إن المرأة العفيفة إذا وسوس لها الشيطان، أو عرضتْ لها حالة من التسفل، أو انتابتها لحظة ضعفٍ، ثم نظرت إلى نفسها وحظها وطعم نفسها، فقد تزل وتعمى. لكنها إذا نظرتْ إلى هذا الفجور وذاك التسفل فى غيرها، ومن ثم آثاره ونتائجه على ذويه، ولجأت إلى صوت ضميرها الخفى ورددت: هذا ليس لي.. هذا لا ينبغى لمثلي، وألجمت بث الأمانى بالمنايا.. وهابتْ خطوات الخطايا ووقعها، وأيقنتْ أن لحظة عارضة قد تحولها إلى درهم زائف لا يقبله الناس، هنا.. وهنا فقط، فكأنها: أضافت إلى نفسها نفوسًا أخرى، تريها الأشياء مجردة كما هى على حقيقتها، فتزهد فيها ثم تمقتها، وتجعل بينها وبين التسفل حجابًا مستورًا، ثم تعلو همتها فتعوض نقص اللذة لديها بلذة المنع والعفاف والغنى، فمن تبع الهوى هوى، ومن رُمى فى أحضان اللذة، انتكس بالذلة، فلا أذاقنا الله طعم أنفسنا. ومن ترك حراما لله، عوضه بأنفس منه. وقال معن بن أوس: لعمرُكَ ما أهويتُ كفِّى لريبةٍ.... ولا حملتنى نحوَ فاحشةٍ رجلي ولا قادنى سمعى ولا بصرى لها.... ولا دلَّنى رأيى عليها ولا عقلي وأعلمُ أنى لم تُصبنى مصيبةٌ.... مِن الدهر إلا قد أصابتْ فتًى قبلي ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكرٍ.... مِن الأمرِ لا يسعَى إلى مثلِه مثلي ولا مُؤْثرًا نفسى على ذى قرابةٍ.... وأُوثرُ ضيفى ما أقام على أهلي وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: (نحن معشر قريش نعدُّ الحلم والجود السؤدد، ونعدُّ العفاف وإصلاح المال المروءة). وقدم وفد على معاوية فقال لهم: (ما تعدون المروءة؟ قالوا: العفاف وإصلاح المعيشة، قال: اسمع يا يزيد)، أما محمد بن الحنفية فقال: (الكمال فى ثلاثة: العفة فى الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير فى المعيشة). وعمر بن عبد العزيز يشترط العفة لتولى القضاء فيقول: (خمس إذا أخطأ القاضى منهن خصلة كانت فيه وصمة: أن يكون فهمًا حليمًا عفيفًا صليبًا، عالمًا سؤولًا عن العلم). وهذا أيوب السختيانى تتعدى العفة لديه عن الأعراض لتشمل الأموال أيضًا ويعدها من النبل لدى المرء، فيقول: (لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عن أموال الناس، والتجاوز عنهم)، وقال الحسن البصري: (لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع فى دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به، وكرهوا حديثه وأبغضوه). وقال الشافعي: (الفضائل أربع: إحداها: الحكمة، وقوامها الفكرة. والثانية: العفَّة، وقوامها الشهوة، والثالثة: القوة، وقوامها الغضب. والرابعة: العدل، وقوامه فى اعتدال قوى النفس). وقال أبو حاتم البستي: (أعظم المصائب: سوء الخلق، والمسألة من الناس، والهم بالسؤال نصف الهرم، فكيف المباشرة بالسؤال، ومن عزت عليه نفسه، صغرت الدنيا فى عينيه، ولا ينبل الرجل حتى يعفَّ عما فى أيدى الناس، ويتجاوز عما يكون منهم، والسؤال من الإخوان ملال، ومن غيرهم ضد النوال). وعن المدينى قال: (كان يقال: مروءة الصبر عند الحاجة والفاقة بالتعفف، والغنى أكثر من مروءة الإعطاء). جبر الله كسرنا وسترنا وإياكم فى الدارين.