لقد عانى المصريون من الديكتاتورية وحكم الفرد وتسلط العصابة الحاكمة لمصر طيلة ثلاثون عاما ذاق فيها المصريون ما ذاقوا من ذل وهوان وكتم أنفاس واعتقال وتزوير إرادة وسرقة مقدرات الدولة المصرية وعاش المصريون تحت خط الفقر يعانون من الأمراض والفاقة والعوز وحرمان لأبسط معاني المعيشة الكريمة لأي إنسان ، ثم من الله على مصر بثورة 25 يناير لتعود الحرية إلى المصريين وبدأوا بتنسم نسيمها فنزلوا إلى الشوارع والميادين يهتفون ويثورون ضد الظلم والذل والهوان والاستبداد والديكتاتورية والسرقة يطالبون بحياة كريمة وعدالة اجتماعية ، وكان ما كان مما نعلمه جميعا خلال 18 يوما كثرت فيها الأحداث حتى انتهت بانحياز الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى اختيار الشعب وتنحى مبارك تحت ضغط الجيش ونجحت الثورة وهتفت الجماهير الجيش والشعب إيد واحدة وبدأت عجلة الإصلاح تسير ببطء أحيانا وبسرعة أحيانا على يد وزارة الدكتور عصام شرف الذي جاء من خلال الثورة وميدان التحرير فأنجزت في بعض الملفات التي كان قد أهملها النظام البائد فاقروا زيادة في المعاشات ثم زيادة في المرتبات ووضعوا حدا أدنى للأجور وقاموا بحلول جزئية لمشكلة مياه النيل وأعادوا الاتصال بأفريقيا الامتداد الطبيعي لمصر وجلبوا بعض الاستثمارات من الخليج لا بأس بها وأنجزوا بالتعاون مع المجلس العسكري استفتاء للتعديلات الدستورية شهد القاصي والداني بنزاهته والإقبال الجماهيري منقطع النظير الذي حدث واختار الشعب باغلبية ساحقة خارطة طريق تبدأ بانتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم اختيار لجنة منتخبة لتعديل الدستور ثم انتخابات رئاسية . وبالطبع طوال هذه الشهور الستة التي مرت على الثورة المصرية كنا نرضى عن بعض الخطوات للحكومة والمجلس العسكري ولا نرضى عن أخرى ونرضى عن بعض الوزراء في الحكومة ولا نرضى عن آخرين ، ونستبطئ بعض الخطوات ونتحفظ على بعض الإجراءات فكان هناك شد وجذب كثير واختلافات و معارك جانبية كثيرة ولكن عجلة الحياة في مصر عادت للدوران فتحسن الاقتصاد نوعا ما وتحسنت أحوال البورصة المصرية وبدات عجلة الانتاج في الدوران أيضا ، وبقيت فئة غير راضية عن نتيجة الاستفتاء الذي جرى على التعديلات الدستورية تحاول التأثير على خارطة الطريق التي اختارها الشعب بمليونيات فاشلة وحروب إعلامية فاشلة بجعل الدستور قبل الانتخابات لعدم قدرتهم على المنافسة فيماطلون بأي طريقة حتى سنحت لهم الفرصة بإخلاء سبيل بعض الضباط المتهمين بقتل الثوار وبعض البراءات التي حدثت في بعض القضايا لرموز الفساد في النظام البائد فتحدد يوم 8 يوليو لمليونية الثورة أولا وشارك فيها جميع الحريصين على إتمام هذه الثورة وتحددت لها رسائل تؤكد عليها جميع القوى الثورية والأحزاب والكيانات ، و مجموعة مطالب موجهة للمجلس العسكري وحكومة عصام شرف وتم ما أراد المشاركون في هذه المليونية ووصلت الرسائل وفوجئ الجميع بهذه الفئة أصحاب دعوى الدستور أولا يجهزون لاعتصام وخيام وغلق للمرور في ميدان التحرير وتطور الأمر لغلق لمجمع التحرير وبدأت تعلو هتافات وترفع شعارات بأن يسقط المجلس العسكري ونريد مجلسا رئاسيا بدلا منه وأن يستقيل عصام شرف ونعين بدلا منه زيد أو عبيد وانقلبوا بعدما كانوا يريدون المجلس العسكري يمتد حكمه للبلاد إلى سنتين يتم فيها تعديل الدستور ثم انتخابات برلمانية ورئاسية وتسير الأمور بالراحة دون داع إلى العجلة فالمجلس العسكري موجود ولا غضاضة في استمراره في الحكم لعدة سنوات إلى المناداة برحيل المجلس العسكري الآن، ثم خرج علينا الدكتور عصام شرف بوعود وبدأ بتنفيذ هذه الوعود وخرج بيان المجلس العسكري ليؤكد على وعوده السابقة بتسليم السلطة لحكومة ورئيس منتخبين وليؤكد على مساندته لعصام شرف ومؤيدا لوعوده التي وعد بها من تعديلات وزارية وحركة محافظين وعلنية المحاكمات ورغم هذا كله ما زالت هذه الفئة التي وصفها البيان العسكري بأنهم يغلبون المصالح الشخصية على مصالح الوطن في التحرير معتصمون .. نعم منهم ثوار لهم آراء يدافعون عنها وحريصون على تحقق بعض المطالب ولكن الأكثرية بالفعل لهم أغراض أخرى كتوسيع الفجوة بين المجلس العسكري والشعب والتلويح بعصيان مدني وتلويح بعضهم باقتحام مجلس الوزراء لإسقاط الحكومة وهتافات ضد المشير رئيس المجلس العسكري بل أن بعضهم لوح بتعطيل المجرى الملاحي لقناة السويس . والسؤال الآن .. إلى أين يريد هؤلاء بالبلد أن تسير ؟؟ ومن الذي سيحل محل المجلس العسكري ؟ وهل من الممكن حدوث توافق على مجلس رئاسي وسط ما تمر به البلاد ؟ ثم أين حدث في العالم انتخابات لانتخاب مجلس رئاسي ؟ وهل نجحت هذه التجربة في دولة من قبل حتى نستدعيها للتطبيق في مصر ؟ هل يريد هؤلاء أن ينقلب المجلس العسكري على الثورة التي حماها وعلى الشعب الذي انحاز إلى مطالبه ، ثم هل أخذ عصام شرف فرصته كاملة لإصلاح ما تهدم وترقيع ما تقطع ومحاربة للفساد ؟ ، هل الخمسة أشهر التي قضاها عصام شرف كافية لإتمام اي شئ ؟؟ وهل دولة أخذت في الانهيار طوال ثلاثون عاما مضت وتغلغل فيها الفساد من قاعها إلى قمتها من الممكن أن تنصلح في هذه الفترة الوجيزة ؟ هل يملك عصام شرف عصا سحرية ليغير هذا الواقع بهذه السرعة حتى نحاسبه اليوم ؟ هل سيكون مبدأ هؤلاء أن الفرصة المعطاة لأي حكومة لا تزيد عن 3 شهور إما تصلح فيها وإما تسقط وترحل .. والرئيس الذي يحكم البلد إما يشاهد الإصلاح على يديه خلال 3 أشهر وإما نثور عليه ونخلعه .. هل يصبر المصريون على حكم مبارك ثلاثون عاما ولا يصبرون على من يصلح 3 شهور ..ثم هل سيصير حال المصريين أن كل اللي يزعل مع مراته يروح التحرير ؟؟