بعيداً عما يثيره البعض عن عدم موافقة يوم عاشوراء الذي سن صيامه النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أيام احتفالات اليهود بذكرى نجاة نبي الله موسى وبني إسرائيل.. فإن إجماع الأمة وتواترها منذ النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا منعقد على صيام يوم العاشر من المحرم باعتباره يوما نجَّى الله تعالى فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وجنوده وجيشه الباطش.. "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه». وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه، وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل صيامه فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.".. وما يعنيننا في هذه العجالة بعد الحث على صيام يوم عاشوراء كسُنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هو استحضار هذه الصورة لدين الإسلام.. فنحن كمسلمين نصوم اليوم احتفالاً بنجاة نبي الله موسى والذين آمنوا معه من بني إسرائيل .. لأننا كأمة الإسلام أولى بموسى عليه السلام وبالأنبياء وبالمؤمنين مع الأنبياء من الأقوام والأعراق والبيئات التي أرسل إليها الأنبياء أنفسهم.. قال جلّ وعلا (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)آل عمران68 فما أروع هذا الدين وما أعظمه دين يسمو على العصبية القومية وعلى العنصرية.. كيف لا وهو نفسه دين لا طائفي ولا عرقي ولا قومي .. وإنما هو دين أنزله رب العالمين للإنسانية جميعا بمختلف أعراقها وأنسابها.." وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"الأنبياء107 إن صيام يوم عاشوراء ينقلنا من التعصب للعنصر وللذات إلى الانتصار للحق ولو كان مع غير قومنا أو أهلنا!! حيث انتصر المسلمون بإسلامهم على حمية العصبية الجاهلية التي ترفع:"كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر" شعاراً.. المسلمون في مصر يصومون يوم عاشوراء – وهم بالملايين- وهم يدركون بطبيعة الحال أنهم يصومونه انتصاراً واحتفالاً لنبي الله موسى عليه السلام نبي بني إسرائيل الذي كان يواجه ظلم وفساد وطغيان فرعون، حاكم مصر وحاشيته وجنوده الذين اتخذهم من أهل مصر.. فينتصرون للحق والإيمان في صف موسى عليه السلام والذين آمنوا معه من قومه، على أسلافهم من المصريين الذين انحازوا إلى فرعون الطاغية.. (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين) القصص4، وكأن المصريين بصيامهم يوم عاشوراء يقطعون أواصر الرابطة مع الظلم والظالمين ولو كانوا الفراعنة ملوك هذه الأرض في قديم الزمان..ويصلون نفس الرابطة مع أهل الإيمان عبر المكان والزمان وان اختلفوا عنهم عرقاً ونسباً.. لقد انتقلت الشعوب بالإسلام من التحيز الضيق للعنصر والجنس واللون إلى الانحياز إلى الإنسانية حيث سمو قيم الرحمة والإخاء والعدل والحق .. فصوموا يوم عاشوراء ويوما قبله أو يوما بعده اقتداء بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.. ولا تنسوا العبرة المتجلية في هذا الصيام احتفالا بنجاة موسى وبني إسرائيل من الطاغية فرعون وهامان وجنودهما..