اتفق علماء أزهريون وسياسيون على أن قيام بعض المنظمات الحقوقية بإثارة مسألة إلغاء عقوبة الإعدام في هذا التوقيت يدل على رغبة هذه المنظمات في الهروب من المواجهة الحقيقية مع النظام السياسي الحاكم في مصر، وتجاهل القضايا الملحة مثل إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق سراح آلاف المعتقلين، لافتين إلى أن افتعال هذه القضية يعبر أيضا عن تبني تلك المنظمات لأجندة خارجية تمليها الجهات الغربية التي تقوم بتمويل تلك المنظمات. وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قد دعت خلال مؤتمر عقدته قبل يومين بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى إلغاء عقوبة الإعدام، ولفتت إلى أنها تدرك أن إلغاء عقوبة الإعدام، يتطلب اجتهاداً فقهياً من فقهاء الشريعة الإسلامية، وأنه يمكن على الأقل في الوقت الراهن إلغاء العقوبة في الجرائم التي لا ينص عليها في الشريعة. لكن علماء الأزهر اعترضوا بشدة على دعوة المنظمة، وأكد الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية أن إلغاء عقوبة الإعدام يتعارض تماما مع القرآن والسنة والشريعة الإسلامية، نظرا لقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) مشيرا إلى أن عقوبة الإعدام هي الضمان والصيانة الحقيقية لحماية حق الإنسان في الحياة، وإسقاطها يجرئ القتلة على ارتكاب جرائمهم، بل إن في العصور الجاهلية عرفت هذه القاعدة وصاغتها فى مقولة " القتل أنفى للقتل "، حيث إن عقوبة كهذه تجعل المجرم يرتدع ولا يفكر في قتل أي إنسان. وشدد الدكتور بيومي على أنه يختلف بشكل مطلق مع مطلب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، فالمشكلة الحقيقية هي الدفاع عن حقوق الإنسان الأخرى ومنها حقه في العدالة والمساواة وحقه في العمل والتعليم والتعبير والرأي، وكل المطالب الأخرى التي يتفق عليها جموع العلماء والمفكرين والسياسيين بدلا من إثارة قضية كهذه في الوقت الراهن. وتساءل: إذا تم إسقاط عقوبة الإعدام، فكيف نضمن حق الإنسان في الحياة؟ فضلا عن أن إسقاط هذه المادة يخالف الدستور المصري أيضا. ومن جانبه، شدد الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر ومفتي جبهة علماء الأزهر السابقة على أنه لا يجوز شرعا إسقاط مثل هذه العقوبة التي تحمي وتصون حياة الإنسان وإسقاطها أمر مرفوض شرعا، مشيرا إلى أنه لا يوجد بدائل شرعية في القرآن والسنة إلا العفو وهي أن يعفو أهل المجني عليه عن تنفيذ هذا الحكم في مرتكب القتل طواعية ويطلبون الدية بدلا من تنفيذ الحكم. في السياق ذاته، أبدى الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين رفضه الشديد لدعوة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، لافتا إلى أن هذا المطلب الذي تطالب به منظمات حقوق الإنسان وراءه دافعان رئيسيان: أولهما رغبة هذه المنظمات في الهروب من المواجهة الحقيقية مع النظام السياسي الحاكم، والذي ليست لديه أي نية صادقة ولا رغبة جادة في القيام بأي إصلاح سياسي وهذا أمر سوف تنعكس آثاره على كافة جوانب الحياة في مصر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإلا فأين المطالب التي تمس الشارع المصري والواقع السياسي مباشرة مثل إطلاق الحريات العامة وإلغاء محاكم أمن الدولة وإنهاء حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين الاستثنائية وإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر ومطلب استقلال السلطة القضائية وإنصاف القضاة، وكلها مطالب كان الأولى أن تثيرها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بدلا من إثارة مطلب كهذا. أما الأمر الثاني، والكلام لازال على لسان الدكتور حبيب، فهو محاولة هذه المنظمات الالتفاف حول الشريعة الإسلامية التي تفرض القصاص من المجرمين والقتلة لحماية المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره، وهذا أمر من شأنه أن يدخل المجتمع المصري إلى حالة من السيولة والفوضى وضياع الثوابت ، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان تتفق مع هذه المنظمات في المطالب الأساسية التي تحمي ثوابت المجتمع وتكرس استقراره وأمنه. وعن تأثير التمويل الأجنبي على أجندة ومطالب هذه المنظمات ، قال النائب الأول لمرشد الإخوان المسلمين إنه بدون شك أن هناك ارتباطا بين هذه المنظمات ومطالبها والتمويل الخارجي الذي تحصل عليه فهذا التمويل ليس ممنوحا لدفع عجلة التقدم في مصر أو تعزيز الاستقرار وإنما لإخضاع الواقع العربي لشروط الأجندة الغربية في الإصلاح المزعوم الذي يصب في النهاية في خدمة مشروعها بالشرق الأوسط الكبير الذي لا يحقق أي فائدة للمجتمعات العربية والإسلامية وإنما يهدف في النهاية إلى إخضاع هذه المجتمعات للرغبات الغربية. في المقابل، دافع حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن الدعوة التي أطلقتها المنظمة، مشددا على أن المنظمة لا تقصر مطالبها على إلغاء هذه العقوبة وإنما تطالب مرارا بإلغاء كل القوانين الاستثنائية المسيئة ومنها إلغاء حالة الطوارئ، وأنها تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في كل الجرائم لم يرد بشأنها نص في الشريعة الإسلامية. وأوضح أبو سعدة أن المنظمة حرصت على أن يشارك الأزهر وعلماء الإسلام وفقهاء قانون وتشريعات في هذه الندوة ، كما طالبت المنظمة بتشكيل لجنة من علماء الإسلام ورجال القانون لبحث البدائل المتاحة لعقوبة الإعدام في القرآن والسنة، حتى لا نقف بشكل جامد أمام نصوص الشريعة الإسلامية. وعن ربط البعض بين مطالب المنظمة التي تعارض مع الشريعة الإسلامية والتمويل الخارجي الذي يحاول فرض الأجندة الغربية على أنشطة المنظمات الحقوقية، نفي سعدة وجود أي علاقة بين هذا المطلب والتمويل الأجنبي، مشيرا إلى أن المنظمة تستند إلى المعايير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تطالب بإلغاء هذه العقوبة. ومن جانبه، أكد الدكتور السيد عثمان المحلل السياسي أن هذه الدعوة تتصادم مباشرة بالدين والعقيدة الإسلامية أيا كان البريق والجاذبية التي تقف خلفها، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولي التي تطالب فيها منظمات حقوق الإنسان بمطالب تخالف ما هو معلوم من الدين فقد سبق وطالبت بوقف الختان والدعوة لحرية الشذوذ كحرية شخصية وأخيرا هذه الدعوات. واعتبر عثمان أن مثل هذه المطالب هي نتائج للتمويل الغربي لهذه المنظمة فقد تكون هناك منظمة عالمية لحقوق الإنسان تنوي شن حملة للمطالبة بأمر معين وفي هذه الحالة تطلب من المنظمات الإقليمية والمحلية المشاركة في تلك الحملة وقد لا تكون هذه المطالب على أجندة المنظمات المحلية ولكنها تنخرط فيها وتطالب بها حتى تحصل على مزيدا من التمويل. جدير بالذكر أن التقرير الذي عرضته الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان أمام المؤتمر قد دعا الاتحاد الأوربي إلى التطرق إلى مسألة عقوبة الإعدام بشكل مستمر في الحوار المتبادل مع مصر، استنادا إلى اتفاقية الشراكة المصرية الأوربية، وبالتحديد البند الخاص بحقوق الإنسان والالتزامات الواقعة عليها بمقتضى خطوط الاتحاد الأوربي التوجيهية بشأن عقوبة الإعدام لعام 1998، مطالبا الاتحاد الأوربي بمساندة مشروعات المجتمع المحلي المصري التي تعمل في صالح إلغاء عقوبة الإعدام. واعتبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقريرها خلال المؤتمر أن الدعوة إلى إلغاء الإعدام، لا تعتبر دفاعاً عن مرتكبي الجرائم الخطرة في المجتمع أو دعوة للتسامح معهم، بقدر ما هي دعوة لتعزيز الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، مشيرة إلى أن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي لا يمكن إعادة النظر فيها، إذا ظهرت أدلة جديدة تثبت براءة من أدين. ولفت التقرير إلى أن هناك تزايدًا في استخدام عقوبة الإعدام بشكل ملحوظ في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث صدر خلال الفترة من 1991 وحتى عام 2000 ما لا يقل عن 530 حكماً بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم في 213 شخصاً منهم، وعام 2002 تم إعدام نحو 47 شخصاً، و31 شخصاً عام 2003، و36 شخصاً عام 2004، و12 شخصاً عام 2005، مشيراً إلى أن جميع حالات الإعدام تمت شنقاً. وأثار اقتراح قدمه المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض أمام المؤتمر، بإنشاء صندوق قومي للدية يتولى دفع الدية لأهالي المجني عليهم في جرائم القتل الخطأ يليه تشريع آخر بإلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية، جدلاً واسعاً بين المشاركين في المؤتمر. وأوضح البسطويسي أن الاقتراح يحب أن يستكمل بدراسة معالجة الجرائم الاجتماعية الأخرى بتشريعات تتناسب مع تطور هذه الجرائم لتصل الخطة التشريعية في نهايتها إلى تطبيق الإعدام في حدود ضيقة، وهي جرائم القتل العمد فقط.