إن شاء الله سأنزل غدا إلى ميدان التحرير مع الآلاف بل الملايين الذين انتفضوا أخيرا دفاعا عن إرادتهم التي أراد أصحاب الصوت العالي اغتصابها. لطالما حذر الكثيرون من محاولات النيل من الإرادة الشعبية التي تجسدت في استفتاء 19 مارس وأثمرت خارطة طريق واضحة المعالم للانتقال من الركن الأول للثورة وهو هدم النظام البائد إلى الركن الثاني وهو بناء نظام جديد وفق جدول زمني محدد التواريخ ليس أمامنا من طريق واضح غيره للوصول إلى بر الأمان الديمقراطي، يبدأ بانتخابات نيابية ثم تشكيل لجنة تأسيسية لإعداد دستور جديد يلبي مطالب وأشواق المصريين في الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية وهي المطالب الثلاثة التي مثلت حجر الزاوية لثورة 25 يناير، وخلال فترة إعداد الدستور تجري انتخابات الرئاسة، لتعود للدولة مؤسساتها بشرعية شعبية تمنح القائمين على هذه المؤسسات سواء في الحكومة أو رئاسة الجمهورية أو مجلسي الشعب والشورى قوة مادية ومعنوية تمكنها من فرض هيبة الدولة على الجميع. لقد حذرنا من غضب الشعب الذي عرف طريقه إلى الحرية والخلاص، والذي لن يسمح لأحد بأن يهينه بعد اليوم، وقلنا إن الشعب المصري هو مثل النيل يتحرك في هدوء، لكنه في لحظة الفيضان ينطلق موجا هادرا كما فعل يوم 25 يناير ويوم 28 يناير وطوال أيام الثورة الثمانية عشر، وما بعدها من جمع مليونية توافقية، ولكن أصحاب الصوت العالي ملوك الفضائيات وحملة أكياس الدولارات لم يأبهوا بهذه التحذيرات، وطنوا أنهم امتلكوا ناصية الشارع المصري، وإنهم أصبحوا الوكلاء الحصريون في التعبير عن الثورة التي دفع الشعب فيها ثمنا غاليا من أبنائه الشهداء والمصابين، ومن أمنه وأمانه، ومن لقمة عيشه وقوت أولاده، وراح أصحاب الصوت العالي يلعنون "سنسفيل"الاستفتاء، ويسفهون من قال نعم فيه، بل ويدعون أنه استفتاء باطل، وأنه والعدم سواء بعد صدور الإعلان الدستوري، وما تضمنه من تعديلات لبعض الصياغات في مواد الاستفتاء، متناسين أن هذه التعديلات كانت لبعض الألفاظ بهدف ضبط السياق العام، وتبديل المجلس العسكري برئيس الجمهورية، حيث يقوم المجلس فعليا بدور رئيس الجمهورية في الوقت الحالي، والأدهى من كل ذلك هو تكالبهم على صياغة مسودات دساتير، ومحاولة فرضها كأمر واقع لقطع الطريق على اللجنة التأسيسية للدستور التي ستكون من اختيار الشعب عبر نوابه، وحتى حين تحدث اللواء محسن الفنجري في بيان للمجلس العسكري عن مواد حاكمة أو حكيمة لاختيار أعضاء الهيئة التأسيسية حرفها فريق الأقلية إلى مواد حاكمة للدستور أو مواد فوق دستورية يحاصرون بها الإرادة الشعبية واللجنة التأسيسية المنتخبة، ويصادرون بها على إرادة الأجيال المقبلة. ومع كامل الاحترام للمجلس العسكري ولدوره في حماية الثورة وإنجاحها، إلا أن المجلس يتحمل قدرا كبيرا من المسئولية عن تطاول فريق الأقلية السياسية على الأغلبية، حيث راح هذا المجلس يقدم التنازلات المتتالية التي أغرت هذا الفريق بطلب المزيد، وأقنعته بقدرته على تفريغ نتيجة الاستفتاء الشعبي من مضمونها، وكان أول التنازلات هو في الإعلان الدستوري نفسه، إذ لم يكن هناك داع لمثل هذا الإعلان بعد أن حددت مواد الاستفتاء خارطة طريق محددة، ورغم تفهمي أن هذا الإعلان كان بهدف طمأنة فريق الأقلية التي خرجت مهزومة من استفتاء 19 مارس، وراحت تثير الأراجيف ، إلا أن هذه الأقلية استغلت هذا الإعلان للطعن في شرعية الاستفتاء ذاته، ورغم أن نتيجة الاستفتاء حددت تواريخ واضحة للمرحلة الانتقالية تبدأ بانتخابات مجلسي الشعب والشورى في غضون 6 أشهر من تاريخ الاستفتاء أي بحلول 19 سبتمبر، إلا أن المجلس العسكري لوى عنق النص الدستوري بدعوى أنه يحدد موعد البدء في إجراءات الانتخابات فقط، وبالتالي فقد قرر التجاوب مع مطالب تأجيل الانتخابات بترحيلها عمليا إلى منتصف نوفمبر أي تأجيلها لمدة شهرين، قد تتجدد المطالب بتأجيلها شهورا وربما سنوات أخرى حتى تستعد الأحزاب والائتلافات الجديدة، وكأنها أول وآخر انتخابات ستجري في مصر. كان على المجلس العسكري أن يعلن موقفه بشكل صارم أن الانتخابات ستجري في سبتمبر، وان على من يريد المنافسة أن يستعد لها، وأنه لن يؤخرها يوما واحدا حتى يقطع الطريق على المشككين والراغبين في تعطيل مسيرة الديمقراطية، بل الخائفين من صندوق الانتخابات، ومن النزاهة والرقابة القضائية، وهم الذين لم يتمكنوا من دخول البرلمان إلا عبر التزوير والصفقات الخسيسة مع نظام مبارك. نزول الشعب إلى الميادين غدا هو للدفاع عن إرادته وهويته، وهذا النزول لن يكون ضد فريق من أبناء الثورة اتخذوا مسارا مغايرا عبر الاعتصام أو التحرك المنفرد، ولكنه سيكون رسالة قوية لأطراف عديدة، أولها رؤوس الفتنة الذين يحاولون ركوب الثورة واحتكار الحديث باسمها، ومن ثم يسعون لتغيير هوية المجتمع وفاء لقناعات وإيديولوجيات منبتة الصلة بأرضنا وشعبنا أو وفاء لأثمان قبضها البعض من السفارات الأجنبية التي تريد الحفاظ على هيمنتها على القرار المصري والسيادة المصرية، ويرتبط بهذا الطرف الداخلي مباشرة الطرف الخارجي الذي فتح خزائنه لتمويل بعض الحركات والجمعيات بهدف تغيير هوية المجتمع وسلب رجولته، وإبقائه في حالة خنوع وخضوع لسياسات وتوجهات تلك القوى المانحة للدولارات، أما الطرف الثالث الذي تستهدفه الرسالة فهو المجلس العسكري الحاكم، وذلك لدفعه لاحترام إرادة الشعب وعدم تقديم مزيد من التنازلات التي تمس تلك الإرادة، والالتزام بخارطة الطريق التي أقرها الشعب، وكذا للإسراع في تنفيذ بقية مطالب الثورة المؤجلة المرتبطة بتطهير أجهزة ومؤسسات الدولة من فلول النظام البائد، سواء في الأجهزة التنفيذية، أو التشريعية أو القضائية أو الإعلامية، أو الدبلوماسية. الرسالة الأخيرة لجمعة الغد هي لإعادة اللحمة بين أبناء الثورة الحقيقيين، من الحركات الشعبية الوطنية المخلصة، وتنقية الصفوف الوطنية من الدخلاء والمتطفلين وحاملي أكياس الدولارات، وفول النظام البائد وكل الذين يسعون للوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة التي لن ننسى لها أبدا تلك الوقفة المشرفة التي أوصلتنا إلى بر الأمان بينما نرى أشقاء آخرين في اليمن وسوريا وليبيا لايزالون يعانون الويلات بسبب انحياز جيوش بلدانهم للنظم الحاكمة فيها.