ربما يظن بعض الناس أن الانتصار يكون خالصاً بدون شوائب , ففرحة النصر عندهم تنسيهم الخسائر مهما كان حجمها , ولكن الناظر في تاريخ الحروب يتبين له أن النصر لا يخلوا من الأحزان في بيوت القتلى من المقاتلين سواء كانوا من المهزومين أو المنتصرين , أما أصحاب القضايا العادلة الذين يضحون من أجل الأهداف السامية تجدهم بالرغم من حزنهم يفرحون باستشهاد أقربائهم وذويهم , ولعل هذا نلاحظه جلياً في الصدر الأول من الإسلام , حيث كان المسلمون يتمنون الشهادة في قتالهم ضد الكفار وهو قتال صريح لإعلاء كلمة التوحيد ونشر العقيدة الإسلامية , ولكن الموقف تغير تماماً حينما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما وتقاتل الطرفان المسلمان , وظن كل منهما أن الحق بجانبه وسقط على إثر ذلك الآلاف من الشهداء وخسرت الأمة الإسلامية رجالاً نعدهم من الأبرار , واستمر نزيف الدماء حتى استتب الأمر بالمصالحة وتنازل الحسن رضي الله عنه , وأصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين وهو ذلك الصنيع الذي تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه خيراً بقوله ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين ) . ولقد طالعت ذات مرة أن علياً رضي الله عنه وهو أولى الطائفتين وأقربهما إلى الحق تمنى لو سلك طريقاً آخر لحل الأزمة فلم يكن يتوقع استمرار الصراع طوال هذه المدة بما فيها من نزيف الدم الغالي بين المسلمين , ولقد روي عنه أيضاً أنه حادث معاوية في أن ينهيا الصراع بينهما بالمبارزة فمن بقي منهما آل إليه الأمر , ولكن معاوية رضي الله عنه رفض المقترح . وها نحن اليوم نعيش صراعاً ليس فيه غالب ولا مغلوب , فالخاسر الوحيد هو الوطن , فمن يُقتل اليوم في سيناء سواء كانوا من الجيش أو الشرطة أو المواطنين هي خسارة فادحة للوطن , فليس معنى أن الجيش نجح في تدمير بعض البؤر الخارجة على النظام أو أن المعارضين نجحوا في تدمير بعض مركبات الجيش أن أحدهما أنتصر على الآخر , ولكن الحقيقة المرة أن المصاب أليم والخسائر في الأرواح لا تعوض وحاجتنا اليوم قبل الغد إلى وجود المخرج العاجل من الأزمة , كما أن رفض الأطراف لفكرة الحوار أو المبادرات المطروحة أمر يؤكد لنا أن كل طرف ماض فيما يراه ولو على جثة الآخر , وفي نفس الوقت لا يدركون أن كل يوم يمر علينا وإن تحققت فيه بعض الإنجازات الحكومية فالوطن يتأخر على مستوى العلاقات الاجتماعية بين الفريقين فتزداد الشروخ عمقاً والجروح تلوثاً , بل ويتحول الخلاف السياسي إلى خلاف دموي ثأري ينتظر لحظة الوثوب والانتقام , وهذا مالا نرضاه لوطننا العزيز الذي لا يصح أن يتعرض للسقوط بأيدي أبنائه المتصارعين . وختاماً فإن مناشدتي لأصحاب الأيادي البيضاء من الحكومات أو الجماعات أو قادة الرأي والفكر الحاملين لهموم الوطن والمدركين لخطورة استمرار الصراع , أن يبادروا إلى بذل مافي وسعهم نحو الإصلاح خاصة وأن أمامهم رصيداً لا بأس به من الأفكار والمبادرات يمكن أن يمثل نقطة انطلاق نحو إيجاد حل يرضي الأطراف وينصف المظلوم ويرد الحقوق إلى أهلها ويعلي شأن الوطن . والله المستعان