أليسوا ثوارا أحرارا يقتلعون جذور النظام الفاسد البائد ؟ لو أن الثوار المؤدبين المهذبين أصحاب اليد العليا في الميدان أرادوا أن تكون مذيعة الجزيرة مصر مباشر بمأمن على نفسها وكاميراتها لفعلوا ، ولكن المفارقة أن المذيعة كانت تُبعد عنهم المسئولية بكل قوة وشراسة ، مع أنها جعلتنا نحن المشاهدين نتأثر من أجلها ونأسى عليها ، لأن أخلاق الناس فضلا عن الثوار لا تجيز التحرش بفتاة أو ضرب امرأة ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها .. ولكن الجزيرة مباشر كان لها رأي آخر ! بعد تبرئة المذيعة للسادة الثوار ، كان الضيوف الكثر الذين يشنون حملاتهم على اللواء الرويني واللواء الفنجري والمجلس العسكري على شاشة الجزيرة مصر مباشر ؛ لا يتوقفون عن هجومهم المقذع الغريب على المجلس العسكري وأعضائه ، وكلهم – أي الضيوف – من أهل اليسار المتأمرك في الغالب ، ومن مثقفي الحظيرة الذين خدموا النظام البائد الفاسد كما لم يخدمه أحد من قبل ، وممن تربوا في لاظوغلي ، أو على يد صفوت الشريف صاحب الأفضال والمستمسكات والتسجيلات.. استمعت إلى حلقة معادة على الجزيرة مصر مباشر فجر الأمس ؛ من حوار مع أحد المرشحين المحتملين للرئاسة . كان المذيع يستفز الرجل بصورة ملحوظة ، ويتعامل معه كما لو كان أحد العاملين عنده ، ولا يكف عن مقاطعته مما اضطر الرجل القانوني الإسلامي الهادئ إلى تنبيه المذيع أكثر من مرة إلى عدم مقاطعته ، بل أوشك على التهديد بترك الحلقة والانصراف من الأستوديو إذا استمر المذيع المتحامل . وبالمثل فإن الضيوف الإسلاميين الذين يأتون بهم وسط الثائرين المناضلين من أهل اليسار المتأمرك (أصدقاء النظام السابق ) ، يظهرون وكأنهم "محلل " لقناة الجزيرة مصر مباشر التي تقدم نفسها للناس بأنها مهنية ، وتقدم الموضوع من جوانبه كافة ، فالكلام يأخذ راحته ومجراه عندما يتحدث اليساري المتأمرك ، ويتوقف ويتجمد عندما يتكلم الإسلامي . من حق اليسار المتأمرك أن يدافع عن مصالحه ومنافعه التي حصل عليها منذ ستة عقود تحت رعاية النظام المستبد الإرهابي الذي قهر الشعب ، ووضع طلائعه الإسلامية ؛ حتى محفظي القرآن الكريم ، وراء الأسوار ، واستمتع بدفاع اليسار المتأمرك عن استبداده أو معارضته المحسوبة الزائفة والمحصنة بإرادة لاظوغلي . ومن حق اليسار المتأمرك وأشباهه أن يعطلوا عملية انتقال السلطة من العسكريين إلى الشعب بالوسائل التي يستطيعون استخدامها من تمويل خارجي أو طائفي أو من رجال أموال حرام أو قنوات غسيل أموال أو صحف مشتبه في أمرها ، وأن يدافع بعضهم عن بعض ، ولو جاء ذلك على حساب المعايير والأخلاق والقيم التي تواضع عليها المجتمع ، ولكن ليس من حقهم هدم الدولة من أجل هذه الغايات الرخيصة .. فأعمدة الدولة يجب أن تظل قائمة وراسخة لحمايتها والدفاع عنها . ويجب أن تشارك الجزيرة مباشر وكل مذيعيها مصريون في هذا الدفاع وتلك الحماية .. ماذا يعني أن يذهب الآلاف بقيادة اليسار المتأمرك إلى وزارة الدفاع لمهاجمتها واقتحامها بحجة رفع مطالب الشعب ؟ ما ذا يعني اقتحام وزارة حساسة وتعريض أسرارها ووثائقها للعامة وغير العامة ، وأبناء الوطن والغرباء ؟ من يوم لآخر تعلن الجهات المختصة عن وجود أجنبي يصور هنا أو هناك ، وشخص ما يتابع نشاطا ما ، وغرباء في أماكن غير مخصصة للغرباء .. فما معنى أن يقوم المناضلون الثوريون المستنيرون التقدميون الحظائر يون بقيادة الناس في غير الاتجاه الصحيح ، مع حملة رخيصة وبذيئة على القوات المسلحة تحت مزاعم : أن المجلس الأعلى غير القوات المسلحة ؟ إن بعضهم كان لا يستطيع أن يوجه نقدا لمخبر في لاظوغلي ، لأنه يعلم أن لاظوغلي هي التي صنعته على عينها ، ويعلم كيف تؤدبه وتربيه وتردعه . ولكنهم أمام المجلس الأعلى الذي يضبط نفسه إلى آخر مدى حرصا على مصلحة الدولة يمثلون دور البطولة المزيفة ، ويقولون : احنا ما بنتهددش! يا سلام ! لقد دافعوا عن مذيعة في قناة من قنوات رجال القروض تعاملت بغلظة وفظاظة وفجاجة ودون مهنية حقيقية مع أحد الضباط ، وراح كل من كانوا يقبضون من برنامجها الرديء يكتبون دفاعا عنها ، وتنديدا بالضابط المحترم الذي يمثل القوات المسلحة الباسلة ، والسبب أن الرجل يتهم بعض المناضلين اليساريين المتأمركين باتهامات واضحة يعلم جيدا أنها صحيحة ، ، وأنه عند القضاء سيكون الأمر مزعجا لها ولرفاقها . والغريب أو ليس غريبا أنهم وهم يهاجمون الحكومة ووزرائها ، لا يأتي ذكرهم أبدا على الوزير الشيوعي الفاشل ، الذي دوخ المصريين وأذلهم في طوابير الخبز والبنزين والسولار والبوتاجاز. إن هذا الوزير الفاشل لا يجد غضاضة وهو يجلس متغطرسا متعجرفا ويضع ساقا فوق ساق ليطلب من المذيع أن يخبره بعدد القتلى في الطوابير مثلما كان يحدث في النظام السابق، وكأن مقياس الفشل والنجاح يرتبط بعدد القتلى في الطوابير . ومع ذلك سأقول للوزير الشيوعي الفاشل ، لا يوجد قتلى ، ولكن العذاب الذي لقيه الناس ويعرفه القاصي والداني ، في طوابير الخبز والبنزين والسولار والبوتاجاز لم يحدث في عهد النظام الفاسد البائد ، ويبدو أن معالي الوزير الشيوعي الفاشل لم ير ولم يسمع بالزحام الذي يشبه يوم الحشر، والآلام التي عانى ويعاني منها الناس في كل مكان .. ثم ينتظر معاليه عدد القتلى ليكون فاشلا رسميا ! إن اليسار المتأمرك حين يجتاح القنوات الفضائية التي تمولها القروض أو المال الحرام ، وكذلك الصحف التي نشأت تحت رعاية أميركية ، يحارب الإسلام بضراوة وخسة لم يسبق لهما مثيل ، وكأن ماركس ولينين وهنري كورييل اختزلوا نظريتهم التدميرية في هجاء الإسلام وتشويهه وإقصائه بكل السبل ، لدرجة التحالف مع التمرد الطائفي الخائن الذي وجد في اليسار المتأمرك وأشباهه عميلا جيدا لتمزيق مصر وتفتيتها بعد محو دينها وعقيدتها الإسلامية . لقد انقلبوا على الإرادة الشعبية بعد 19 مارس ، ورفعوا قميص عثمان ، الدستور أولا ، ليستمر الحكم الاستثنائي ، وتظل عصاباتهم تستفيد من واقعها الإعلامي والصحفي والثقافي والمعنوي ، وبالطبع لا يعنيهم أن يحكم الشعب نفسه ، ويقيم مؤسساته الديمقراطية على أسس ديمقراطية حقيقية تكون الكلمة الأولى فيها للشعب المظلوم . إنهم يرون الشعب قاصرا ، ولن يختار العناصر الصالحة بمفهومهم ، مثلما أخطأ وصوت بنعم للتعديلات الدستورية كما يتصورون ! يتناسي هؤلاء أنهم أقلية الأقلية النخبوية والطائفية ، وأنهم يفرضون إرادتهم الشيطانية في فجاجة غير مسبوقة ، وأنهم في سبيل مصالحهم الشخصية والخاصة يضحون بمصالح الوطن والأمة .. وهذا لعمري سلوك مشين بكل المقاييس ! وللأسف فإنهم يتناسون أن الشعب المصري من أذكى شعوب الأرض ، ويعرف من هو الذي يخدمه بصدق ، والذي يبيعه كلاما أجوف فارغا ، وكان من الطريف أن يأتوا بفلاح شيوعي يظهر على شاشة الجزيرة مصر مباشر يقول كلاما فيه خليط من الهزل والجد ، وواضح أنه تم تلقينه ما يقول ، لدرجة أنه هاجم الحركة الإسلامية ، التي ستحكم باسم الله ، ولم تقدم للشعب غير شنطة رمضان ! وإني اسأل هذا الفلاح الشيوعي غير الفصيح : وماذا قدم المليونيرات الشيوعيون لمصر ؟ بل ماذا قدمت الأحزاب الشيوعية لمصر غير الخراب والدموع والعار ، وهو ما لا يتسع المجال لتفصيله ؟ هل قدموا ربع شنطة لأي حي من الأحياء بلاش مصر كلها ؟ هناك شيوعيون تأمركوا يسكنون في الأماكن الفاخرة المميزة ، واغتنوا بعد أن تأمركوا ، ولكنهم لا يدفعون قرشا واحدا يا رفيق لمستشفي أو لفقير ، لأن دينهم هو المزيد من الدولارات ، سواء جاءت من دعم المجتمع المدني ، أو من السفارة الأميركية أو من مؤسسات الأبحاث والدراسات التي تنشر كالطفيليات في أرجاء الوطن البائس التعيس ! ويبقى أن نهنئ الأستاذ وضاح خنفر على شاشة الجزيرة مصر مباشر التي انحازت بوضوح إلى اليسار المتأمرك والدفاع عنه ، واستضافة رموزه ومؤتمراته وصحافته ، ضد الإسلام والحركة الإسلامية ، وسوف نهنئه مرة أخرى حين يعلن عن هذا التوجه رسميا لقناته الجزيرة مصر مباشر .