كلنا مسلمون تحقيقا للنص الذي شهد فيه الأنبياء والرسل علي أنفسهم بأنهم مسلمون. حقا فمن أسلم وجهه لله حصل علي هذه الشهادة »أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ« البقرة الآية 331.. هل جاء اليوم الذي يعكر فيه بني إبراهيم صفو الإسلام ويمزقون ثوبه. ما أراه الآن هو شد وجذب وطرح الإسلام كوسيلة تهديد وعقاب في وجه الآخر. فهذا مؤمن وهذا غير مؤمن.. البعض يكفر بعضا رغم أنهم علي نفس الملة.. لماذا حدث ذلك؟! هل ارتضينا أن نكون أعداء تحت مسمي الصراعات السياسية فنقبنا عن أداة ليقتل بعضنا بعضا فلم نجد غير كلمة الإسلام درعا وسيفا نصلته علي أنفسنا؟ ما كان للإسلام عبر رسالات الأنبياء الذين ارتضوا أن يسلموا وجوههم لله وحده أن يفرق بين الناس وأن يبث البغضاء والشحناء في نفوسهم فيصير لغة تهديد ووعيد وليس لغة رحمة وألفة ومودة بين الناس. نحن نُقَّيم إيماننا علي قيم الإسلام وخلق الرسل والأنبياء في التوحيد والوحدة والترابط ولا نتخذ منه أسلحة نطلق منها النيران اللفظية والآلية في وجه بعضنا البعض. غياب الوعي الديني والفهم الصحيح لمقاصد الدين بأنه دعوة للخير والزرع والنماء والإعمار والترابط ونشر دعوة التوحيد لمن لم تصلهم هذه الدعوة، هو الذي أدي بنا إلي أن نتمسك بالجهل ونظن انه إسلام ندرأ به عن أنفسنا الرذيلة ونلبسها للغير في حالة الاختلاف معه. حتي الإسلام في تعامله مع المسلمين عندما تبغي طائفة علي الأخري يطلب منا ان ندافع عن الطائفة المعتدي عليها حتي تفيء الطائفة المعتدية ثم نصلح بينهما والاعتداء هنا هو إشهار السلاح في وجه الآخر النابع من الصراعات السياسية من أجل تحقيق مكاسب دنيوية. الإسلام يدعونا ان نربأ بأنفسنا عن الدخول في صراعات دموية تؤدي بالأمم إلي الهلاك من أجل الحصول علي سلطة حتي وإن كانت حقا لأن الدواعي والأضرار التي تنتج عن هذا الصراع لا تترك بصيصا من نور وإنما تهلك النسل والحرث وتعود بالأوطان إلي الوراء فيطمع فيها من لا يريد لها خيراً. إننا لم نتعلم من الفتنة الكبري التي حدثت بعد وفاة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بين سيدنا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.. لقد أشهر أنصار معاوية المصاحف علي حد السيوف عندما حاقت بهم الهزيمة وهو صراع كان في الظاهر الانتقام من قتلة سيدنا عثمان ولكن الحقيقة انه كان صراعا من أجل كرسي الخلافة ومن باطل يراد به حق اريقت الدماء وتمزقت وحدة المسلمين وظهر طرف ثالث من خلال هذه المعركة وهم الخوارج الذين كفَّروا عليّ ومعاوية معا باسم الإسلام.. فقتل علي ونجا معاوية وعمرو بن العاص. وعندما جاء الحسن بن علي آثر السلامة من أجل وحدة الأمة الإسلامية والخروج من دائرة صراع السلطة رغم مبايعة المسلمين له وهم ليسوا قلة وأهل قتال وحرب.. وهذا ما فعلوه مع الحسين إذ دفعوا به نحو الصراع حتي قُتل رغم أنه والحسن لم يكونا طلاب سلطة أو دنيا ولكن إيمانا منهما أنهما أصحاب حق في الخلافة ولكن الموقف مع الحسن اختلف عنه مع الحسين ومع ذلك لم يُكفر أحد منهما معاوية رغم نشوب الحرب والقتال معه ومع أبنائه. ما أشبه الليلة بالبارحة.. نحن الآن في مفترق الطرق.. فريق يرفض سياسات فريق ويعتقد أنه تآمر علي الوطن فخرجت الملايين تنبذ هذا الفريق وترفضه وتخلعه عن سدة الحكم والفريق الآخر يعتقد أيضا أن هذا الفريق انقلب علي الشرعية الدستورية وللأسف أضاف للمفهوم السياسي والديمقراطي كلمة الشريعة وهذا خطأ فادح وما للشريعة دخل في هذه اللعبة السياسية.. فاحتدم الصراع وأريقت الدماء وعاد المجتمع خطوات واسعة إلي الوراء في وقت لا ينظر الأعداء لنا من باب المشاهدة المسلية ولكن من باب التربص للإجهاز علي وطننا مستغلين الوضع الداخلي المتأزم فيدفعون بمن عميت أبصارهم رافعين لواء الإسلام هو الحل وأن التكفير والقتل هو الجزاء! لماذا لم نتعلم من الإسلام وخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومواقف الأنبياء والرسل في حياتهم التي تدعو إلي رأب الصدع ونشر دعوة السلام بين الناس.. لماذا نعود إلي الجاهلية متكئين علي الإسلام بالباطل في رفع حدة الصراع إلي أوجها والإسلام بريء منها. لماذا حولنا الصراع السياسي بيننا إلي نار وحرق وقتل ودمار وألبسناه ثوباً إسلامياً نمزقه بأيدينا كما حدث في الماضي البعيد تحت زعم »قميص عثمان« الذي تمزق وخضب بالدماء!